ألقت الشرطة الألمانية في برلين القبض على 12 شخصاً على الأقل خلال تظاهرة لإحياء "يوم النكبة" وذلك في 20 أيار/مايو 2023، مُرجِعة سبب التدخل العنيف لفض التظاهرة بترداد هتاف "فلسطين حرّة من النهر إلى البحر" بين المتظاهرين، وهو ما تزعم الشرطة احتواءه لمعانٍ معادية للسامية، على الرغم من أنّ التظاهرة أصلاً من تنظيم مجموعات يهودية مناصرة لفلسطين ومعادية للاحتلال الإسرائيلي! هذا، وللسنة الثانية على التوالي، تحظِّر برلين التجمعات والمسيرات التي تخرج بهدف إحياء ذكرى يوم النكبة المستمرة منذ 75 عاماً، وقد حاول الناشطون تفادي الحظر على التظاهر باستخدام أساليب أخرى للتعبير عن الرأي يضمنها الدستور وحرية التعبير، مثل تنظيم "فلاش موب"، أي التجمع بشكل مباغت وشبه عفوي في عرض أدائي في الشارع أو من خلال الرقص أو لبس قمصان عليها شعارات متعددة.
ويضع تظاهر المجموعات اليهودية المناهضة للصهيونية داعمي كيان الاحتلال أمام أسئلة محرِجة وعميقة، فلطالما صادرت إسرائيل كلمة اليهود في العالم، بينما تُظهر الحقيقة التي لا لبس فيها أن وجود مناضلين يهود أفراد أو جماعات داعمين لتحرير فلسطين من الاحتلال راسخ وقديم، يتحدّى بلا مواربة الخطاب الشمولي الضحل الذي يساوي نصرة فلسطين باللاسامية، وهي المعادلة التي تتغلغل في جلّ الخطاب السياسي في معظم الدول الأوروبية.
وكتب الناشط "آدم برومبرغ" على صفحته على إنستغرام أن الشرطة الألمانية اعتقلته بشكل عنيف خلال مظاهرة يهودية سلمية لإحياء الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة المستمرة، واصفاً الاحتجاج بالهادئ والمليئ بالأصدقاء وعائلاتهم، من الأطفال إلى الجدود، ومشيراً إلى أنّ تصرّف الشرطة الألمانية هشّم ذلك الهدوء بانقضاضهم على المجتمعين حتى بعد أن تطوّعوا بفضّ التجمع دون تدخّلهم. وقد ظهر في مقاطع فيديو انقضاض الشرطة على برومبيرغ فيما كان يدير ظهره: "(...) كل ما أعرفه هو أنني وقعت وأكلت التراب فيما حاصرني عدة رجال وقيد أحدهم يدي وعضّ أحدهم معصمي!"، قال الناشط.
تزداد هذه الممارسات شراسة وصرامة في السنوات القليلة الأخيرة، فالعلم الفلسطيني ممنوع رفعه، والكوفية كافية لإثارة الشبهات وتحمل "لاساميّة محتمَلَة"! وصل الأمر بالشرطة البرلينية مرحلة المحاسَبة على النوايا وافتراض النية السيئة لمجرّد كَون فلسطين هي الموضوع، كما وصلت بهم المهزلة حدّ منعِ المتظاهرين مِن رفع رسم لقطعة بطيخ يستخدمها المتظاهرون بديلاً رمزياً عن العلم الفلسطيني، إذ تحوّل البطيخ رمزاً لنضال الشعب الفلسطيني بعد حظر إسرائيل لرفع علم فلسطين في العام 1967، حتى يعتمد فنانو فلسطين – بحسب الفنان سليمان منصور – البطيخ بديلاً في لوحاتهم لاحتواء الرمز ألوان علم فلسطين نفسها. وتساءل أحد المتظاهرين الفلسطينيين في برلين "ألا يحقّ لي أن أرثي الذين قُتلوا في غزة منذ أيام قليلة وسط هذا الصمت الأوروبي المطبِق؟"
"من إيرلندا مع الحبّ"... وتضامن من العالم
10-06-2021
في السياق الأعمّ، تشهد عدة دول أروبية تضييقاً واضحاً على حرية التعبير المرتبطة بالذات بمناصرة فلسطين ورفض الاحتلال. العام الماضي 2022 شهد اعتقال 170 من المتظاهرين إحياء لذكرى النكبة في برلين أيضاً، ولم تخلُ ذكرى النكبة في فرنسا وبالتحديد في باريس من الاضطرابات في السنوات الماضية وكان عام 2021 شهد حظراً للتظاهر لإحياء الذكرى وفضّ التجمعات بالقوة واقتحام شارع "باربـيس" بالقنابل المسيلة للدموع والهراوات مع الاعتقالات.
وعلى جبهة أخرى ولكن متّصلة، شهد الأسبوع الماضي إزالة أغنية "أنا دمي فلسطيني" للمغني الغزّاوي محمد عساف عن منصة "سبوتيفاي" السويدية للموسيقى بمزعم معاداة السامية، على الرغم من خلوّها من أيّ ذِكر للاحتلال الإسرائيلي، كأنّ مجرّد أنّ المرء يغني عن كونه فلسطينياً هو جريمة. فحسب ما أكّد عساف، وصلته عدة إيميلات رسمية من الشركة تذكر معاداة السامية سبباً لإزالة الأغنية، على الرغم من أنّ المنصة كانت تنكر ذلك علناً وتُرجِع الأمر إلى قرار من الموزّع،لتعود وتتراجع عن قرارها بعد البلبلة الإعلامية حوله، فتعيد الأغنية إلى منصّتها.