الملل السياسي يتراجع في المغرب قبل شهرين من الانتخابات التشريعية في 7 ــ 10 ــ 2016. جل الأحزاب تتهم رئيس الوزراء بنكيران (حزب العدالة والتنمية الإسلامي) بالتحكم والابتزاز والتنازل عن صلاحياته الدستورية للملك. لطمأنة هؤلاء المرعوبين، فوزارة الداخلية لا تنام، وهي الحارس ما قبل الأخير للدولة، وبعدها الجيش. ويملك وزير الداخلية معطيات لا يملكها غيره، وهي مزلزِلة. فقد قرر شطب مئات آلاف الناخبين من اللوائح، وقد سبق تسجيلهم على الموقع الإلكتروني الذي وضعته وزارته لتسجيل الناخبين.
عادةً تشتكي الأحزاب من عزوف المواطنين عن التسجيل. وكانت وزارة الداخلية قبل 2007 تفرح بتسجيل الشباب. بل كانت الوزارة ترجوهم وتتوسل اليهم وترقص لهم ليتسجلوا: تأتي بالفنانين لدعوتهم، ويفتخر وزير الداخلية حين "يقبل الشباب على العملية السياسية"، ويستنتج من ذلك أن شرعية النظام السياسي راسخة. حينها تغني الصحف. "شو سهل الحكي الديمقراطي"!
فما عدا مما بدا؟
منذ دخول الإسلاميين للمؤسسات المنتخَبة وهم يصعِّبون الحكي الديمقراطي على خصومهم الذين يعتبرون أنفسهم ديمقراطيين.. بالولادة لا بالممارسة. خصوم يصعب عليهم التسليم أن الإسلاميين ديمقراطيين فعلا.
في السياق الجديد للرعب من فوز الإسلاميين، اكتشف وزير الداخلية بفضل مهندس بوليسي أنهم تسجلوا إلكترونياً في اللوائح الانتخابية انطلاقا من العنوان الإلكتروني نفسه. بمعنى أن جهة معينة تضمن ولاءهم قد سجّلتهم. لا يستطيع الوزير تغيير ولاء المسجّلين ولكن يستطيع حذفهم من اللوائح. كيف؟
وزير الداخلية كشف أن أربعمئة ألف ناخب تمّ تسجيلهم من مقرات حزب العدالة والتنمية والجمعيات الموالية له في صيف 2015. الحذف لأسباب تكنولوجية.
والبديل هو النص على أن النظام المعلوماتي "لا يعالج كل طلب أدلى صاحبه بعنوان غير صحيح لبريده الإلكتروني، أو أدلى بعنوان إلكتروني سبق استعماله لتقديم قيد أو نقل قيد لفائدة شخص آخر". واستعداد الوزارة لتنزيله بأثر رجعي، أي ستلغي تسجيل عشرات الآلاف صوتوا للإسلاميين ولم تنتبه لهم الوزارة في انتخابات أيلول / سبتمبر 2015.
من الآن فصاعداً، على كل عنوان إلكتروني أن يسجل شخصا واحدا كما في فايسبوك.
تحدث وزير الداخلية عن الاكتشاف، فاتضح أن بنكيران ليس نائما. وأصبح الخبر على الصحف العدوّة هو "بنكيران يحرض شبيبة حزبه على تسجيل الناخبين في اللوائح الانتخابية". يحرض؟ سابقا كانوا يكتبون يحث ويشجع الشباب..
نتيجة هذه المعطيات، هبت أحزاب المعارضة للمطالبة بإلغاء أكثر من 300 ألف ناخب تمّ تسجيلهم خلال الحملة الانتخابية التي قامت بها شبيبة "حزب المصباح" خلال الانتخابات المحلية الأخيرة.
ما مصدر الخوف؟
ينبع التهديد الذي يزعزع المعارضة من كون الحزب الإسلامي ينازعها الكتلة الناخبة المسجلة تقليدياً، فيجند من الواقع الافتراضي الذي لا تتحكم فيه وزارة الداخلية كتلة ناخبة شابة ضخمة موالية له. والتشطيب هو طريقة الوزارة للتعبير عن غيرتها على ناخبين قاصرين مورست عليهم الوصاية.
الحل حسب الوزير: "إلزام كل مواطن بأن يضع الطلب بمفرده إلكترونياً". ويفترض أن هذا سينهي الوصاية ويساهم في تصنيع نتائج مأمولة لدى الذين ينددون برئيس الوزراء ويشيدون بالملك الذي عينه.
