لا يكفي ما يظهر على السطح لتقييم الأنظمة الحاكمة. يُروِّج النظام المصري لاستراتيجيات جديدة، ويقدم نفسه كداعم للحقوق، من خلال قرارات وتعديلات قانونية. لكن عندما يتحول التغيير إلى مجرد واجهة شكلية تخفي وراءها سياسات تقليدية، تظهر تناقضات صارخة.
إصدار القوانين وتنظيم المسائل التشريعية يُعد خطوة ضرورية لأي نظام سياسي يسعى إلى التطوير وضمان حقوق الأفراد داخل المجتمع. وعلى الرغم من أهمية الخطوة كآلية تنظيمية، فإن المشكلة تظهر عندما تعاني تلك الإجراءات من عوار يجعلها عاجزة عن إحداث تغييرات فعلية.
سعت الحكومة المصرية بشكل حثيث في أكثر من مناسبة إلى تقديم مبادرات لا تتجاوز كونها أدوات للتسويق. ففي عام 2021، تم إطلاق "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، باعتبارها نقطة تحوّل في تعامل الدولة مع ملف الحريات، التي اعتبرها الرئيس "السيسي" خطوة جادة نحو النهوض بأوضاع حقوق الإنسان. وفي المقابل، أظهرت الوقائع على الأرض عكس ذلك. إذ تستمر الممارسات نفسها، فيما يتعلق بالتنكيل بالأصوات المعارِضة والتضييق على الحريات العامة، إضافة إلى التوسع في إنشاء سجون جديدة.
إزالة الأسماء من قوائم الإرهاب: صورة مخادِعة
في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، قررت السلطات بموجب قرار قضائي إزالة أسماء 716 شخصاً من قوائم الإرهاب، بناءً على تحريات الجهات الأمنية. حيث ذكرت النيابة العامة في بيان صادر عنها، أنها وجهت الأجهزة الأمنية لإجراء تحقيقات شاملة لتحديد مدى استمرار نشاط جميع الأفراد المدْرجين على قوائم الإرهاب. وأكدت النيابة أن هذه التحريات كشفت عن توقّف الأشخاص الصادرة بحقهم، عن ممارسة أيّة أنشطة غير قانونية، أو ممارسات تُهدد أمن الدولة ومؤسساتها.
بعد القرار الأخير، تقلّص العدد الإجمالي للأشخاص المدرجين على قوائم الإرهاب إلى 3691 اسماً، وذلك وفقاً لآخر أرقام أصدرتها "وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المصرية" في 1 كانون الأول/ ديسمبر 2024. ويُعد هذا القرار أول حالة من نوعها خلال العام الجاري، يتم فيها رفع أسماء مجموعة كبيرة من قوائم الإرهاب بطلب من النيابة العامة.
في الوقت الذي أقدمت فيه السلطات المصرية على إزالة المئات من الأسماء من لائحة الإرهاب، إلا أنها لا تزال تستخدم "قانون الكيانات الإرهابية" بشكل موسّع، لتقييد الحريات واستهداف المعارضين السياسيين. تُزال بعض الأسماء من القوائم، ومن جهة أخرى، يُستخدَم القانون نفسه لقمع المعارضين وتكميم الأفواه، كما في حال الناشط السياسي "علاء عبد الفتاح"، الذي يواجه معاناة إنسانية وقانونية قاسية.
على الرغم من تقديم تعديلات "قانون الإجراءات الجنائية"، كجزء من "إصلاحات" شاملة للنظام القضائي، إلا أن أحد أبرز الانتقادات الموجهة للتعديلات القانونية الأخيرة هو استمرار استغلال الحبس الاحتياطي كوسيلة للعقاب، إذ تبقى فترات الحبس، بعد التعديلات، طويلة.
جدير بالذكر أن "قانون الكيانات الإرهابية"، الذي أصدره الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" عام 2015، يحدد العقوبات التي تُطبق على الأفراد والكيانات المدرجة ضمن هذه القوائم. وتشمل هذه العقوبات تجميد الأموال والممتلكات ومنع التصرف فيها، والمنع من السفر، ووضع الأفراد تحت المراقبة بقرارات "ترقب الوصول"، وحظر النشاط أو التمويل.
