تعليمات للإعلام بعدم الحديث عن اكتمال سد النهضة

الهوس بصورة النظام على حساب الكوارث الحاصلة في الواقع فكرنا بلحظة هزيمة 1967، لما كان العدو هزم قواتنا المسلحة واستولى على معظم سيناء في الأيام الأولى لحرب الأيام الستة، وكان إعلام النظام بيتكلم باحتفاء منفصل تماماً عن الواقع، عن قرب دخول قواتنا لتل أبيب!
2024-08-29

شارك

- إمبارح موقع "مدى مصر" حصل على نص رسالة اتبعتت لمصدر في قناة تابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية المملوكة للمخابرات العامة، بتنص على تعليمات أمنيّة بعدم التوسع في الحديث عن موضوع سد النهضة.

- التعليمات دي سبق وتم تعميمها على البرامج الحوارية بتقليل الحديث عن سد النهضة، قبل بدء الملء الخامس لخزان السد الإثيوبي، في يوليو اللي فات بالتزامن مع موسم الأمطار اللي بدأ في يوليو ومستمر لغاية بداية سبتمبر، على حسب كلام مصدر تاني شغال في إذاعة تابعة لـ"المتحدة".

- التعليمات اللي أُرسلت لقنوات المتحدة إمبارح جاءت بعد ساعات من إعلان آبي أحمد، رئيس وزراء أثيوبيا، عن اكتمال مشروع "سد النهضة" بنسبة 100% بحلول ديسمبر المقبل، وبالتزامن مع إعلان الهيئة اللي بتدير سد النهضة أن البناء الخرساني للسد اكتمل حالياً، وتم الانتقال الآن من مرحلة البناء لمرحلة التشغيل.

**

- الغريب أنه فيه مسؤول حكومي شارك في المفاوضات بين مصر وإثيوبيا علق لـ"مدى" على التعليمات دي بأنه: "مفيش شيء يتقال بالفعل، وإنه مصر خسرت المعركة، وفشلت في التوصل لاتفاق حول الملء وفشلت في التوصل لاتفاق حول التشغيل".

- لكن هل فعلاً مفيش شيء يتقال؟ وهل الرأي العام المصري ليس له الحق في معرفة ما يجري لمصدر المياه والحياة في البلد؟ ولغاية امتى هيفضل تكميم الأفواه سياسة عليا مفروضة على المصريين؟ ولأمتى هيفضل المصريين محرومين من مسائلة منْ تسبب في خسارة حقوقهم التاريخية في مياه النيل؟ بل وعدم الحديث عن النيل أصلاً؟.

صورة النظام أم مصلحة البلد؟

- طبعاً مفهوم الهدف من التعليمات دي، حتى ولو الضابط المسئول عن إرسالها للإعلاميين والصحفيين لم يوضحها لهم، وهو إخفاء هزيمة النظام السياسي في معركة "سد النهضة" وسقوطه في فخ العجز التام عن عمل شيء يوقف الغطرسة الإثيوبية وتصرفاتها الأحادية وفرضها سياسة الأمر الواقع على مصر، في ظل عجزه وضعفه وعدم قدرته على حماية مصالح مصر العليا.

- الغريب أنه الضعف الخارجي المزري في مواجهة المخاطر الجسيمة المحيقة بمصر بتقابله سيطرة أمنية شديدة القوة في الداخل على كل منصات الرأي والتعبير لدرجة الإجهاز على الصحافة المستقلة وإسكات الإعلاميين المستقلين وتحييدهم ومنع تقديمهم للبرامج وإجبارهم على البقاء في البيت بلا عمل.

- ودا لأنه الهدف الأول للنظام هو الحفاظ على صورته، أما مصالح مصر الاستراتيجية فتأتي لاحقاً، أو لها رب يحميها، وبالتالي اهتمامه الأساسي هو حصار الصحافة اللي ممكن تراقب وتكشف وتحاسب، وتساهم في تكوين رأي عام بتتوجه إليه بالمعلومة والكشف والتحليل والأسئلة.

**

- الهوس بصورة النظام على حساب الكوارث الحاصلة في الواقع فكرنا بلحظة هزيمة 67، لما كان العدو هزم قواتنا المسلحة واستولى على معظم سيناء في الأيام الأولى لحرب الأيام الستة، وكان إعلام النظام بيتكلم باحتفاء منفصل تماماً عن الواقع، عن قرب دخول قواتنا لتل أبيب!

- في اللحظة دي كان إعلام النظام بيهدف لخلق صورة زائفة عن واقع الهزيمة بهدف حماية صورة النظام قدام الرأي العام، ودا لأنه الهزيمة العسكرية تعني انكسار شرعية نظام سياسي قايم على فكرة حماية "الأمن القومي".

