تم إيقاف شاب في الرباط، بعدما قام بتدخين سيجارة في مقر عمله في رمضان نهاراً. تم اعتقال شابين من مدينة زاكورة (700 كيلومتر جنوب شرق الرباط) بعدما ضُبطا يشربان الماء. في مراكش، تم الاعتداء على امرأة شابة وزوجها من طرف مجموعة من الأشخاص بسبب لباس الزوجة. وفي المدينة نفسها، أمر ثلاثة شبان سائحة بإطفاء سيجارتها. رفضت وتدخل مارة وطلبوا من الشبان عدم إرغام السائحة، فاندلع شجار بين المغاربة.
هكذا قد ينتقل الجدل إلى خطر على السلامة البدنية.
على ورقة تحمل رمز شركة التراموي بالرباط، غرامة خمسة دولارات ضد شاب وصديقته كانا يمسكان بيد بعضهما بعضا نهارا في رمضان، والتهمة هي "خدش الحياء العام". الغرامة حررها مراقب التذاكر الذي تحول إلى مطاوع طيب يقر عقوبات نقدية.
فوجئت الشركة بسلوك موظفها وأكدت المتحدثة باسمها لموقع الكتروني أن ّالقرار الذي اتخذه المراقب بتحرير مخالفة للشابين، اتخذ فرديا، مضيفة أنّ الشركة ستعاقبه وتتخذ الإجراءات اللازمة في حقه. من جهتها اعتبرت الراقصة نور أن كثرة الأكل في رمضان علناً مثير للاشمئزاز.
حسب الفقهاء يعتبر الآكل في رمضان عمداً أشر من الزاني ومدمن الخمر. ونظراً لأهمية الركن الرابع في الإسلام فإن الأسئلة حوله أكثر من الركن الثاني. في رمضان تكثر أسئلة هل يجوز؟ هل السيجارة الالكترونية تفطر؟ ومع الأسئلة تفيض الفتاوى. ومع الفتاوى نكات تقول عن كفارة ممارس العادة السرية أنه لا تلزمه (ها) إلا التوبة والقضاء بعدد الأيام التي أفسد صيامها، أما المفطر عمداً فكفارته هي صيام قرنين أو إطعام الصين.
لا تنسيق بين من أفطروا في رمضان علنا. إنه إفطار مزاجي أكثر منه طريقة ملتوية لإعلان الإلحاد. وتواتر الوقائع ناتج من مزاج عام. المهم أن لهذا الجدل أثرا على الحقل العام. ولزيادة تضارب الآراء خرجت جمعية تطالب برفع التجريم عن العلاقات الجنسية "الرضائية" وأخرى تطالب بإلغاء المادة القانونية التي تجرّم الإفطار العلني في رمضان. وبينما الجدل حول الإفطار، ارتفعت الحرارة والأسعار وسنّت الحكومة قانونا يقول: "يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة من 20 ألفاً إلى 50 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أساء إلى الدين الإسلامي أو النظام الملكي أو حرض ضد الوحدة الترابية للمملكة".
في العمق، هذا جدال حول طبيعة وصورة المجتمع المنشود. والواضح حتى الآن أن المكتسب هو الحق في العلاقات الجنسية سراً والحقّ في الإفطار سراً. ومن ضبط، وهذا نادر جدا، سيعاقب.
من الصعب لوم من لا يصلي، من السهل لوم من لا يصوم. يبدو أن الركن الرابع هو الأهم عند المغاربة. لذا يكتسي الجدل حول الشرعية الأخلاقية للإفطار باسم الحرية الفردية وهجاً شديداً في عهد حكومة يقودها الإسلاميون. خاصة أن العلمانيين يبحثون عن وقائع تثبت عداء الإسلاميين للحرية الفردية. في 2012 ظهرت حركة "ماصايمينش"، وصداها أكثر من وجودها الفعلي. نشطاؤها المقنّعون عن خوف ليسوا حركة اجتماعية أو سياسية. إنهم مجموعة ميكروسكوبية. ما يضعف الظاهرة أن أنصارها يظهرون مرة في العام، لذا فالمهم دراسة رد فعل خصومها وخاصة أنصارها. في العمق يتم دعم حرية المفطرين علناً تعبيرا عن عداء مضمر للدين من طرف أفراد الطبقة الوسطى العاملين في وسائل الإعلام. الدليل: بعض المنابر الإعلامية لا تطالب بالحرية السياسية وتدعم الدولة البوليسية وتطالب باستماتة بحرية الإفطار علناً.
لقطع الطريق على هؤلاء، أعلن عرّاب الإخوان المغاربة الشيخ أحمد الريسوني رفضه لمعاقبة المفطرين في رمضان، وطالب بإلغاء الفصل 222 من القانون الذي ينص على سجنهم وتغريمهم. حينها انتقلت الجمرة إلى فصيل السلفيين، وقد حل شيخهم محمد رفيقي (أبو حفص) المُشْكل، مؤكدا أنه ليس في الإسلام ما يكره الإنسان على القيام بأي شكل من أشكال العبادات"، مضيفا: "والدين كله لا إكراه فيه، فما بالك بالصيام من عدمه"، وحسم الجدال في تصريح صحافي: "ليست هناك في الدين عقوبة للمفطر في رمضان" وزاد أن مكياج المرأة لا يفطر في رمضان".
