عشرون عاماً على غزو العراق: لنحصي أزمات تعليم الفتيات

علياء وإخلاص وهديل وضيّ وطفلات في المدارس، كلّ واحدة منهن خاضت وتخوض رحلة طويلة وقاسية من أجل التعلّم. اصطدمن ويصطدمن بمنظومة سلطوية، وبنية تحتية متهالكة، وأعراف اجتماعية قاسية.. ما هو واقع التعليم للفتيات والنساء في العراق بعد عشرين عاماً من الغزو؟
2023-03-23

شارك

بعد مضي عام واحد على غزو العراق، ألقى جورج دبليو بوش، رئيس الولايات المتحدة الأسبق، خطبة في البيت الأبيض احتفى فيها بنهاية حقبتي طالبان والبعث في أفغانستان والعراق. ولما كان موعد خطبته قريباً من يوم المرأة العالمي، لم يفت بوش التذكير بالنِعم التي زعم أن الاحتلال أسبغها على فتيات ونساء العراق وأفغانستان: “التحرير له أهمية خاصة بالنسبة لـ25 مليون امرأة وفتاة. بعض هؤلاء الفتيات يذهبن إلى المدرسة لأول مرة. يصعب على الناس في أميركا تخيل ذلك. يذهب الكثير من الفتيات الآن إلى المدرسة”.

أراد بوش تبرير حرب العراق مستخدماً النساء كوسيلة، إذ لم يكن جمعه دولتين مختلفتين عن بعضيهما في خطبة واحدة عن “التحرير” ينم عن عشوائية واختزال في الطرح فحسب، بل عن جهل وتجاهل لتاريخيهما بكل ظروفه وتعقيداته الخاصة والشائكة.

بيد أن التاريخ لم يبدأ بالنسبة للعراقيين في 2003، فجميع مناحي الحياة كانت قد تأثرت جراء عقد كامل من العقوبات الدولية، والحروب الثلاث التي عاشها العراقيون في حقبة نظام البعث.

تدهور التعليم

منذ ثمانينات القرن الماضي، عملت ظروف وعوامل وأطراف على تدهور النظام التعليمي وانحداره التدريجي حتى هذه اللحظة، علماً أنه كان يُعد واحداً من أفضل النظم التعليمية في المنطقة إبان السبعينات بفضل برامج التعليم ومحو الأمية. ووفقاً لتقرير صادر عن اليونيسكو عام 2003، فإنه وعلى الرغم من الحرب العراقية-الإيرانية في الثمانينات، حافظ العراق على مستوى متقدم من التعليم وعلى مستوياتٍ عالية من محو الأمية. إلا أن حرب الخليج الثانية والعقوبات الاقتصادية التي تلتها انتهاءً بالغزو الأميركي عام 2003 وعمليات سلب وتخريب مؤسسات الدولة كان لها الأثر البالغ في تردي المنظومة التعليمية. وعلى الرغم من ذلك، كانت منظمة اليونيسكو متفائلة بإمكانية تغيير واقع التعليم في البلاد نظراً لتاريخه وللقاعدة الفكرية التي يتمتع بها العراق بالإضافة للقيمة الاجتماعية العالية للتعليم آنذاك.

عام 2004، نشرت وزارة التربية العراقية بالتعاون مع اليونيسف دراسة عن واقع التعليم الابتدائي في العراق بعد الاحتلال، أظهرت أن “نظام التعليم الحالي يحرم الأطفال بصورة كبيرة من الحصول على تعليم لائق”، خصوصاً الفتيات، اللواتي كان التحاقهن أدنى من الصبيان في كل صف دراسي وفي كل محافظة.

ولم يكن العقدان اللاحقان بأفضل حال مثلما سوقت قوى التحالف الدولي، ففي الذكرى العشرين للغزو، تقدر اليونيسف أن نحو 3.2 مليون طفل عراقي في سنّ الدراسة، موجودون خارج المدرسة، فتوالي الصراعات والحروب ومن ثم أزمة النزوح الإنسانية في شمالي وغربي العراق بعد الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، ساهمت في تقويض المنظومة التعليمية.

وعلى الرغم من تضاؤل نسب التسرب من المدارس الابتدائية في الأعوام الأخيرة، إلا أن نسبة تسرب الفتيات هي الأعلى مقارنة بالأولاد، بحسب وزارة التخطيط. وتزداد تلك النسبة في مرحلة الدراسة الثانوية، كما يشير تقرير البنك الدولي.

بين العائلة والمدرسة

تحدثنا سارة من النجف أن صديقتها المقربة اضطرت إلى ترك المدرسة في الصف الخامس الابتدائي بعد أن أرغمت على الزواج ولم تعد تعرف عنها شيئاً.

في الواقع، كثير منا يعرفون واحدة على الأقل قد تعرّضت لتجربة مماثلة.

تتعرض الكثير من الفتيات إلى الاستغلال والزواج المبكر أمام لامبالاة الدولة العراقية، إذ تقدر منظمة “أنقذوا الأطفال” أن فتاة واحدة من بين 14 تنجب بين سن 15 و19 سنة.

ساهم الفشل في تطبيق قانون إلزامية التعليم، مع ارتفاع معدلات الفقر وصعود المدّ العشائري أمام هشاشة المؤسسات الحكومية وضعف القانون، في خلق بيئة مناسبة لظاهرة ترك المدرسة لغرض الزواج.