هل يظل "علاء عبد الفتاح" قيد السجن طوال حكم "السيسي"؟
03-10-2024
ثمانون: من يقوى على ذلك؟
19-12-2024
بالنظر في التفاصيل، يتبين أن هذه الخطوة ليست سوى مناورة سياسية، إذ تُرفع الأسماء بعد سنوات طويلة من التضييق القانوني والاقتصادي والاجتماعي على الأفراد المتضررين. علاوة على ذلك، يبقى القانون الذي يسمح بإدراج الأفراد على هذه القوائم غامضاً وغير شفاف، من دون الخضوع إلى معايير محددة. ما يتيح للنظام استخدامه كسلاح سياسي ضد معارضيه، خصوصاً أن عملية الإدراج تتم بالاستناد إلى تحريات "جهاز الأمن الوطني"، بغض النظر عن جدية هذه التحريات.
ففي الوقت الذي أقدمت فيه السلطات المصرية على ذلك، لا تزال تستخدم "قانون الكيانات الإرهابية"، بشكل موسّع لتقييد الحريات واستهداف المعارضين السياسيين. تُزال بعض الأسماء من القوائم، ومن جهة أخرى، يُستخدم القانون نفسه، لقمع المعارضين وتكميم الأفواه، كما في حال الناشط السياسي "علاء عبد الفتاح"، الذي يواجه معاناة إنسانية وقانونية.
يحدد القانون الحالي سقفاً لمدة الحبس الاحتياطي لا تتجاوز عامين... كثيراً ما يتم تجاهله، كحال "مروة عرفة"، المترجمة التي اعتقلت في نيسان/ أبريل 2020، التي لا تزال قيد الحبس الاحتياطي حتى الآن. وعلى الرغم من مرور أكثر من أربع سنوات على احتجازها، لم تُقدَّم أيّة أدلة واضحة ضدها، ولم تُحَلْ إلى المحاكمة. وهنا يتحول الحبس الاحتياطي إلى احتجاز مفتوح.
يُعتبر "علاء" نموذجاً حياً للسياسات القمعية، التي تمارسها الحكومة المصرية. وقد ألقي القبض عليه في 29 أيلول/ سبتمبر 2019، ليواجه لاحقاً حكماً بالسجن لمدة خمس سنوات، بتهمة نشر "معلومات كاذبة"، إثر إعادة نشره منشوراً يتهم أحد رجال الشرطة بممارسة التعذيب. وعلى الرغم من أن "علاء" قد قضى أكثر من عامين في الحبس الاحتياطي قبل صدور الحكم، إلا أن السلطات رفضت طلباً باحتساب هذه المدة ضمن فترة العقوبة، معتبرة أن ذلك يخالف القانون. وبناءً على هذا القرار، تم تحديد موعد الإفراج عنه في كانون الثاني/ يناير 2027، بدلاً من أيلول/ سبتمبر 2024. وسط هذه المأساة، تبرز والدته "ليلى سويف"، الأم التي لم تتوقف عن الكفاح من أجل حرية ابنها، التي لجأت إلى الإضراب عن الطعام، للمطالبة بالإفراج عنه في ظل تجاهل من السلطات.
مفارقات قانونية
على الرغم من تقديم تعديلات "قانون الإجراءات الجنائية"، كجزء من "إصلاحات" شاملة للنظام القضائي، إلّا أن أحد أبرز الانتقادات الموجهة للتعديلات القانونية الأخيرة هو استمرار استغلال الحبس الاحتياطي كوسيلة للعقاب، إذ تبقى فترات الحبس بعد التعديلات طويلة. وعلى أرض الواقع، لا يتم الاكتفاء بهذا الإجراء فقط، بل تلجأ الأجهزة إلى استخدام ما يُعرف بـ "التدوير" لضمان إبقاء المتهمين قيد الاحتجاز لفترات أطول، حيث تُلفق لهم تهم جديدة من دون الاستناد إلى أدلة ملموسة لإعادة احتجازهم مجدداً، تحت ذريعة "خطرهم على الأمن القومي". يتم ذلك عن طريق اتهام المحتجزَين في قضايا جديدة، بمجرد قرب انتهاء الحد الأقصى لفترة الحبس الاحتياطي في القضية الأصلية، وغالباً ما تُبنى هذه القضايا على محاضر تحقيق منقولة أو متكررة.
