إعداد وتحرير: صباح جلّول
يواصل الفنان التشكيلي العراقي غسان غائب معالجته لموضوع التغير المناخي من خلال أعماله الفنية، حيث ركّزت أعماله الأحدث على علاقة الإنسان بالبيئة، مروراً بمعرضه الذي أقيم في العاصمة الأردنية عمّان، ومتابعته حتى اليوم عمله على الثيمة التي باتت طاغية على أشغاله. يستخدم غائب موادا وتأليفات شديدة التنوع، وتتراوح أعماله بين اللوحة والمنحوتة والتجهيز باستخدام خامات بيئية حقيقية، مثل جذوع الأشجار وأوراقها، بالإضافة لمخلّفات صناعية واستهلاكية.
من خلال عشرات الأعمال التي تشكّل جسماً فنياً كبيراً ذا ثيمة واحدة، يحتجّ غسان غائب على واقع الحال المناخي، على "الكارثة" والتطبيع معها أو تجاهلها أو مقاربتها بخفة "لا تُحتمل" فعلاً في هذه المرحلة الحساسة من الخراب البيئي العام. وتبدو بعض أعماله تمثلات لعنف الإنسان، صورة مرعبة مصغّرة عما يمكن أن يفعله بكوكبه الذي يعيش ويعيث فيه فساداً. مسّاحات زجاج السيارة مثلاً تمسحُ التنر الأسود بدل ماء المطر وتلطّخ اللوحة بدائرة سوداء. ثم هناك بندقية معلّقة على الحائط لا تترك مجالاً لإعادة التفكير بمعناها، إطلاق نار مباشر بآلة من صنع البشر على الحياة نفسها... وفي عمل آخر، دائرة بالأسود والأحمر مصنوعة بالكامل من عشرات الشرانق الميتة.. عشرات احتمالاتٍ لفراشاتٍ لم تولد، عشرات احتمالات لتلقيح أزهار وحيوات جديدة لم توجد، بسبب الموت الذي سبقها.. فمثلاً، وعلى طول مساحة معرضه الذي أقيم ب"غاليري أورفلي" في عمّان في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، اختار غائب أن يفرش سجّاداً من ورق الشجر والأغصان على الأرض، بحيث تكون التجربة الأمثل بأن يدلف الزائر إلى قاعات العرض حافي القدمين، فيكون على تماس مباشر بعناصر الطبيعة الخام، يتّصل بها فيما هو يشاهد عملاً تلو الآخر، اعتراضاً تلو الآخر، على ما جنته أيدي الطامعين بكوكبنا.
يقول غائب: "أحاول أن أنتقل من اهتمامي الذاتي والشخصي إلى محيطي الكوني الأوسع وإلى مشكلات تهدد الجميع". في رحلته من بلده الأم، العراق، إلى السويد حيث أقام كلاجئ، ثم إلى الولايات المتحدة الأميركية التي استقر فيها أخيراً، شهد غسان غائب انعكاسات حقيقية لتغير المناخ في البلدان الثلاث على القارات الثلاث. ففي العراق، أدّت تداعيات الحروب المتكررة إلى دمار شامل في البيئة، وصولاً إلى جفاف أنهار بلاد ما بين النهرين وتلوث بمواد خطيرة كاليورانيوم وحرائق آبار النفط. أما في السويد التي عاش فيها الفنان كلاجئ بين عامي 2007 و2008، فقد شهد فيها ظاهرة ذوبان الثلوج بشكل ملحوظ وبداية التغير الطوبوغرافي في الأرض. ثمّ في الولايات المتحدة، وتحديداً كاليفورنيا حيث يقطن الآن، إذ تزامن وجوده فيها مع سلسلة حرائق مرعبة طالت التلال والمساحات الخضراء ووصلت إلى تخوم التجمعات المدينية وطالت عدداً من البيوت. في كل من هذه الأماكن التي تقع في مواقعَ متباعدة على كوكب واحد، كانت ترجمة الكارثة وتمظهراتها مختلفة جداً، أمّا الأسباب فواحدة.
فيديو للفنان غسان غائب يشرح منطلقات أعماله
من هذا المنطلق، وبعد الشهادة على امتداد رقعة الأزمة البيئية لتطال العالم أجمع، حوّل غائب فنه إلى نوع من الناشطيّة البيئية، أي أنه يحمل بوضوح رسالة بيئية تدعو إلى تثمين الثراء الهائل الذي يمنحه الكوكب لمخلوقاته، والحفاظ على الحياة عليه واحترام مكوّناته، الحيوانات والحجر والشجر ضمناً. وقد كان ل"السفير العربي" تعاونٌ مع الفنان الذي اخترنا صوراً عن أعماله المتنوعة لتكون تعليقاً بصرياً فنياً يُضيف إلى نصوص الكتّاب بُعداً، ويُكمّل معاني الاعتراض وإعلان الخطر الداهم، وذلك في اثنين من الدفاتر التي أنتجناها في العام 2022 والتي تعالج موضوع المناخ، واقعه والخطط الموضوعة لمقاربته في بلدان منطقتنا.
اقرأ/ي أيضا:
من دفاتر السفير العربي:
- التغيّر المناخي.. لقد آن الأوان!: https://bit.ly/3IgnEUi
- هل مخططات مواجهة التغير المناخي صحيحة وكافية؟: https://bit.ly/3jZZpl7