"نحن غاضبون. نحن مدمَّرون. كان يُفترَض أن يكون هذا وقتاً للفرح، لكننا في حداد. أكثر من 20 ألفاً قُتلوا، وآلاف غيرهم ما زالوا تحت الركام. ما يقارب 9 آلاف طفل قتلوا بأكثر الطرق وحشيّة"، هكذا بدأ الأب منذر إسحق، راعي الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في بيت لحم، عظته ليلة الميلاد 23 كانون الأول/ ديسمبر 2023.
"هذا العام لن يكون هناك احتفالات اعتيادية بمناسبة عيد الميلاد" لا في القدس، أو في بيت لحم، مدينة مهدِ المسيح، وفي فلسطين وبلداننا كلها، وتمتدّ الدعوة للعالم أجمع، رغمَ صممه المستفحِل.
لا شجرة ميلاد. لا أضواء. لا زينة. لا احتفالات. والأكيد، لا فرح.
الفرح مستحيل مع حرب الإبادة بحقّ أهلنا في غزّة. تضاء الشموع على مقربة من محلّ ولادة المسيح الذي هو رمز لخلاص الإنسان، تضاء حول مجسّم طفلٍ قُمِّط بالكوفية الفلسطينية. "هذه المغارة هي المعنى الحقيقي للميلاد. فيسوع الطفل يتضامن مع أطفال غزّة. وكلّ طفل يٌنتَشَل من تحت الأنقاض، نرى فيه صورة هذا الطفل". يقول الأب منذر أنّ هذه المغارة هي رسالة للعالم أجمع، وأنّ المسيح لو كان سيولد اليوم من جديد لكان سيولد تحت الأنقاض، بينما يحتفل العالم بأبهج الطرق ويضيء الأشجار ويقيم الاحتفالات..
هذه هي مفارقة هذا العام العجيبة. تعمّ احتفالات ولادة المسيح العالم كلّه باستثناء مدينته ومهدِه، فلمن الاحتفال ولماذا؟ قُرعت أجراس كنيسة المهدِ في بيت لحم، وأقيمت الصلوات من أجل غزّة، وخيّم حزن وصمتٌ كبيران. هذا ميلادٌ يشبه الصلب..
في مسيرة الميلاد الكشفية، لم تُقرع الطبول ولم تُعزَف الآلات وبقيت الأغاني عالِقة داخل الحناجر، فمشي الفتيان والفتيات بصمت في أزقة القدس، حاملين علم فلسطين ويافطات بيضاء من أجل أمانٍ وحياة يتمنونها لغزة. "غزة في القلب"، "طوبى لصانعي السلام، فإنهم أبناء الله يُدعون"، "طوبى لكم إن عيّروكم واضطهدوكم. إن أجركم عظيمٌ في السماوات"... ملأ الصمتُ الثقيل الشوارع.
كانت عظة ليلة الميلاد بياناً في وجه التواطؤ العالمي على فلسطين وغزة. لم تتفادَ العظة ذكر الدول الغربية بل وبعض الكنائس التي لم تنادي حتى اللحظة بوقفٍ لإطلاق النار، لا أكثر! خلص الأب منذر، وبالانجليزية، إلى القول: "لقد صارت غزة اليوم بوصلة هذا العالم الأخلاقية. لقد كانت غزة جحيماً لأهلها قبل "السابع من أكتوبر" وكان العالم صامتاً. فهل سيفاجئنا صمته الآن؟ إن لم تكن مشمئزاً مما يحدث في غزة، إن لم يزلزل هذا الذي يحدث كيانك في العمق، إذاً هناك خَطْبٌ ما في إنسانيتك (...) إذا لم تسمّ ما يحدث "إبادة"، فهذه خطئية وظُلمةٌ قد قبلتَ بها وتبنّيتها (...) أما نحن الفلسطينيون، فعلى الرغم من الضربة الهائلة التي تلقيناها، سننهض مجدداً كما فعلنا دائماً"...