هل غيَّرت ''الكوتا'' في واقع المرأة بالجزائر؟

تزامن الإعلان عمّا سمّي بالجزائر "الإصلاحات السياسية العميقة" سنة 2011، مع موجة ''الربيع العربي'' الذي تعاملت معه السلطة بحذر واعتبرته ظرفاً مستجداً، فبادرت إلى حزمة من الإجراءات السياسية لإحداث نوع من الاستقرار داخل السلطة نفسها من جهة، ولضبط الغضب الاجتماعي من جهة ثانية، وهو الذي زادت حدّته في ذلك الوقت مع المظاهرات ضد ارتفاع أسعار الزيت والسكر التي عرفتها بعض الولايات.
2016-05-18

محمد مرواني

باحث وكاتب صحافي من الجزائر


شارك
عنايت عطار - سوريا

تزامن الإعلان عمّا سمّي بالجزائر "الإصلاحات السياسية العميقة" سنة 2011، مع موجة ''الربيع العربي'' الذي تعاملت معه السلطة بحذر واعتبرته ظرفاً مستجداً، فبادرت إلى حزمة من الإجراءات السياسية لإحداث نوع من الاستقرار داخل السلطة نفسها من جهة، ولضبط الغضب الاجتماعي من جهة ثانية، وهو الذي زادت حدّته في ذلك الوقت مع المظاهرات ضد ارتفاع أسعار الزيت والسكر التي عرفتها بعض الولايات. وواجهت الحكومة احتجاجات الشباب بإطلاق حملة توظيف واسعة لخرّيجي الجامعات في القطاع العمومي، وزيادة الدعم إلى الجبهة الاجتماعية. مكّن من ذلك الوضعية الاقتصادية والمالية المريحة للجزائر عام 2011، حين كان سعر النفط مرتفعاً، والارتكاز على عائداته المالية لتلبية الطلب الاجتماعي ممكناً.

إنهاء خوف موروث

شرَعت الحكومة في إخراج ثلاثة مشاريع قوانين إلى النقاش العام، كلها منبثقة عن الإصلاحات السياسية التي أعلن عنها رئيس الجمهورية في خطاب للأمّة في نيسان/ إبريل 2011. وصدرت آنذاك قوانين عضوية تتعلق بالأحزاب والجمعيات والإعلام، وظهرت في الساحة السياسية كلمة جديدة لم يعتد عليها ساسة الأحزاب ولم تكن متداولة في ميدان العمل السياسي بالجزائر، لا قبل ولا بعد التعدّدية السياسية التي رسمها دستور 1989.
يتعلّق الأمر بـ"كوتا المرأة في الأحزاب السياسية". والأمر صار رسمياً بعد أن كان طرحاً تختلف عليه أحزاب ونخب سياسية بالبلاد، بإقرار نسبة تمثيل للمرأة في المجالس المنتخبة ثم بإلزام الأحزاب بتخصيص 30 بالمئة من قوائم الترشيحات للانتخابات التشريعية والمحلية للمرأة.
خرجت النساء المنتخبات والمنخرطات بكثافة في العمل السياسي من مرحلة العزلة التي فرضتها مشاعر الخوف والتوجّس التي كانت تنتاب النساء الجزائريات، على الرغم مما تمتلكه شريحة واسعة منهن من رصيد معرفي ومؤهلات مهنية. وهو خوف كانت قد تركته العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر.

كيف يرى رجال السياسة الكوتا النسائية؟

ليس الحظ وحده هو الذي أتاح لنساء يبدو أنهن لا تملكن المؤهلات الضرورية، تبوّء مواقع هامة في الهيئات المنتخبة بعد الاستحقاقات السياسية لسنة 2012.. بل تروي العديد من الشهادات التي يتداولها ساسة، وأحياناً من باب الطرافة رغم جدية الموضوع وأهمّيته السياسية، أن أحزاباً سياسية لم تجد نساءً للترشيح في بعض الولايات، لصعوبة ذلك في بعض المناطق التي لا تقبل فيها الأسر ولا السكان تواجد النساء مع الرجال في مكان واحد، حيث بقي الطابع المحافظ سائداً في هذه الجهات البعيدة جغرافيا وفي نمط معيشتها عن العاصمة الجزائر وعن الولايات الكبرى.
ما جعل الأحزاب تستعين بالكمّ على الكيف في قوائم التّرشيح الخاصّة بالنساء. وهو ما اعتُبر خطأ انتاب تجربة زيادة تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة التي تجسدت بنتائج انتخابات 2012 التشريعية والمحلية. فقد أفرزت هذه الانتخابات ارتفاع عدد النساء المنتخبات بالبرلمان الجزائري ليصلن إلى 145 من أصل 462 مقعداً، وتصدّرت الجزائر بعد ذلك تصنيف الدول العربية في تمثيل النساء في المجالس المنتخبة بل ونالت المرتبة 25 في التصنيف العالمي، وفق ما أوردته تقارير صحافية جزائرية.. اكتفت بتخصيص "بورتريهات" عن النساء اللواتي تشغلن مناصب رؤساء بلديات ونائبات بالبرلمان وقياديات في هياكل أحزاب.
لكن ما الذي حققته الكوتا فعلياً من مكاسب للمرأة الجزائرية على كافة المستويات السياسية والاجتماعية؟ لم يكن هذا الطرح حاضراً بالشّكل المطلوب في النقاش السياسي والإعلامي، وبقيت كوتا المرأة في الأحزاب مجرّد ورقة توظّفها هذه الأخيرة لجذب التصويت النسائي في الانتخابات.
وبخصوص هذا الموضوع بالتحديد، قال المنسق العام لـ"حزب الشباب"، وهو حزب سياسي مرخص ''إن الكثير من الأحزاب لا تفهم ولا تستوعب معنى هذه الكوتا المفروضة عليها لترشيح النساء في الانتخابات" وأضاف "لمَ لا يُمنح هذا الأمر للأحزاب السياسية نفسها لتقدر وتحدد وفق رؤيتها واحتياجاتها عدد النساء اللواتي يمكن أن يترشّحن في قوائمها للمشاركة في مختلف الاستحقاقات السياسية''.
تبدو نخبوية مواضيع مثل مساواة المرأة بالرجل، وحقها في إدارة مