هذه القائمة جزء من سلسلة «على هامش الحرب: كتب عن فلسطين».
ما تزال الحركة الصهيونية، بتجسّدها في الكيان الإسرائيلي، حركة منتجة لحقائق وعمليات تاريخية يستوجب فهمها العودة إلى الجذور الأيديولوجية للحركة والديناميات التي حكمتها على مدى أكثر من قرن من الزمان. في هذه القائمة من الكتب استعراض لعدد من هذه الأسس.
اختراع الشعب اليهودي
شلومو ساند، ترجمة سعيد عياش
المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية – مدار، والدار الأهلية للنشر والتوزيع، رام الله وعمّان، 2011
وحدت اليهود على مر التاريخ مكونات عقائدية وطقوس قديمة، لكن الإيمان لا موطن له، وإنما الشعوب هي التي لها أوطان. لذلك يقول شلومو ساند، لجأت الصهيونية إلى تأميم الديانة اليهودية، أي تحويلها إلى قومية أو أمة، وتحويل تاريخ جماعاتها إلى سيرة شعب إثني.
خلق الاستيطان الصهيوني شعبين في فلسطين: شعب فلسطيني يناضل من أجل وطنه الضائع، وشعب إسرائيلي يحمل لغة وثقافة لا يتشارك بها مع الجماعات اليهودية الأخرى في العالم.
يشكك ساند بأسطورة أن يهود اليوم هم من ذرية اليهود القدماء الذين خرجوا من مصر وأسسوا مملكتي يهوذا وإسرائيل ومن ثم تشردوا نحو ألفي عام بعد دمار الهيكل، ولم يذوبوا مع شعوب الأرض الأخرى التي عاشوا بينها. ويعتبر أن هذه الرواية انتفت تمامًا حتى نهاية القرن التاسع عشر. بل يعتبر أن الحركة الصهيونية قد استفادت من أبحاث مفبركة من أجل غايات استعمار فلسطين.
يرتكز ساند على نقطتين للتفكيك وهما نفي الشتات اليهودي وطرد الرومان لليهود، إضافة لدحض فكرة التبشير في الدين اليهودي، بحيث بقي اليهود أنقياء كعرق لم تدخل فيه قوميات أخرى.
اختراع «أرض إسرائيل»
شلومو ساند، ترجمة أنطون شلحت وأسعد الزعبي
المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية – مدار، والدار الأهلية للنشر والتوزيع، رام الله وعمّان، 2013
هذا الكتاب هو الثاني ضمن ثلاثية شملت «اختراع الشعب اليهودي»، و«كيف لم أعد يهوديًا».
يهدي ساند الكتاب «إلى ذكرى قرية الشيخ مونس التي اقتلعت في الماضي البعيد من المكان الذي أعيش وأعمل فيه في الحاضر القريب». الأهداء بحد ذاته محمل بالدلالات، إذ أن الشيخ مونس هي إحدى القرى المدمرة التي قامت تل أبيب على أنقاضها، رغم الادعاء الصهيوني بأن تل أبيب هي مدينة قامت بأيدي يهودية على كثبان خاوية من الرمال، في محاولة لطمس التاريخ وإعادة كتابته صهيونيًا. ويعود ساند ويفرد الفصل الأخير من الكتاب لقرية الشيخ مونس كمثال للمحو والتهجير وإعادة الكتابة التي قام بها الكيان الصهيوني.
يجهد ساند في الكتاب على تفكيك السرديات الصهيونية حول صلة اليهود بأرض فلسطين ودحضها. حيث قامت الصهيونية باختراع ما أسمته «أرض إسرائيل» باعتبارها وطنًا تاريخيًا للشعب اليهودي، محولة مصطلحًا دينيًا إلى مصطلح جيو-سياسي، بحسب المترجم أنطون شلحت. وقد بدأت هذه العملية الممنهجة منذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات العشرين، من أجل قلب هذه الأسطورة إلى حقيقة واقعة. وجرى كل هذا بدعم مسيحي بروتستانتي بريطاني، اعتبر أن عودة بني إسرائيل إلى أرض أجدادهم هو مقدمة للخلاص البشري الذي يؤذن بعودة المسيح. وبذلك نجد أن هذه التسمية كانت اختراعًا صهيو-مسيحيًا وليس يهوديًا في المقام الأول، وهو ما تم بالرغم من النهي الديني اليهودي القاطع عن المجيء إلى أرض فلسطين.
يقول ساند: «إن وضعًا فيه الكثير من القوة لا ينتج شرًا مفسدًا فقط، بل ينتج أيضًا شعورًا بالتسلط لا يطاق على البشر الآخرين ويفضي في نهاية المطاف إلى التسلط على المكان. وكلي ثقة بأن أجدادي معدومي القوة، والذين عاشوا في نطاق الاستيطان في أوروبا الشرقية، لم يدركوا ما الذي سيرتكبه ذراريهم في الأرض المقدسة».