يحدد القانون الحالي سقفاً لمدة الحبس الاحتياطي لا يتجاوز عامين، إلا أن هذا السقف كثيراً ما يتم تجاهله. ومن بين أبرز الأمثلة على ذلك حال "مروة عرفة"، المترجمة التي تم اعتقالها في نيسان/ أبريل 2020، التي لا تزال قيد الحبس الاحتياطي حتى الآن على ذمة القضية رقم 570 لسنة 2020 "حصر أمن دولة عليا". وعلى الرغم من مرور أكثر من أربع سنوات على احتجازها، لم تُقدَّم أيّة أدلة واضحة ضدها، ولم تُحَلْ إلى المحاكمة. وهنا يتحول الحبس الاحتياطي إلى احتجاز مفتوح، قد يتجاوز الحد الأقصى بسنوات.
سجينات الرأي في مصر.. أبواب الخروج والعودة
26-01-2023
على صعيد آخر، فرضت التعديلات قيوداً مشددة على عمل الصحافيين، من خلال مواد تمنع نشر وقائع المحاكمات إلا بموافقة الجهات القضائية، وتشدد العقوبات على المخالِفين. إضافة إلى منح سلطات واسعة لجهات الضبط لتفتيش المنازل، من دون إذن قضائي، استناداً إلى تفسيرات فضفاضة لمفاهيم "الخطر" و"الاستغاثة".
في الوقت نفسه، تستعرض الحكومة المصرية خلال تصريحاتها، ما تصفه بالتقدم المحرَز في تنفيذ "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان" بعد إعلان وزير الخارجية، بصفته رئيس "اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان"، عن تقديم التقرير التنفيذي الثالث للاستراتيجية إلى رئيس الجمهورية. كما وجه الرئيس "السيسي" باستمرار الجهود، ونشر الوعي بحقوق الإنسان داخل كافة مؤسسات الدولة.
وفي خضم ما تشهده البيئة الحقوقية في مصر من تضييق غير مسبوق، فإن توجيهات الرئيس المتكررة بترسيخ سيادة القانون، وتحسين ملف حقوق الإنسان، لا تعكس سوى التزام لفظيّ.
اللاجئون في ظل التشريعات الجديدة
أقر مجلس النواب مؤخراً مشروع قانون جديد ينظِّم شؤون اللاجئين وطالبي اللجوء، في خطوة هي الأولى من نوعها على المستوى التشريعي داخل البلاد. يهدف القانون، الذي يتألف من 39 مادة، إلى وضع إطار قانوني لإدارة عملية اللجوء، بدءاً من تقديم الطلبات وحتى الفصل فيها، مع تنظيم العلاقة بين الدولة واللاجئين.
لكن كما هي الحال مع مشروع "قانون الإجراءات الجنائية"، فقد جاءت موافقة "لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري" على مشروع "قانون اللجوء"، في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، من دون إجراء مشاورات مجتمعية مسبقة. المشروع، الذي بدا وكأنه ترجمة حرفية لقرار مجلس الوزراء بشأن توفيق أوضاع اللاجئين، وهو ما صار نهجاً مألوفاً في إصدار القوانين خلال السنوات السابقة.
أنشئت لجنة دائمة لشؤون اللاجئين، تتبع مجلس الوزراء المصري، وهي ستكون الجهة الوحيدة المسؤولة عن استقبال طلبات اللجوء، وجمع البيانات الإحصائية، ودراسة الحالات المقدمة، مع تحديد القرار النهائي بمنح أو رفض صفة لاجئ. إلا أن نقل مسؤولية البت في طلبات اللجوء من "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين" إلى اللجنة يثير التساؤلات عن مدى استقلالية هذه الآلية الجديدة.