وكالعادة، كان تصريح زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي الآيل للسقوط هو الأكثر دلالة على الرعب. فقد كشف أن هذه التسجيل الإلكتروني بمثابة "إنزال". وأضاف أنه حتى حواسيب وزارة الأوقاف وحواسيب دور القرآن سجلت ناخبين، وهذه عمليات "تجعل الشكوك مشروعة حول نتائج الانتخابات".
طيب، أين حواسيب الحزب الاشتراكي؟
سألت مناضلا حزبيا مبتهجا: ما حجم الرعب من فوز الإسلاميين في 7 تشرين الاول/ أكتوبر المقبل؟ أجاب: الخوف على البلد كبير، لا شك في ذلك، والخوف الأكبر على استقرار البلد.
الشخص نفسه يتهم حزب العدالة والتنمية بتهديد والاستقرار، ويصف الحزب بأنه تلميذ نجيب لوزارة الداخلية. عندما أحتج على هذا التناقض، يُنظَر إليّ كيساري خان قبيلته، لأنه لا يفهم هذا الرعب الذي يلبس مُسوحا وطنياً.
ما هي الوضعية القانونية لأولئك الناخبين؟ هل هم أحياء ويحق لهم التصويت ولديهم بطاقة وطنية. نعم.
وما المشكل؟ بما أنهم سُجلوا في حاسوب يوجد في وزارة الأوقاف فسيصوتون للعدالة والتنمية.
الحل؟ شطبهم.
حزب العدالة والتنمية غاضب. كتبت بعض الصحف أن حزب رئيس الحكومة هدد بمقاطعة الانتخابات في حال لم تتراجع وزارة الداخلية عن قرارها بتشطيب مسجلين باللوائح الانتخابية إلكترونياً بأثر رجعي. هذا تضليل ذاتي يعكس أمنية. الحزب لن يقاطع. وآخر ما يحتاجه بنكيران هو شد الحبل أكثر مما ينبغي. وهو يرى في قرار وزارة الداخلية سلوكاً تحكمياً يخدم "حزب الأصالة والمعاصرة" المؤيد للملك. يمكن نقد حزب لحزب، ممنوع نقد وزارة الداخلية أو اتهامها بالتحكم. قال وزير الداخليّة المسّ بهيبة الدولة مرفوض.
ما لا يعرفه خصوم الحزب انه سيعيد تسجيلهم فوراً بعنوان إلكتروني لكل ناخب. فالإسلاميون منظمون جداً، وهم يستخدمون الانترنت كمجال للاستقطاب والتعبئة..
صار للانترنت وزن انتخابي مهول. فقد بلغت الطلبات المقدمة عبره للتسجيل أو لنقل التسجيل من دائرة انتخابية إلى أخرى نسبة أربعين في المئة من مجموع الطلبات. وهذه كتلة ناخبة تفلت من مراقبة "المقدم" وهو أصغر وأهم موظف في وزارة الداخلية. ويوجد واحد في كل درب بكل تراب المغرب.
تعكس الأجواء حجم الرعب من فوز الإسلاميين وهم يجندون فاعلاً خطراً. ووزارة الداخلية تعالج الخوف لكي لا يضطر الجيش لمعالجة الأمور بيديه. لقد قبل بفوز الإسلاميين في انتخابات 2011، كأمر استثنائي مرتبط بعَجاج الربيع العربي /الأمازيغي. لكن أن يفوزوا مرة ثانية وثالثة، فهذا يصير قاعدة مكروهة.
يفرح المرعوبون بصدام الإسلاميين ووزارة الداخلية. قبل أشهر كانوا يتهمون الإسلاميين بأنهم جواسيس في خدمة البوليس. الآن صارت وزارة الداخلية هي جدار الصد الأخير لهم. يفترض أن لكل حزب حواسيب وشبيبة وبرنامج. لكن جل الأحزاب المرعوبة تتبنى برنامج الدولة العميقة. وهذا ما يجعل تنافسها مقتصرا على إرضاء هذه وواجهتها وهي وزارة الداخلية.
تسبب الرعب بغياب المنطق. كل طرف في الساحة السياسية يتهم الآخر بالتحكم. كل من يشعر بأنه مهدَّد يصرخ أكثر. لا يجري نقاش حقيقي في مغرب اليوم. لا مكان للسؤال الصحيح: لماذا لا يتضامن ثلاثون حزباً مغربياً لهزم الإسلاميين كما فعل "نداء تونس"؟
لا جواب محدد. ومع ذلك فالانتخابات تعالج الملل السياسي.