هل اختارت إسرائيل قتلَ مسلّحي حماس والرهائن بلا أيّ تمييز؟

تؤسس هذه الحالة لاحتمال أن تكون إسرائيل قد نفّذت "توجيه هانيبال" المشين، والذي يقضي بأن يقتل الجيشُ الإسرائيليين بدلاً من السماح بأخذهم كرهائن.
2023-10-28

جوناثان كوك

كاتب وصحافي بريطاني


شارك
غزة بعد حلقة من موجات القصف وقبل الليلة الماضية

جوناثان كوك*
ترجمة جودي الأسمر

لا يزال الكثير من المساحة مُفْرَداً لهجوم حماس بعد مرور أكثر من أسبوعين عليه. لكن هذا المقال من صحيفة "موندوَيس" هو محاولة نادرة لتجميع أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول بدون الاعتماد البسيط على الرواية الرسمية الإسرائيلية المتداعية بشكل متزايد.

يشرح الكاتب ردَّ الجيش الإسرائيلي على توغل حماس في إسرائيل والاستيلاء على المجتمعات الإسرائيلية القريبة من غزة من زاوية "توجيهات هانيبال" الإسرائيلية. هذا التوجيه العسكري يلزم الجيش الإسرائيلي بقتل الإسرائيليين بدلاً من السماح لهم بأخذهم كرهائن. وعادة ما يشمل الأفراد العسكريين، ولكن تم استخدامه ضد المدنيين الإسرائيليين أيضاً.

ويستشهد الكاتب بالعديد من الأدلة التي ترجّح أنّه تمّ تطبيق "توجيهات هانيبال" كسياسة تجاه المدنيين الإسرائيليين الذين أسرتهم حماس واحتجزتهم كرهائن في منازلهم داخل إسرائيل.

بتعبير آخر، يبدو أن الجيش فضّل قتل المدنيين الإسرائيليين ومسلّحي حماس الذين يحتجزونهم بدلاً من محاولة التفاوض على إطلاق سراحهم.

وهذا من شأنه أن يفسّر صُوَر الأحياء الإسرائيلية القريبة من غزة التي تحولت إلى خراب، وقد دُمرت أجزاء من جدران المنازل وبقايا المباني المتفحمة بالنيران. وتؤشر الأدلة الواردة إلى أن هذا لا يبدو بالضرورة نتاج ما حدث في خضم المعركة بعد وصول الجيش، ولكن بعد مواجهة طويلة مع حماس.

فهل قُتل عدد كبيرٌ مِن الإسرائيليين الـ1400 الذين لاقوا حتفهم خلال هجوم حماس نتيجة جهودٍ متعمَّدة لمنع حماس من نقلهم إلى غزة؟

إحدى الناجيات الإسرائيليات من هجوم حماس تتحدث عن كيفية قيام الجيش الإسرائيلي برشّ مبناها بالذخيرة الحية، مما أسفر عن مقتل مقاتلي حماس والمدنيين الإسرائيليين دونما تمييز - تماشياً مع "توجيهات هانيبال". وقد كشف موقع "الانتفاضة الإلكترونية" للمرة الأولى عن هذه المقابلة، مشيراً إلى أنه يبدو أن الإذاعة الإسرائيلية قد قامت بحذفها..

وفي سياق "توجيهات هانيبال"، يمكن أن نفهم بسهولة إطلاق حماس سراح أم أمريكية وابنتها الأسبوع الماضي، الأمر الذي سبب إرباكاً لوسائل الإعلام الغربية.

وحماس تعرف جيداً هذه التوجيهات. فهي تفترض أن إسرائيل ستختار قتل جميع الرهائن الذين تحتفظ بهم الآن في غزة، والذين لا يمكن استعادتهم من خلال غزو بري، بدلاً من الدخول في مفاوضات من أجل عودتهم.

كما تعرف حماس أن إسرائيل ستؤكد عدم وجود فرصة لإعادة الرهائن إلى الوطن. ولهذا السبب تعمل إسرائيل جاهدة على القول بأن حماس هي نفس تنظيمَي "القاعدة" و"الدولة الإسلامية".

ولهذا السبب روّجت إسرائيل للادعاء الخالي من الأدلة بأن حماس قطعت رؤوس الأطفال. ومن عجيب المفارقات أن الأدلة الضئيلة التي قدمتها إسرائيل، وخصوصاً ما بدا وكأنه جثة صغيرة متفحمة، ربما كانت وفاة ناجمة عن حريق تسبب فيه نشاطها العسكري.

وهذا الأسبوع أطلق الرئيس إسحق هرتزوع عملية تضليل جديدة، مدّعياً أنه عُثر على مقاتل ميّت من حماس بحوزته دليل لتنظيم القاعدة حول كيفية صنع الأسلحة الكيميائية. وحتى لو افترضنا أن الدليل لم يتم دسّه، فإنه لا يحتوي على هذه المعلومات.

يهدف هذا النوع من التلاعب إلى تليين الرأي العام الغربي من أجل تكثيف الفظائع الإسرائيلية والتطهير العرقي والإبادة الجماعية. يقضي منطق إسرائيل في هذه الرسائل بأنّه في مواجهتها لطائفة "تبجّل الموت" مثلما كان يفعل تنظيم الدولة الإسلامية، يجب عليها أن تفعل كل ما بوسعها لاقتلاعها من غزة.

وتحاجج إسرائيل بأن حماس منيعة ضد التعقل، وليس هناك ما يمكن التفاوض عليه، وبالتالي فإن ارتكاب التطهير العرقي والإبادة الجماعية في غزة أمر مبرّر بشكل تام.

في المقابل، تحاول حماس إظهار أنّها مستعدة للتوصل إلى اتفاق وإطلاق سراح الرهائن. ومع ذلك، فإن ذلك يتطلب من إسرائيل معالجة مظالمها العديدة، بما فيها التفاوض على وقف إطلاق النار لإنهاء حملة القصف الحالية ضد غزة، وإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين، وإنهاء الحصار الذي دام 16 عاماً على القطاع. وإسرائيل ليست مستعدة لتقديم تنازلات في أي من هذه النقاط.

المشكلة الأوسع بالنسبة لحماس هي أنّ وسائل الإعلام الغربية تتماشى مع الدعاية الإسرائيلية التي ترى أنّ حماس طائفة تبجلّ الموت مثل تنظيم الدولة الإسلامية ولا يمكن التحدث إليها، بدلاً من حقيقة أنها حركة مقاومة سياسية وعسكرية تقاتل من أجل تحرير فلسطين. وبالنتيجة، يُرجّح أنّ العديد من الرهائن الإسرائيليين سيموتون بشكل مجاني - إلى جانب أعداد أكبر بكثير من الفلسطينيين بطبيعة الحال.

23 تشرين الأول/أكتوبر 2023

______________________

*جوناثان كوك صحفي وكاتب مقيم في الناصرة، فلسطين، وحائز على جائزة "مارثا جيلهورن الخاصة للصحافة". آخر مؤلّفاته:
- Israel and the Clash of Civilizations: Iraq, Iran and the Plan to Remake the Middle East (Pluto Press)
- Disappearing Palestine: Israel’s Experiments in Human Despair (Zed Books)
-لقراءة المقال الأصلي اضغط هنا.

مقالات من فلسطين

رحلة البحث عن رغيف

كُل صباح في الأيام الماضية، حينما أجوب الشوارع، لا أجدني سوى باحث عن الخُبز، وأنا حقيقةً لا أستوعب إلى الآن أن الحال وصلت بي - كما وصلت بكُل الناس- إلى...

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة

مسيف جميل 2024-11-17

لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...

للكاتب نفسه

لماذا يدعمُ الغرب جرائم إسرائيل في غزّة؟

هذه مجموعة معطيات من نصّ بالغ الأهمية للصحافي البريطاني والخبير في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية، جوناثان كوك، بعنوان "خارجون عن القانون في غزة: لماذا تساند بريطانيا والغرب جرائم إسرائيل؟"، يتطرق فيه...