هكذا سد شيوخ الإخوان والسلفيين باب الذرائع عن ضرورة أو عن وعي. وقد انخرطوا في مشهد يجري فيه على مهل إخراج التدين من الحقل العام لحصره في الحقل الخاص. يبدو أن قادة الإسلاميين المغاربة يصيرون أكثر تفتحا حين يتجاوزون سن الأربعين. في الجامعة، كانت رائحة الطبخ شديدة الانبعاث من غرف الرفاق في رمضان نهاراً، ونادرا ما حصل صدام مع الإسلاميين، ثم سيطر الإسلاميون على الجامعة وقلّت رائحة الطبخ... وبعد سنوات خرج قادة هؤلاء الإسلاميين ليصرحوا بأنه لا إكراه في الدين والدخول في نسق تحويل الدين إلى مسألة شخصية، وهذا تحول غير مسبوق. لذلك فالخطر لا ينبع من القادة بل من أفراد قد يعتبرون معاقبة تارك الركن الرابع أهم من تارك الركن الثاني.
في المغرب تتكرر "خرْجات" لشبان يريدون الإفطار علنا. هم أحرار، ليفطروا. لكنهم يريدون أن تلتقط لهم صور ويصيروا أبطال أخبار. من الزاوية الحقوقية، يمكن كتابة إنشاء طويل في الموضوع.
وفي الجهة المضادة، هناك شبان يبحثون عن مفطرين في رمضان لمعاقبتهم. وهؤلاء شبان تأخذهم "الغيرة على الدين" لتطبيق شرع الله بأيديهم، لتلتقط لهم الصور. يسألون كلّ من يحمل ماءً أو أكلاً عن غرضه لردع المفطرين. لدى هؤلاء الشبان هلع من تصرف الفرد خارج قيم الجماعة. فخرق هذه القيم والنجاة من العقاب سيشجع أفراداً آخرين. لذا يجري ردع الفرد قبل تعمم الظاهرة.
كثيرون لن يقبلوا التدخل وسيتطور الأمر. يأتي هذا في ظل سحب الدول الأوروبية جنسيّات الجهاديين من أصول مغربية، ومن المنتظر عودتهم لبلدهم الذي لا تسقط جنسيته..
لكل الذين لا يرون التسامح والتعدد المغربي لينظروا إلى خريطته. المغرب جغرافياً ليس مستوياً مسطحاً بل جد متعدد. يمكنه ضم من يصوم ومن ويفطر ومن ينكح نهاراً.. هناك نظام اجتماعي أخلاقي لا تبدو له بدائل أفضل. نظام يقول لك أفطر في بيتك.
للباحثين عن النجومية الإعلامية هناك خطر في الأفق. خطر الشباب أكثر من خطر الكهول. من الزاوية السياسية والاقتصادية هناك خسائر ستصيب الوطن. من لا يفكر في الوطن ومصالح الناس لا صلة له بحقوق ولا بدين. تكفي قطرة دم في مراكش لتنقضّ وسائل الإعلام العالمية على المغرب لتمزق صورته.
مواضيع
الحق في الإفطار مكتسب.. أما طلب العلنية فيحمل مخاطر
مقالات من المغرب
أنا وليالي الضّوء في الغابات
لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...
جفافٌ يَلِدُ فيضاناتٍ في المغربِ القَصِيِّ
الضرر كان فادحاً، ومسَّ في الأساس البنى التحتية لطرق ومدن وقرى جنوب شرق المغرب، التي تم بناؤها لتحمل مجموع سيول مطرية معتادة. وشملت الخسائر انهيار حوالي 56 مسكناً بشكل جزئي...
الحرّية للصحافيين والسّجن للصحافة
الصّحافيون الثلاثة الأشهر الذين أُفرج عنهم، أُدخلوا السّجن بتهم جنسية، لا بتهم متعلقة بحرّية الصّحافة أو الرأي، كما هو الواقع. وهي استراتيجية مباشِرة إلى درجة تثير السخرية، لكنها أيضاً لئيمة...
للكاتب نفسه
تهريب بالمؤنث بين المنبع والمصبات التجارية
تفحّص لمثال "البغلات"، وهن النساء المهرِّبات من معبر "سبتة" المدينة المغربية المحتلة من إسبانيا الى كل الاسواق الشعبية في المغرب..
الخطاطة السردية لتغيير قيادة "حزب العدالة والتنمية" في المغرب
القصر يستعيد صدارته ونفوذ محمد السادس بلغ أوجه. هناك موجة ارتداد سياسي واجتماعي، والأولوية للتمسك بالوضع القائم في المغرب، لأنه أفضل مما يجري في الجوار..
المنظومة المعرفية المهيمنة: الحافظ يهزم الفاهم
المدارس المغربية مصبوغة جيداً ومجهزة. لكن، ينقصها شيء ما.. النظام التعليمي مبني على الحفظ والاستظهار وهو لا يتيح الانتقال من التلمذة إلى البحث، من اجترار اليقين إلى الإنتاج..