شبح ارتفاع الأسعار يتحول إلى "جاثوم" فوق صدور الشرائح العظمى من الأسر المصريّة. فبعد الأماني الواسعة استوطن اليأس العالي بعدما انتظر الملايين إجراءات اقتصادية واجتماعية جذرية تؤدي إلى عدل الميزان المقلوب في توزيع الدخول وتقليل الفجوة الشاسعة بين أعداد من هم تحت خطّ الفقر ومن هم فوق خط الغنى الفاحش. ووفق إحصاءات راهنة للجهاز العام للتعبئة والإحصاء، فإنّ أعلى موجات ارتفاع الأسعار تتوالى منذ بداية العام الحالي دون أن يصاحبها بالتوازي أيّ ارتفاع في الأجور. قروض دولية عاجلة، قوانين ضريبية مفاجئة، خلل في ميزان العملة الأجنبية أطاح الجنيه المصري جانباً، بيانات حزبية تندد، خطابات رسمية تبرّر..
السّلع الرئيسية.. معدلات ومفارقات
معدل ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الأساسية تخطّى كل ما هو معتاد، ليتراوح متوسط الارتفاع هذا العام بأسعار أغلب السلع الرئيسية كالأرزّ والسكر والشاي والمعكرونة والزيت 20 ـ 40 في المئة دون وجود آليات حقيقية فاعلة يمكنها مراقبة حركة الأسواق على مستوى الجمهورية، أو منع انتعاش ممارسات الاحتكار وإخفاء البضائع المدعمة وبيعها في السوق السوداء.
حسب تقارير صادرة عن المركزي للإحصاء والتعبئة في الشهر الجاري، ارتفع سعر البطاطا بنسبة 5.2 مقارنة بشهر آب/ أغسطس، وارتفعت أسعار البصل بنسبة 10.7 في المئة، وأسعار الشاي بنسبة 3.9 في المئة والبن 5.3 في المئة. وأشار التقرير إلى زيادة أسعار مجموعة اللحوم والدواجن.. كما ارتفع سعر الزيوت من 13 إلى 17 جنيهاً في شهر واحد.
ولا يتم الالتزام بالأسعار إلا داخل أماكن توزيعها الطبيعية في المجمعات الاستهلاكية ومحالّ البقالة المعتمدة، بينما تتفاقم الصورة وتأخذ أبعاداً أخرى أكثر صعوبة حين تختفي إحدى السلع ـ دون سبب واضح ـ كما هو في حالة السكر الذي تحول إلى فصل هامّ في تاريخ اليوميّات المصريّة، حيث شحّ فجأة من السوق ولم تتمكن السلطة من توفيره ضمن حصص السّلع المدعّمة شهرياً في مجمّعاتها الاستهلاكية، ما اضطر أغلب الأسر لشرائه من المحالّ التجاريّة ليرتفع ثمنه من 5 إلى 15 جنيهاً بزيادة 200 في المئة بينما ارتفع سعر الأرزّ من 4.5 الى 9 جنيهات.
الدّعم الحكومي.. أزمات ومحاولات
لم يستطع أيّ تحرّك حكومي تمّ اعتماده حتى الآن ملاحقة الارتفاع الحثيث للأسعار حيث يظهر أنّه لا مجال للمنافسة رغم الإجراءات المتخذة: زيادة المخصّصات المالية، فتح المزيد من منافذ البيع الحكومية، نزول سيارات جهاز الخدمات العامة التابعة للقوات المسلحة.. كل هذا لم يستطع رأب الفجوة فحسب، بل أيضاً لم يستطع الإجابة عن الأسئلة الهامّة مثل ما السبب وراء هذا الارتفاع الملحوظ. وهل هناك في الأفق ما يشير إلى إمكانيّة تدبره وهل من إحداث تغيير في هيكل الأجور ليمكنه مواجهته، وهل أصلاً هناك اتجاه لتعديل الأجور..
من جانبها وافقت وزارة المالية على إتاحة 4 مليارات و430 مليون جنيه لهيئة السلع التموينية تشمل 2 مليار و448 مليون جنيه للدعم المالي لسلع البطاقات التموينية، و952 مليون جنيه لدعم توزيع الخبز، بالإضافة إلى مليار و30 مليون جنيه ضمانات لشراء 600 ألف طنٍّ قمحاً مستورداً. وبالاتجاه نفسه، فتحت محافظة القاهرة 220 منفذاً لبيع السّلع الغذائية بأسعار مخفّضة في مختلف أحياء المحافظة لرعاية ودعم محدودي الدخل، كما نصبت شوادر لبيع السلع بأسعار مخفّضة في الميادين الرئيسة بالمحافظات. وقيل إنّه سيتم الاتفاق مع أحد رجال الأعمال لتوفير اللحوم البلدية بسعر 65 جنيهاً للكيلو. الطوابير الممتدة والتزاحم والشجار صور تتكرر بشكل مهين عند تلك الشوادر التي تبقى محدودة. وأخيراً فقد تمّ بيع كيلو السكّر في شاحنات "الخدمة الوطنية" التابعة للقوات المسلحة بـ6 جنيهات للكيلو، بارتفاع جنيه (20 في المئة) عن السعر المعتمد في مجمّعات السّلع التموينيّة!
ووفق اللائحة المنظِّمة لخدمات دعم المواطنين، تمّ قبل عامين تحويل نظام الدعم من العيني للنقدي لوقف السرقة بالسّلع المدعّمة، فأصبحت حصّة كلّ مواطن هي 15 جنيهاً شهرياً، زادت بعد مرور عام إلى 18 جنيهاً. إلّا أنها وسط تزايد الأسعار لم تعد مجدية ولا توازي ما كان يتم تقديمه بشكل عيني في ما سبق، فقد كان كلّ مواطن مسجل ببطاقة تموينية يحصل على سلع السكر والزيت والمعكرونة والصّابون لكلّ فرد، بأسعار مدعّمة، ولا تزيد عن 2 ـ 3 جنيهات للسّلعة، بينما لم يعد من الممكن بعد تطبيق النظام النقديّ وتحرير سعر السلع وفق قائمة الأسعار الحالية إلّا شراء كيس سكر وزجاجة زيت واحدة. وعليه يضطرون إلى الشّراء من المحالّ التجارية التي يخضع السعر فيها لحالة مضاربة دائمة.
الدعوات الحكومية على لسان مسؤولين كبار تقول بترشيد الاستهلاك واستخدام العسل الأسود بدلاً من السكر، وشريط نشرة الأخبار يطالب المواطنين بالإبلاغ عن كل من يقوم بتخزين سلع السكر والأرزّ، وصور تظهر أحدهم بعد القبض عليه بسبب حيازته 10 أكياس سكر وتكليفه بدفع غرامة 1000 جنيه.
الإحساس هو أقرب إلى الانكسار منه إلى الغضب.. يكسو وجه الجميع أمام طوابير المجمعات الاستهلاكية.
الجميع ينتظر.