أساطير الصهيونية
جون روز
دار بلوتو، لندن، 2004
في هذا الكتاب الصادر باللغة الإنجليزية، يعمل روز على تفكيك الرواية الصهيونية برغم تعقيداتها بأسلوب مثير للاهتمام. ويركز على المصادر الثقافية والأيديولوجية لهذه الرواية في نقده للصهيونية، وعلى الجذور التاريخية والثقافية والسياسية، وكيفية تجذرها في الميثولوجيا القديمة والوسيطة والحديثة أيضًا. وقد استخدمت هذه الأساطير من أجل تبرير مطامع وأهداف سياسية تجلت في نهاية المطاف في تشريد شعب بأكمله واحتلال أرضه والاستمرار في قمعه وإخضاعه.
يستعين روز في الكتاب بأدبيات واسعة في سعيه للتفريق بين الواقع أو الحقيقة والخيال، ويدحض الادعاءات الصهيونية الزائفة في المجال الديني والتاريخي على السواء. ويعتبر روز أن ادعاءات الصهيونية بكونها جاءت كرد فعل على معاداة السامية في أوروبا ما هي إلا أكاذيب لتبرير احتلالها لأرض فلسطين. كما يعتبر بن غوريون أفضل صانعيها، مذكرًا بقوله إن «أية أسطورة تصبح حقيقة إذا ما آمنت بها». ويرى أن بن غوريون قد دمر أي أمل في التصالح مع العرب أو الفلسطينيين، وأن الصهيونية بذاتها كانت مصدر العداوة التي استحكمت بين الطرفين كمحصلة لأفعاله.
يرى المؤلف أن أفضل ازدهار شهده اليهود في تاريخهم المبكر في أوروبا جاءت جذوره من حقبة التعايش الإسلامي اليهودي. وأن الأسطورة الصهيونية حاولت التعمية على المكون العربي الإسلامي في التاريخ اليهودي وتجاهله. كذلك يتحدى المؤلف فكرة النفي والشتات والاضطهاد التي سادت في الفكر الصهيوني. كتاب سهل وتفكيك يستحق القراءة بإمعان.
اختلاق إسرائيل القديمة: إسكات التاريخ الفلسطيني
كيث وايتلام، ترجمة سحر الهنيدي
منشورات عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1999
يعتبر هذا الكتاب من أفضل ما كتب في موضوع تاريخ فلسطين القديم الحديث حتى حينه، وقد اعتبره إدوارد سعيد عملًا أكاديميًا وجريئًا ومن أفضل ما كتب في نقد العديد من الفرضيات حول تاريخ «إسرائيل» التوراتي. وقد تعرض المؤلف لحملة شعواء عند صدور الكتاب باللغة الإنجليزية.
يتميز الكتاب بأنه يتناول المؤلفين الصهاينة والغربيين الذين زيفوا تاريخ فلسطين واختلقوا سردية تخدم مصالح سياسية واجتماعية بحتة، ويفند سردياتهم واحدًا واحدًا بأسلوب أكاديمي بارع وشيق.
يعتبر وايتلام أن تاريخ اليهود القديم هو جزء لا يتجزأ من التاريخ الفلسطيني القديم. لذلك يجب إعادة الاعتبار لهذا التاريخ الفلسطيني وإحيائه كموضوع قائم بذاته وليس في سياق التاريخ اليهودي الذي يشكك في وجوده أصلًا ويعتبره مختلقًا لدوافع مغرضة تمامًا. ويرى أن فلسطين قد تعاقبت عليها حضارات عدة ولم يكن اليهود إلا خيطًا رفيعًا في نسيج التاريخ الفلسطيني الغني القديم. ما يميز فكر وايتلام أنه يرى أن هذه العودة إلى الماضي ومحاولة إحيائه إنما ترتبط بالهوية السياسية للحاضر، وأن اعتبار «مملكة إسرائيل» القديمة حقيقية تاريخية لا جدال فيها إنما جاء لتأكيد الاستمرارية التاريخية والربط بين «إسرائيل» القديمة ودولة الكيان الصهيوني المعاصرة.
يحث وايتلام الفلسطينيين على استعادة تاريخهم المصادر والمطموس، وليس فقط تاريخهم الحديث، واسترداده من يد الدراسات التوراتية كي يتمكنوا من إسماع صوتهم الذي طالما تم إسكاته. ويؤكد ضرورة تعيين موقع التاريخ الفلسطيني والاعتراف بالرواية البديلة والتحرر من قيود اللاهوت التوراتي في معالجة التاريخ الفلسطيني، معتبرًا «إسرائيل» القديمة والحديثة مجرد كيان صغير أمام تاريخ فلسطين الحقيقي.
يهم الكتاب الذي يعنى بأكثر من مجال الباحثين والمهتمين بدراسات التاريخ القديم إلى جانب الدراسات الدينية والاجتماعية والسياسية الشرق-أوسطية المعاصرة وعلم الآثار.