أما بالنسبة لغالبية الفتيات اللاتي تمكنَّ من دخول المدرسة وإكمال تعليمهن الابتدائي والثانوي، فإنهن يصطدمن بواقعٍ آخر ربما لا يقل مأساوية لبعضهن عن واقع من تضطر لترك الدراسة.

انتهاء مشوار تعليم زينب كان وشيكاً بسبب تأخرها في العودة إلى المنزل يومياً، فأسرتها غير مسرورة بذلك في مجتمع البصرة المحافظ، حيث يُنظر بعين الريبة إلى الإناث اللواتي يخرجن من منازلهن ويرجعن في المساء.

وبسبب التأخير، خاضت زينب مشادات عدة مع أسرتها كادت أن تنتهي بحرمانها من التعليم، لكن لحسن حظها استطاعت أن تكمل دراستها بسبب إيمان ذويها بقيمة التعليم وبسبب وضعهم المعيشي الجيد مقارنة بأسر أخرى.

لا ذنب لزينب في التأخير، فهي ضحية سلطة فاسدة نتج عن سرقاتها وإهمالها تقسيم الدوام في المدارس إلى ثلاث وجبات صباحية وظهرية ومسائية، لعدم توفر مبان مدرسية كافية لاستيعاب جميع الطلبة.

يعاني التعليم من تهالك البنية التحتية إذ بالكاد خصصت الميزانية العامة ما يقل عن 6 بالمئة لقطاع التعليم على مدى السنوات الماضية، ووفق تصريح لوزارة التربية العراقية فإن العراق لا يزال بحاجة إلى ثمانية آلاف مدرسة وإلى معالجة ملف المدارس الطينية وكذلك الكرفانية المنتشرة في مناطق ومحافظات عديدة، خصوصاً الريفية منها، مهددةً سلامة وصحة الأطفال في وقت تكتظ فيه صفوف المدارس العراقية بالتلاميذ ما أدى إلى اعتماد نظام الورديات في الكثير منها، على حساب الوقت المخصص للتعليم وجودته.

هذه الظاهرة باتت عاملاً مساعداً في تسرب بعض الفتيات من المدارس.

وإذا كانت زينب قد حصلت على فرصة إكمال تعليمها، فإن كثيرات غيرها غادرن مقاعد الدراسة مكرهات بفعل تردي الوضع المعيشي لأسرهن الذي تعضده مشاكل النظام التعليمي في العراق، أو العنف المستشري في المدارس.

مدارس عنيفة

يعاني طلبة المدارس، والفتيات خصوصاً، من كل أشكال التعنيف اللفظي والنفسي والجسدي التي باتت وباء يكتسح النظام التعليمي العراقي، في حين تكتفي وزارة التربية بإصدار بيانات الاستنكار والتوجيه من دون محاسبة.

تتعدّد أشكال العنف الذي تلقاه الفتيات في المدارس.

تُعد ممارسة فرض الحجاب القسري أو العباءة في بعض المحافظات أو حتى التدخل في شكل وطول الزي المدرسي خلافاً لتوجيهات وزارة التربية بهذا الخصوص في العديد من المدارس الحكومية وجهاً من أوجه التعنيف المدرسي، تطال حتى المعلمات أنفسهن.

تقول هديل ليلى، وهي معلمة ابتدائية في إحدى مدارس بغداد، إنها وغيرها يتعرّضن لتدخلات المديرة وبعض المعلمات.

وبين الفينة والأخرى تُدار حملات إلكترونية تسلط الضوء على تلك الممارسة وغيرها من أساليب التعنيف وتشارك الكثير من الطالبات وبعض المدرسات كذلك قصصهن تحت هاشتاكات تتحدث عن قمعهن، كهاشتاك الإرهاب التربوي ولا للتحجيب القسري.

تُعد فئة ذوي الحاجات الخاصة الأكثر تضرراً من تلك السلوكيات.

مقالات ذات صلة

تقول شكر هيام من محافظة البصرة، وهي تعاني من مرض ضمور العضلات، إنها اضطرت أن تنتقل من مدرسة الى أخرى في المرحلة الابتدائية لأنه لم يكن هناك اهتمام بحالتها ولا خطط للتعامل مع وضعها الصحي بشكل عام، بل على العكس كانت تواجه التجريح من قبل بعض المدرسات.

تستطرد علياء محمد، مهندسة كهرباء من محافظة ميسان/العمارة، في وصف واقع التعليم كما خبرته هي وزميلاتها في مدارس مدينتها وتتحدث بألم لا عن التعنيف فقط، بل عن غياب الرصانة العلمية وهشاشة نظام الجودة، وسوء المرافق التعليمية والصحية.

تتذكر دور ما يُسمى بالمبلغات الرساليات، التابعات للأحزاب أو للحوزة الدينية، وزيارتهن للمدارس لنشر الأفكار الدينية وحث الصغيرات على ارتداء الحجاب.

ولا تتوقف مظاهر التمييز والعنف عند ما يعرف بمدارس المتميزين والمتميزات، إذ يواجه الطلبة والطالبات وذووهم كذلك تحديات ومشاكل جمة.

بقية التحقيق على موقع "جمّار". 

مقالات من العالم العربي

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

أطفال عراقيون وسوريون في شوارع الناصرية.. بين التسول واستغلال الشبكات الإجرامية

2024-11-21

حالات الاتجار بالبشر تشمل أيضا استغلال الأطفال في الأعمال الشاقة مقابل أجور زهيدة، بالإضافة إلى استغلالهم لأغراض أخرى، بما في ذلك الترويج وبيع المخدرات. هذه الظاهرة لا تقتصر على الأطفال...