مقالات ذات صلة

- ودا العنصر اللي متكرر هنا، أي نعم مبقاش فيه فرصة للإعلام يقولنا إنه النظام نجح في إزالة سد النهضة من الوجود، لأننا في عصر الإنترنت والحقائق المتاحة للجميع، فطوّر من نفسه ومنع الحديث عن "سد النهضة" أصلاً، لأنه الهزيمة السياسية في معركة تخص الأمن القومي ضريبتها ببساطة فضيحة تاريخية لنظام مبرر بقاءه الوحيد هو حماية الأمن القومي.

- لكن هل وقف الحديث الإعلامي والصحفي عن التطورات الخطيرة في ملف سد النهضة هيغير شيء؟ هيخفف من المخاطر اللي بتتعرض لها مصر نتيجة عدم الاعتراف بحصتها التاريخية من المياه؟ هيمنع إثيوبيا وباقي دول المنبع من بناء سدود بلا نهاية على النيل بشكل يأثر على اقتصادنا وزراعتنا وحياتنا نفسها؟

يجب أن نتحدث عن سد النهضة

- يوم الحد اللي فات أعلن آبي أحمد، تشغيل التوربينين الثالث والرابع لتوليد الكهرباء من السد، وحدد شهر ديسمبر المقبل كموعد لتشغيل 3 توربينات جديدة، تزامناً مع إكمال بناء السد، وامتلاء بحيرته بعد إتمام الملء الخامس.

- ومش بس كدا دا رئيس وزراء إثيوبيا أعلن أنه نسبة إجمالي المياه في بحيرة السد بلغت 62.5 مليار متر مكعب حالياً، وأنه من المتوقع أن تبلغ حتى ديسمبر المقبل ما بين 70 إلى 71 مليار متر مكعب، من إجمالي السعة الكلية للسد البالغة 74 مليار متر مكعب.

**

- دا بيحصل في ظل صمت مصري تام، بعد ما أعلنت الحكومة في ديسمبر اللي فات فشل آخر جولة للمفاوضات اللي استمرت نحو 4 أشهر، بدون ما يكون فيه تحركات تصعيدية زي اللجوء من تاني لمجلس الأمن الدولي، ولا حتى خطوات دبلوماسية لإجبار الجانب الإثيوبي لتوقيع اتفاق نهائي ملزم على تشغيل السد بين إثيوبيا ومصر والسودان، وكذلك حل القضايا الرئيسية العالقة اللي بتمثل مخاطر إضافية على مصر، زي وضع الملء في فترات الجفاف.

- والأهم حماية حصة مصر التاريخية في مياه النيل، بعد مخاوف حقيقية من تأثير سد النهضة على إمدادات مصر من المياه، فضلاً عن أضرار بيئية واقتصادية.

**

- مطلوب الآن التخلي عن الموقف الاستسلامي الحالي اللي ركنت إليه الحكومة، وصياغة استراتيجية جديدة لمواجهة التعنت الإثيوبي، والتوقف عن الصمت الرسمي، بدل منع الإعلام من مناقشة تطورات سد النهضة.

- لأننا محتاجين نقاش مجتمعي جاد حول القضية الأهم للبلد، ومحتاجين رأي عام يقظ وقادر يوجه حكومته للتحرك وبذل كل ما في الوسع للحفاظ على أمن البلاد، أما تغطية الهزيمة فـزي الكذب عمره قصير.

مقالات من العالم العربي

لم يبقَ إلّا البحر..

يبدو ألّا شيء سيبقى للناس، إلّا البحر. فليذهبوا إلى البحر، فهو صديقُهم الوحيد، وهو الباقي فقط ليحفظَ ذاكرة أهل غزّة. لكن، هُناك، وعلى بُعد عشرات الأمتار القليلة، تقعُ الزوارق الإسرائيلية،...

"طابية الدخيلة".. هل يجرفها "التطوير"؟

2024-08-29

الحصنَ الذي يصون مدينة الإسكندرية ويحميها من الأعداء، الحصن الذي لم يتمكن الأعداء من هدمه، فصمد أمام غزو الجيش الإنجليزي عام 1882 وقصفه المتواصل له لنحو 11 ساعة... هل يكون...

كنيساً يهودياً في باحة "الأقصى"

تتجسد معاني "خروج الحسين"، لمواجهة الطغيان، هو وأهله وكل من يخصه - مع معرفتهم المؤكدة بما يقال له اليوم في اللغة السياسية الحديثة "اختلال موازين القوى" لغير صالحه - في...