وفق دراسة تحليلية حول المشروع من إعداد "منصة اللاجئين في مصر" و"المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، فإن القانون يفتح الباب أمام انتهاكات خطيرة بحق اللاجئين، بما في ذلك الإعادة القسرية إلى دولهم الأصلية، أو إلى بلد الإقامة السابق، من دون توفير ضمانات كافية تحميهم من الترحيل القسري.
أبرز ما يتضمنه القانون الجديد هو إنشاء لجنة دائمة لشؤون اللاجئين، تتبع مجلس الوزراء المصري. هذه اللجنة ستكون هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن استقبال طلبات اللجوء، وجمع البيانات الإحصائية، ودراسة الحالات المقدمة، مع تحديد القرار النهائي بمنح أو رفض صفة لاجئ. يشير القانون إلى استمرار التعاون بين اللجنة الحكومية و"المفوضية السامية لشؤون اللاجئين"، إلا أن نقل مسؤولية البت في طلبات اللجوء من المفوضية إلى اللجنة يثير التساؤلات عن مدى استقلالية هذه الآلية الجديدة، وسط مخاوف من تأثير ذلك على معايير الحماية الممنوحة لطالبي اللجوء.
وتستضيف مصر على أراضيها أكثر من 9 ملايين شخص ، ينتمون إلى حوالي 133 دولة، بحسب تقديرات رسمية للحكومة المصرية في نيسان/ أبريل الماضي. وتشكل هذه الفئة حوالي 8.7 في المئة من إجمالي عدد السكان في البلاد.
وفق دراسة تحليلية حول المشروع من إعداد "منصة اللاجئين في مصر" و"المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، فإن القانون يفتح الباب أمام انتهاكات خطيرة بحق اللاجئين، بما في ذلك الإعادة القسرية إلى دولهم الأصلية، أو إلى بلد الإقامة السابق، من دون توفير ضمانات كافية، تحميهم من الترحيل القسري. كما يفرض قيوداً على ممارسة الشعائر الدينية، بحصرها في الأديان السماوية، ويعامل اللاجئين كمواطنين عند فرض الضرائب، من دون مساواتهم بهم في الحقوق الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية.
يتضمن المشروع أيضاً تمييزاً بين طالبي اللجوء الذين دخلوا البلاد بطرق شرعية وغير شرعية، مخالفاً بذلك المادة 31 من اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، التي وقعت عليها مصر، والتي تمنع معاقبة اللاجئين بسبب دخولهم أو إقامتهم غير النظامية. ويفرض القانون عقوبات جنائية تصل إلى السجن والغرامة على من لا يتقدم بطلب لجوء خلال 45 يوماً من وصوله إلى البلاد، من دون توفير آلية فعالة للطعن في قرارات اللجنة المختصة.
يمكن سحب صفة لاجئ من أي شخص يُعتبر أنه ارتكب أفعالاً تتعارض مع "الأمن القومي" أو "النظام العام" أو خالف شرطاً فضفاضاً آخر يتعلق بعدم احترام قيم وتقاليد المجتمع المصري، وهي عبارات تفتقر إلى الدقة القانونية المطلوبة، وتجعل اللاجئين عرضة لإلغاء وضعهم القانوني على أساس اعتبارات تفتقر إلى الشفافية.
خلال السنوات الأخيرة، تصاعدت الانتهاكات التي مارستها الحكومة المصرية بحق اللاجئين وطالبي اللجوء. فرضت السلطات إجراءات أمنية صارمة، تضمنت اعتقال أعداد من اللاجئين واحتجازهم في ظروف قاسية. إلى جانب ذلك، كشفت تقارير عن إتخاذ قرارات في وقت سابق بترحيل عشرات اللاجئين الإرتريين. وبحسب توثيق "منظمة العفو الدولية"، قامت قوات حرس الحدود، تحت إشراف وزارة الدفاع، وكذلك الشرطة، تحت إشراف وزارة الداخلية، باعتقال آلاف اللاجئين السودانيين وإعادتهم قسراً إلى بلادهم. هذه الإجراءات تمت من دون منح اللاجئين الحق في طلب الحماية أو اللجوء إلى "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، أو حتى الطعن في قرارات الترحيل الصادرة بحقهم. كما شهدت مصر في مطلع العام الجاري حملات تحريضية ضد اللاجئين، بما في ذلك السودانيون والسوريون، وغيرهم من الجنسيات الأخرى.
