قصة شهادة "البعثات المدنية" عن معركة جنين (2002)

ليست ذكريات (فحسب)، بل للقول أن المشروع الصهيوني مستمر، بغض النظر عن أحداث تقع هنا أو هناك وتُتخذ حجة للقتل والابادة. بل هو يتعاظم، وقد وصل اليوم الى حد الجنون الهستيري والسيكوباتي. يقول المسئولون الاسرائيليون اليوم في 21-2- 2024 انهم "سيحرقون جنين ويدمرونها"، وأنها غزة مصغرة والخ... وهذا بعد 22 سنة عن أقوال مشابهة قالوها في حينه.
2024-02-21

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
"نيسان في جنين"، منشورات "لا ديكوفيرت" 2002. جمع النصوص واخراجها: نهلة الشهال وهالة القضماني

في نيسان/ أبريل 2002 كانت لدينا (جمعية "البعثات المدنية الى فلسطين" التي بدأت في فرنسا ثم توسعت الى عدة بلدان اوروبية وولد لها ما يوازيها في الولايات المتحدة الامريكية)، بعثتان في فلسطين، الرقمين 13 و14، لكل منهما برنامجه.

يقوم مبدأ البعثات على دعوة متطوعين ومتطوعات من حملة الجنسية الفرنسية أو الاجنبية عموماً الى الانتظام في بعثة ممولة ذاتياً من قبل أعضائها وتستمر لمدة حوالي عشرة ايام. تتولى الجمعية تأطيرها في اجتماعات وتدريبات على المقاومة السلمية والحماية، واقتراح برنامج زياراتها للاراضي المحتلة، وتوجيهها بحيث لا ترتكب اخطاء قد تعرّضها للخطر، وتوفير عناوين سكن لافرادها سواء في فنادق بسيطة او لدى جمعيات تتعاون مع البعثات، بحيث تكون مهمة اعضائها استطلاع الوضع والعودة لتقديم شهادات عما رأووا. ولو شاءوا بعد ذلك يقررون الانخراط في المنظمات المناصرة لفلسطين، وهو ما كان يحدث على الاغلب، فظهر جيل جديد من المناضلين من اجل تحرر فلسطين (من كبار السن ومن الشباب من الجنسين) .

ذهبتْ الى فلسطين عشرات البعثات التي كان يجري تمويه هوية أعضائها على أنهم سواح أو زوار لاصدقاء لهم هناك، وقد تعاون في ذلك يهود اسرائيليون منح واحدهم عنوانه وادعى انه صديق لفلان وعلان، واستضافه في بيته احيانا. ثم يجتمع أعضاء البعثات بعد اكتمال وصولهم الى هناك، ويبدؤون بالزيارة.

وكان جواز السفر الاوروبي ما زال وسيلة حماية لأفراد البعثات، الى ان قرر الاسرائيليون أنْ كفى، فصاروا يشتبهون بالمسافرين ويطردون بعضهم قبل ركوب الطائرة أو اثناء الزيارة. وبعدها انتقلوا الى القتل فاغتالوا الشابة الامريكية راشيل كوري وشابان سواها في أوقات وأماكن مختلفة... وكان ذلك وقت اندلعت الحرب على العراق، فصارت مهمة الوصول الى فلسطين عسيرة وتوقفت البعثات...

واحدة من تلك البعثات (الرقم 11) قررت في آذار/مارس 2002، الدخول الى "المقاطعة" مقر الرئيس عرفات للتضامن معه وحمايته، وبقيت هناك شهراً كاملاً، وكان من بين أعضائها سكرتير "الطريق الفلاحي" Via Campesina وهي منظمة فلاحية عالمية، وهو مناضل من بلاد الباسك احيا عيد ميلاده الخمسين في المقاطعة واهداه الرئيس عرفات مجسماً للمسجد الاقصى مرصع بالصدف اخرجه معه يوم طردهم وكان متمسكاً به كروحه. وكان أحد اعضائها أيضا السينمائي سمير عبد الله – وهو من مؤسسي البعثات المدنية - الذي تمكن من تسجيل يوميات هذه الاقامة واخرجها في فيلم وثائقي.

البعثة 13 دخلت الى مخيم جنين يوم بدأ الهجوم الاسرائيلي عليه. قادها نقابي شجاع من عمال سكك الحديد، برنو دالبرتو، ومشوا يوماً كاملاً مهتدين بارشادات السكان ليتجاوزوا حصار المخيم ويدخلوه، وبقوا مع اهله لأسبوع وخرجوا بشهادات وثقناها بمساعدة "الفدرالية الدولية لحقوق الانسان" لكي نحصنها من شبهة المبالغة ولاكسابها أعلى قدر من المصداقية القانونية، ثم اخرجناها في هذا الكتاب ("أبريل في جنين") عن دار "لاديكوفيرت" الفرنسية الشهيرة (والمناضِلة) مع تقديم ثمين له بقلم المناضل والكاتب اليساري الراحل دانيال بنسعيد.

مقالات ذات صلة

ليست ذكريات (فحسب)، بل للقول أن المشروع الصهيوني مستمر، بغض النظر عن أحداث تقع هنا أو هناك وتُتخذ حجة للقتل والابادة. بل هو يتعاظم، وقد وصل اليوم الى حد الجنون الهستيري والسيكوباتي. يقول المسئولون الاسرائيليون اليوم في 21-2- 2024 انهم "سيحرقون جنين ويدمرونها"، وأنها غزة مصغرة والخ... وهذا بعد 22 سنة عن أقوال مشابهة قالوها في حينه. وهم طوال هذه السنوات واجهوا جيلاً بعد جيل يقاوم ويرفض الاستسلام...

مقالات من فلسطين

رحلة البحث عن رغيف

كُل صباح في الأيام الماضية، حينما أجوب الشوارع، لا أجدني سوى باحث عن الخُبز، وأنا حقيقةً لا أستوعب إلى الآن أن الحال وصلت بي - كما وصلت بكُل الناس- إلى...

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة

مسيف جميل 2024-11-17

لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...

للكاتب نفسه

كنيساً يهودياً في باحة "الأقصى"

تتجسد معاني "خروج الحسين"، لمواجهة الطغيان، هو وأهله وكل من يخصه - مع معرفتهم المؤكدة بما يقال له اليوم في اللغة السياسية الحديثة "اختلال موازين القوى" لغير صالحه - في...