إعداد وتحرير: صباح جلّول
ما زلنا نذكر جيداً كيف قامت دول الغرب وحلفائها، في الأمس القريب فقط، بوضع قضية حرب أوكرانيا في مقدمة كل الأشياء، وعنواناً لكلّ الفعاليات الدولية، من مسابقات الرياضة، إلى الأدب والسينما وغيرها من الفنون.
مع تقدّم شهور الإبادة الوحشية في غزة ومحاولة كثير من الفنانين تسليط الضوء على ما يحدث في فعاليات سينمائية كبرى، غالباً ما كانت تُسمَع اعتراضات تتذرع بـ"فصل السياسة عن الحدث الفني"، وأنّ "الأفلام تقول ما هو سياسي" لذا لا داعي للتسليط على قضايا بعينها. أو، كما قال مدير مهرجان "كانّ" في فرنسا، تييري فيرمو، في دورة المهرحان الأخيرة في أيار/ مايو الماضي: "نحاول أن نقيم مهرجاناً من دون مواضيع مثيرة للجدل". هو نفسه "فيرمو" بالمناسبة، الذي دعا رئيس أوكرانيا "فلودومير زيلينسكي" لإلقاء كلمة في افتتاح دورة العام 2022 من المهرجان. هل اختلفت مفاهيمه إذاً حول السينما منذ ذلك الحين وحتى إبادة غزّة، أم أنّ هذه المهرجانات تعمل فقط جاهدة لتفادي اسم فلسطين وغزّة على منصاتها الرسمية؟ نعرف الإجابة بالطبع، فليس نفاق هذه المؤسسات خفياً.
حسين فهمي: المهرجان منصة للتضامن
انطلاقاً من هذه المعطيات، جاء موقف الممثل المصري المعروف، ورئيس الدورة الحالية من "مهرجان القاهرة السينمائي، "حسين فهمي"، معاكساً لذلك. "خلال زياراتي للمهرجانات الدولية على مدار الأعوام الثلاثة الماضية لاحظتُ أن العديد منها وبينها [مهرجانات] "برلين" و"البندقية" تهتم بالسياسة، مثل ما يجري في أوكرانيا، وبالتالي يحقّ لنا في "مهرجان القاهرة" أن نتحدث عن قضايانا وعلى رأسها قضية الشعبين اللبناني والفلسطيني"، وتابع فهمي في حديثه للإعلام حول الدورة 45 من "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي" التي تقام بين 13 و22 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري: "لم أكن لأقرر إقامة المهرجان هذا العام لولا أنني وجدتُ أنه من حقنا أن نطرح قضايانا أيضاً من خلال منصتنا الوطنية، وأن نعبّر عبرها عن تضامننا، وأن نجعلها فرصة لتسليط الضوء على معاناة الشعبين".
موقف "فهمي" هو الواجب بالطبع، لكنه للأسف لم يعد موقفاً بديهياً حتى في بلدان عربية، وفي مصر نفسها، التي تشهد انفصاماً عنيفاً بين موقف حكومتها الذي يرقى إلى التواطؤ (من إغلاق "معبر رفح" في وجع الغزيين، إلى الاستمرار في تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي)، وبين الشعور الشعبي المتضامِن مع غزّة حدّ الإحساس بالعار الذي عبر عنه الناشطون مراراً إزاء العجز المستفحل. هذا ما يجعل موقف "حسين فهمي" مهمّاً جداً لجهة كونه قراراً واعياً بتخصيص مساحة كمهرجان القاهرة السينمائي، واجهة السينما الأبرز في العالم العربي، والتي تحظى بتغطية محلية وإقليمية وعالمية جيدة جداً، لوضع قضية الشعبين الفلسطيني واللبناني في الصدارة، عن سبق تصور وتصميم. "ذلك ليس فقط للإحتفاء بالفن، ولكن أيضاً لإيصال رسائل قوية إلى العالم عن معاناة هذين الشعبين وتطلعاتهما"، وذاهباً لاتهام "القوى الاستعمارية بمحاولة السيطرة على الدول العربية".
من غزة إلى لبنان.. قافلة شهداء
26-09-2024
من جهته، أشار "عصام زكريا"، مدير "مهرجان القاهرة السينمائي"، لقرار المهرجان افتتاح دورة هذا العام، التي تعرض 194 فيلماً من 72 دولة، بفيلم المخرج الفلسطيني "رشيد مشهراوي"، "أحلامٌ عابرة"، الذي تدور أحداثه حول رحلة صبي فلسطيني خلف حمامة زاجلة، عابراً خطّ الفصل العنصري، وشاهداً خلال رحلته على قصص فلسطينية متعددة تحت الاحتلال.
ومن ضمن فعاليات المهرجان هذا العام عرض بعنوان "من المسافة صفر"، بإشراف المخرج رشيد مشهراوي، وهو يضمّ أفلاماً صوّرها 22 مخرجاً من غزة من المسافة صفر من الإبادة وخلالها. هذا بالإضافة إلى برنامج "أضواء على السينما الفلسطينية" وجائزتين خاصين بالسينما الفلسطينية.
المهرجان يقاطع الجهات الداعمة للاحتلال بالمطلق
يتسق موقف الممثل "حسين فهمي" مع نفسه في التزامه بمقاطعة المهرجان للشركات والجهات الموجودة على قائمة المقاطعة، قائلاً أن هذا الموقف "ثابت، يتجاوز أي تحديات"، ويتمثل برفض رعاية شركات موجودة على لائحة المقاطَعة، ل"مهرجان القاهرة السينمائي" جملة وتفصيلاً، مضيفاً أن الظروف الاقتصادية التي يواجهها المهرجان لم تغيِّر من هذا الموقف، فتلك التحديات تواجه جميع المهرجانات في العالم، وثمة طرق للاستمرار. في المقابل، سعت إدارة المهرجان للتعاون مع شركات محلية ورعاة مصريين ومحليين كبديل عن الرعاة من الشركات المقاطَعة.
قصص فلسطين على "نتفلكس"!
14-10-2021
د. رباب المهدي تناقش أهمية وتأثير المقاطعة الاقتصادية
21-12-2023
تطرح هذه المقاربة أسئلة حول إمكانيات المؤسسات الثقافية والمهرجانات الفنية واستمراريتها في ظلّ شحّ التمويلات، أو وضعها في موقع المضطرة لتقديم تنازلات وعقد شراكات مع جهات داعمة للاحتلال. فقد شهدنا على مدى أكثر من عام، منذ بدء الإبادة في غزة، تجفيف تمويلات ثقافية فنية للمتضامنين بصوت عال مع فلسطين، وسحب دعوات، والحرمان من جوائز ومشاركات وغيرها، ما يضعنا أمام مسؤولية هذه المؤسسات العربية وسواها، الداعمة لفلسطين بالتفكير في سبل أخرى، وفكّ ذلك الارتباط غير المنتِج والقامِع مع أولئك الذين يرفضون الاعتراف بحقوق شعوبنا بالحياة والمقاومة.