إعداد وتحرير: صباح جلّول
أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، خلال اجتماع لجنة التراث العالمي الذي انعقد الأحد في 17 أيلول / سبتمبر 2023 في الرياض، موقع تل السلطان في مدينة أريحا الفلسطينية في الضفة الغربية على قائمة التراث العالمي، فاستشاظت إسرائيل غضباً..
يعود الموقع إلى عصور ما قبل التاريخ، ووُجدت فيه آثار يعود أقدمها لـ10 آلاف سنة قبل الميلاد، كما أن ثمة أدلّة على أنه المكان الذي عرف فيه الإنسان بداية الزراعة والاستقرار بديلاً عن حياة الصيد والجمع واللقاط، كما عرف فيه تدجين الحيوانات، وبالتالي الاستقرار الأوّل وتكوّن أوّل مجتمع حضري. لكنّ دولة الاحتلال لها رأي آخر. فهي ترى في التصنيف "استغلالاً مغرضاً لليونيسكو" و"تسييساً للمنظمة من قبل الفلسطينيين"، حسب بيان نشرته الخارجية الإسرائيلية في اليوم نفسه للإعلان.
لا ترى إسرائيل بالطبع أنها هي مَن تسيّس القرار باعتراضها عليه، وهي سبق أن اعترضت على قرارات اليونيسكو في كلّ مرّة من المرّات الثلاث السابقة التي صُنّفت فيها مواقع تراثية إنسانية تحت خانة "دولة فلسطين"... من التصنيف الأول لمكان ميلاد السيد المسيح في كنيسة المهد في بيت لحم (عام 2012)، إلى الثاني في أرض الزيتون والكروم في جنوب القدس - بتير (عام 2014)، فالثالث في البلدة القديمة في الخليل (عام 2017)، وصولاً الآن إلى تلّ السلطان في أريحا القديمة هذا العام.
فلسطين تحمي أثر الأقدمين
13-07-2017
اكتشاف أكبر مقبرة رومانية في غزة
11-08-2023
جبال القدس تفضح ما خبأه الاحتلال
19-08-2021
وفي تصريح وقح بشكل مذهل، اتهم عضو الكنيست دان إيلوس اليونيسكو بـ"التدخل بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، وقال إنّ من واجب إسرائيل وقف ما أسماه "تغلغل السلطة الفلسطينية" والإصرار على "الحق" في ما أسماها أرضهم! متذرعاً بأنّ أريحا مدينة ذات أهمية خاصة لليهود والمسيحيين، ومعتبراً أن في القرار "إهانة" لملايين اليهود والمسيحيين حول العالم.
كمّ الهراء الذي تتذرع به دولة الاحتلال لا يقف عند حدّ، فصار ينبغي على الآثار التي تعود لعصور ما قبل التاريخ، ما قبل الإسلام والمسيحية واليهودية، والأقدم من أهرام مصر ومن التدوين، أن تخضع لأهواء دولة مستعمِرة بالكاد تبلغ من العمر الخامسة والسبعين، وفق مسارها المعتاد الذي لا تقومُ له قائمة سوى بالمحو والمزيد من المحو لأي اسم لفلسطين أو اعتراف دولي بارتباطها بثقافة تلك الأرض وآثارها وجذورها الضاربة في التاريخ الموغل القِدم.
عن الموقع الأثري
تل السلطان هو تل بيضاوي الشكل، يحتوي على آثار بشرية من ما قبل التاريخ، ويقع على بعد 10 كيلومترات من البحر الميت وكيلومترين شمال مدينة أريحا. بحسب اليونيسكو، كان الموقع "مستوطنة دائمة في الفترة ما بين الألفية التاسعة والثامنة قبل الميلاد، بسبب خصوبة تربته وسهولة وصول المياه إليه". ويجعله ذلك ذا أهمية أثرية وانتروبولوجية كبيرة، إذ قد تفيد دراسته في فهم كيفية انتقال البشرية من مرحلة التنقل الدائم من أجل تأمين المأكل والأمان إلى التمدن الأول باستغلال الأراضي للزراعة والري ثم التدجين والاستقرار في موقع واحد في جماعات بشرية يسوّر أهلها مستعمراتها للأمان، وهو ما توفّرت أدلّته جلّية في عين السلطان الذي يتضمن نبعاً وسوراً كبيراً وبرجاً يجعل من المكان أقدم مدينة محصّنة في العالم، وما يمثله ذلك من قيمة إنسانية استثنائية، بل أن تل السلطان تطرح أسئلة بحثية هامة حول النظم الاجتماعية والسياسية الأولى التي نظّمت تلك المستعمرات البشرية وأسباب نجاحها واستمراريتها وتبدلاتها...
أكّد مدير عام دائرة الآثار في وزارة السياحة الفلسطينية، إياد حمدان في عدة مقابلات تلفزيونية أن موقع تلّ السلطان متفرّد لجهة أن ما يظهر منه ليس إلّا جزءاً بسيطاً من حجمه الحقيقي، فهو مخبوء، معظم آثاره غير ظاهرة، باستثناء البرج الدائري الضخم وبعض الأسوار، مما يجعل من الصعب على الزوار استكشافه. وسيساعد تصنيف الموقع على لائحة التراث الإنساني في منحه مظلّة حِماية من الاحتلال، تمهيداً لتنفيذ مشروع إبراز آثاره غير الظاهرة والتعريف بها وتأهيل المكان، بالإضافة إلى ترميم جزء من السور.