فكرة إسرائيل: تاريخ السلطة والمعرفة
إيلان بابيه، ترجمة محمد زيدان
المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2015
منذ قيامها كدولة على أرض فلسطين، ظلت فكرة «إسرائيل» مطروحة للنقاش وتؤرق الكثير من المثقفين والسياسيين، وظل التناقض جزءًا مهمًا من تاريخها القصير. فالتناقضات بين العلمانية والتدين، واليمين واليسار، واليهود الشرقيين ويهود أوروبا، ومن يتطلعون إلى التسوية ومن يرغبون بالمزيد من التوسع، ودعاة العنصرية والمطالبين بالديمقراطية، وإذا ما كانت دولة عسكرية أو مدنية، وظيفية تعمل قاعدة للغرب الإمبريالي أم دولة قائمة بذاتها، ما زالت تعصف بالكيان الصهيوني حتى الآن.
سعى التيار الذي يسمى ما بعد الصهيونية والمتمثل بعدد من الكتاب والأكاديميين في الكيان الصهيوني، إلى تفكيك السرديات التي انبنت عليها الدولة. حتى أن البعض قد سعى إلى فضح أساطيرها المؤسسة واعتبارها دولة استعمارية استيطانية، قامت على أسس توراتية وأسطورية أدت إلى نشوء مخيال يهودي عن الذات وعن الآخر الفلسطيني والعربي.
إلى كل جانب هذا، يركز بابيه على القمع الممارس على سكان الأرض الفلسطينيين ويدحض فكرة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، التي شرعنت أيديولوجية الصهيونية وممارساتها الاستعمارية. ويلجأ إلى الأرشيفات التي باتت متاحة الآن أمام الأكاديميين الذين يبحثون عن الحقيقة التي طمست لسنوات طوال.
كذلك يناقش بابيه المستوطنين الأوائل واستعلائهم على الفلسطينيين والسعي للتخلص منهم. كما يستدعي أسماء هامة من اليهود الرافضين للصهيونية، ويتطرق إلى تاريخ حركة الفهود السود الإسرائيلية ومنظمة ماتزين وإسرائيل شاحاك الذي كان من أشد المنتقدين للكيان الصهيوني، والذي اعتبرها آلة حرب لا يصدر عنها إلا الشر.
يعرج بابيه على الانتفاضة الفلسطينية وكيف أسفرت عن ظهور مجموعة جديدة من تيار ما بعد الصهيونية. حيث تأثرت جماعة هذا التيار بإدوارد سعيد ونعوم تشومسكي والتفكيكية ونظريات المعرفة والسلطة. كما يتحدث عن الهولوكوست وتأثيره في تشكيل سردية تبريرية ضد الفلسطينيين وضد الأوروبيين أيضًا. ويذكر عددًا لا بأس به من الكتاب والأكاديميين الذين تصدوا لهذا الموضوع الشائك.
نهب الممتلكات العربية في حرب 1948
آدم راز، ترجمة أمير مخول
المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية – مدار، رام الله، 2023
تعرضت الممتلكات العربية في فلسطين إلى سلسلة ممنهجة ومنظمة من النهب والسلب ما تزال مستمرة حتى اللحظة. لم تكتف العصابات الصهيونية والجيش الإسرائيلي بسلب الأرض، ولكن استكملوه بعملية سلب شملت كل ما على الأرض من بيوت وممتلكات منقولة تخص الشعب الفلسطيني الذي طرد وشرد من فلسطين إبان النكبة.
يعتمد المؤلف على أرشيف واسع من الروايات والسرديات والشهادات المروعة عما جرى عام 1948. حيث أن النهب والسلب لم يكن عملًا فرديًا للمنظمات الإرهابية اليهودية أو الجيش الإسرائيلي، بل كان سياسة رسمية للدولة الصهيونية، باتت أكثر علنية في حرب 1967، عندما سلبت ونهبت متاجر القدس في البلدة القديمة. وقد تحدثت الصحافة الإسرائيلية عن هذه الأعمال الشائنة بدون خجل. يعتبر هذا الكتاب الأول من نوعه الذي يكتب من جانب مؤلف صهيوني.
يتألف الكتاب من فصلين. يتناول الأول عمليات السلب التي طالت الممتلكات العربية بحسب تسلسلها الزمني حتى منتصف عام 1949. بينما يتناول الفصل الثاني الموضوع من جوانبه السياسية والاجتماعية. ذلك أن المؤسسة السياسية الإسرائيلية سمحت كذلك بالنهب والسلب الفردي كي تتيح للجمهور المدني الانخراط والضلوع بتفريغ فلسطين مما خلفه سكانها العرب وراءهم.
يجدر بالذكر أن المعماري إيال وايزمان يذكر في كتابه «أرض جوفاء» أن «موظفي مكتبة الجامعة العبرية قد جمعوا ما يقرب من 30,000 كتاب ومخطوط ومجلة وجريدة تركها سكان القدس الغربية خلفهم في الفترة ما بين أيار 1948 وشباط 1949».