لا تتحدث وسائل الإعلام الفرنسية هذه الأيام إلا عن بوعلام صنصال، الذي تصفه بالمعارض لنظام الحكم في الجزائر، بالرغم من أن البحث البسيط في سيرته الذاتية يتبين ان هذا الشخص عاش في ريع النظام الجزائري، و كان و في عشريتين من الزمن على الاقل في مناصب نوعية حيث تم تعيينه بمرسوم رئاسي مرات عديدة، مما مكنه من الاستفادة من تقاعد مريح بفضل نظام تقاعد الاطارات العليا للأمة.
لجنة مساندة في فرنسا، ولدت للضغط على الرئاسة الفرنسية من أجل استخدام كل الوسائل –كما قيل في نص اعلان اللجنة– من أجل اطلاق سراحه، و تشكلت هذه اللجنة من كل وجوه اليمين و اليمين المتطرف في فرنسا المساند لإسرائيل، و كبار الحاخامات في دولة ماكرون، بالإضافة لعضوية الرئيسين "فرانسوا هولند" و "نيكولا ساركوزي" ومجموعة من رؤساء الحكومات الفرنسية السابقين و النواب و الوزراء و الجامعيين ورجال السياسة و غيرهم. ومن الاسماء الجزائرية نجد سعيد سعدي و فرحات مهني و حميد أعراب مدير تحرير لوماتان وغيرهم.
سمفونية جزائرية غير مكتملة
07-01-2021
السلطة الجزائرية في مواجهة حراك 2019-2020
08-10-2020
وسائل الإعلام الفرنسية اليمينية خاصة تتحدث عن الدكتاتورية الجزائرية التي اعتدت على رمز من رموز الحرية وهو بوعلام صنصال، و بأن الجزائر تحولت إلى سجن، وهو ما لم تكن تقله أجهزة الدعاية الفرنسية مع وجود أكثر من 200 معتقلا من معتقلي الحراك الشعبي في السجون، الحراك الشعبي الذي أرعب النظام الجزائري و الفرنسي على حد سواء، وفي ذلك تم استخدام كمال داود و بوعلام صنصال كأبواق هاجمت الحراك الشعبي باسم الإسلاماوية تارة، و باسم انه حراك لا يمثل الا العاصمة و المدن الكبرى، أو القول انه حراك متجذر في منطقة القبائل فقط..
كل هذه الدعاية التي مورست ضد الحراك الشعبي في فرنسا كانت بغرض تبرير أو إخفاء الحديث عن قمع الحريات و سجناء الراي بغرض تضليل الراي العام الفرنسي و العالمي عن حقيقة الاوضاع في الجزائر التي بينت افلاس النخب الفرنسية الرسمية بمختلف توجهاتها و مستوياتها.
هذا التضليل يتخذ عدة أشكال و لا يقتصر على الجزائر فقط،بل يتعدى ذلك إلى كل الملفات التي ترتبط بمصالح الشبكات و اللوبيات في فرنسا و التي كثيرا ما تم تغليفها باسم مصلحة الدولة la raison d’état.
فالواقع ان الحرية و المعارضة و المقاومة هي قيم مطاطة يتم استخدامها في كل الاتجاهات التي تخدم مصالح هذه الشبكات.
سهام بن سدرين …معتقلة بتهم ملفقة وبتواطؤ فرنسي و غربي …
غير بعيد عن الجزائر و في الحدود الشرقية لها، تونس التي عانت من الاستعمار الفرنسي و من الأبوية الفرنسية على هذا البلد بعد استقلاله بمساندة النظام التونسي و تبرير كل تجاوزاته باسم ان تونس هي بلد حرية وحقوق المرأة و تقدمية قوانينه المدنية، لا يكتب الإعلام الفرنسي اي شيء عن إمرأة احتفلت بعيد ميلادها ال 74 يوم 28 أكتوبر الماضي وهي في السجن الاحتياطي بتهم ملفقة ودون احترام الحد الادنى لحقوقها كمتقاضية.
رغم ان المعتقلة هي واحدة من أبرز المناضلات اللواتي ربطن النضال النسوي بالعدالة الاجتماعية و الحقوق المدنية و السياسية، وهي التي عرفت السجن في مسيرتها النضالية الطويلة عام 1987 في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة، وفي عام 2001 في فترة حكم الجنرال زين العابدين بن علي.
العدالة الانتقالية بتونس: صراع الإرادات (1)
29-12-2016
جلسات استماع علنية لضحايا الديكتاتورية
05-01-2017
سهام بن سدرين تعين رئيسة لهيئة الحقيقة و الكرامة وهي مؤسسة مدسترة تتمتع بقانون مهم يضمن لها الاستقلالية ككيان قانوني كامل للحقيقة و الكرامة، حول ما حدث في تونس من اعتداءات على حقوق الإنسان و الكرامة الانسانية منذ الخروج من الانتداب الفرنسي إلى 2011. هذه التجربة المهمة فتحت من خلالها بن سدرين ملفات شائكة في تاريخ تونس جعلت حتى العلاقات بين الشبكات في أعلى هرم السلطة في فرنسا و تونس محل متابعة وغضب في الضفتين.
التواطؤ الفرنسي التونسي ومذكرة هيئة بن سدرين
كما ان الشبكات الفرنسية المرتبطة بنظيرتها في تونس لن تغفر لسهام بن سدرين ما قامت، خاصة و انها ارسلت باسم هيئة الحقيقة والكرامة إلى فرنسا مذكرة حول "الدين البغيض"، حيث تشير إلى مسؤولية فرنسا التاريخية من خلال خيارات شبه مفروضة في الديون المتعاقد عليها مع الدولة التونسية.