يحظِّر القانون على اللاجئين المشاركة في أي نشاط سياسي أو حزبي، بما في ذلك الانضمام إلى النقابات أو تأسيس أحزاب سياسية أو الانضمام إليها بأي شكل من الأشكال. ويُعتبر خرق هذا الحظر سبباً مباشراً لسحب صفة لاجئ وإبعاده من البلاد. إضافة إلى ذلك، يعتمد مشروع القانون على مصطلحات مبهمة وفضفاضة لتحديد أسباب حرمان الأفراد من وضع اللاجئ. فوفقاً لنصوص القانون، يمكن سحب صفة لاجئ من أي شخص يُعتبرأنه ارتكب أفعالاً تتعارض مع "الأمن القومي" أو "النظام العام" أو خالف شرطاً فضفاضاً آخر، يتعلق بعدم احترام قيم وتقاليد المجتمع المصري، وهي عبارات تفتقر إلى الدقة القانونية المطلوبة، وتجعل اللاجئين عرضة لإلغاء وضعهم القانوني على أساس اعتبارات تفتقر إلى الشفافية.
مصر: مسألة الهجرة واللجوء من منظور قانوني
23-08-2018
حملات تستهدف اللاجئين في مصر.. من يقف خلفها؟
01-02-2024
بالنسبة إلى الحكومة المصرية، فقد ذكرت أن القانون يهدف إلى توفير إطار قانوني شامل للاجئين، يضمن التوازن بين حقوق اللاجئين والتزامات مصر الوطنية. وعلى الرغم من التوثيق المستمر للانتهاكات التي ترتكبها السلطات المصرية بحق اللاجئين وطالبي اللجوء، أعلن الاتحاد الأوروبي في آذار/ مارس 2024 عن اتفاقية شراكة استراتيجية مع مصر، بقيمة تعادل 7.4 مليار يورو، تهدف إلى تعميق التعاون في مجالات الهجرة ومراقبة الحدود. وكان الاتحاد الأوروبي في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، قد وقع اتفاقاً مع مصر بقيمة 80 مليون يورو، يركز على بناء قدرات قوات حرس الحدود المصرية، لمكافحة الهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر.
تكشف هذه الاتفاقيات عن توجه أوروبي، يعتمد على تفويض مسؤوليات الهجرة إلى دول الجوار، بما يخفف العبء عن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لكنه في المقابل يعمق الأزمات الإنسانية. ويبدو أن السلطة الحاكمة في مصر تغلِّب الحوافز الاقتصادية على الاعتبارات الإنسانية، فهي تقدم نفسها كشريك "فعال" على الساحة الإقليمية، بينما تغيب خطط واضحة لحماية حقوق اللاجئين وضمان كرامتهم.
وإذاً، كيف يمكن لهذه الإجراءات أن تُسهم في تحقيق استقرار طويل الأمد، إذا استمر التعامل مع اللاجئين كعبء أمني، بدلاً من النظر إليهم كأفراد يستحقون الحماية والرعاية؟
***
وفي نهاية المطاف، إذا كانت الإصلاحات القانونية التي تقدمها الحكومة المصرية تُعلن عن نوايا تنظيمية، ومبادرات تبدو في الظاهر بمثابة خطوات نحو تحديث النظام، فإن الواقع يظل يحمل في طياته تساؤلات حول عمق هذه التغييرات وجديتها. تُظهر الممارسة أن كثيراً من القوانين، وإن كانت تُعلِن عن نية الإصلاح، إلا أنها تظل غطاءً لإجراءات أمنية وقمعية تمس جوهر الحقوق الإنسانية، وتبقى قاصرة عن مواجهة الواقع المعقد. وإلى متى يستمر النظام، في تقديم أوراق تخفي وراءها ممارسات صارت جزءاً من تقاليده؟