و قبل اعتقال بن سدرين بدأت الحملة الاعلامية الدعائية الحاملة للكثير من الحقد و الكراهية، و هي تشوش على عمل الهيئة،بل و ذهبت الكثير من البلاتوهات التلفزيونية تتهم بن سدرين بالفساد تارة، و بالتسلط و الدكتاتورية في تسيير الهيئة تارة اخرى، بل و في الطعن في حياتها الخاصة و العائلية، وازدادت هذه الحملة منذ لقاء الشيخين في باريس، شيخ النهضة راشد الغنوشي –المعتقل هو الآخر في عهد قيس سعيد– والرئيس الباجي قايد السبسي، حيث استخدم هذا اللقاء لتحضير اطلاق مشروع الإفلات من العقاب سمي بالمصالحة الاقتصادية الذي يتنافى مع فلسفة العدالة الانتقالية و مسارها، بهدف تبييض الكثير من الفاسدين من شبكات نظام بن علي التي كانت مرتبطة بشبكات فرنسية و غيرها.
رفض بن سدرين للمسار و للإفلات من العقاب زاد من ضغط محاكمتها الاعلامية قبل المتابعة القضائية، شارك في الحملة غالبية الصحفيين الذين ساندوا و صفقوا لبن علي، و بعض أعضاء هيئة الحقيقة الذين استقالوا بإيعاز من بعض الأجهزة و الدوائر، و بعض قيادات حركة النهضة و في مقدمتهم النائب يمينة الزغلامي.
هيئة الحقيقة والكرامة لم ترضخ لكل هذه الضغوط، و رفعت طلبا لابداء الرأي لدى لجنة البندقية ضد مشروع قانون المصالحة لإلغائه، وأيدت لجنة البندقية هذه التحفظات. كما واجه المشروع رفضا واسعا من الشارع التونسي مما أدى الى اسقاطه في تصويت البرلمان.
بن سدرين كما يقول زوجها المناضل الحقوقي و الصحفي عمر المستيري، لم تصدم عندما اعتقلتها الشرطة في الأول من أغسطس/آب عام 2023، لأنها كانت قيد التحقيق منذ عام 2021 بتهم مشكوك فيها تتعلق بعضويتها في هيئة الحقيقة والكرامة ومُنعت من مغادرة البلاد منذ عام 2023. وهي التي منعت من دخول الأراضي الجزائرية في عهد عبد العزيز بوتفليقة.
الاعتقال و المنع من السفر و الحملات الاعلامية والسب و الشتم و التهديد ممارسات لا تخيف سهام بن سدرين لأنها مناضلة و معارضة للفساد و الاستبداد، وزنزانة السجن رغم ظلمتها لا تخيف سهام، و لكن ما يخيفها هو مستقبل تونس و معاناة الفقراء و ضحايا الاستبداد الذي عاد بقوة بعد الانقلاب على كل مسار الانتقال الديمقراطي.
ملف بن سدرين القضائي غير مؤسس وفارغ حسب محاميها، فالتهمة رسميا هي قبول رشوة « لتزوير » التقرير النهائي الضخم لهيئة الحقيقة والكرامة من خلال إدراج إشارة غير مناسبة لصالح مجموعة من رجال الأعمال الذين كانوا يقاضون مؤسسات الدولة. وهو ما يبين بشكل واضح ان اعتقالها سياسي وهي رهينة لوضع سياسي معقد في تونس أبطاله شبكات الفساد و الأجهزة المتورطة في النهب و في خروقات حقوق الإنسان.
بن سدرين…ليست إمرأة تستحق المساندة…وصنصال رمز لشيطنة الجزائريين و الفلسطينيين
لجنة كبيرة لمساندة بوعلام صنصال فيها الكثير من الاسماء بمن فيهم كارلا بروني المتهمة بالانضمام لمجموعة اشرار بغرض اخفاء الشهود و التلاعب بالشهود في إطار التمويل الليبي المفترض لحملة نيكولا ساركوزي، و كارلا هي رمز المرأة التي لا يمكن أن تساند إمرأة في مقام بن سدرين، لأن بن سدرين في أعين رجال و نساء السلطة في فرنسا لا تستحق المساندة لأنها إمرأة مقاومة و معارضة و تعشق الحرية، فهي ابنة المقاوم الذي قاوم الاستعمار و كان مع الثورة الجزائرية، وهي مع القضية الفلسطينية ومع المقاومة الفلسطينية التي يعتبرها هؤلاء الذين يسمحون لأنفسهم بإعطاء الدروس بأنها حركة ارهابية، وهم في الوقت نفسه يساندون إرهاب دولة إسرائيل الذي يعتبرونه دفاعا عن النفس، وهو إرهاب يقتل و يذبح و يدمر و الإعلام الفرنسي في غالبيته يخفي ذلك و يضلل، و النخب السياسية تضمن الحماية السياسية و الدبلوماسية و المادية لكيان يعادي السامية و الانسانية.
أخلاق حرية التعبير
21-01-2016
التهريج حول ملف صنصال الذي عمل على شيطنة الحراك الشعبي الجزائري و المقاومة الفلسطينية، و السكوت عن ظلم يمس سهام بن سدرين المناضلة و المقاومة، يختصر السقوط المهني للإعلام الفرنسي و الإفلاس الاخلاقي للنخب السياسية الفرنسية .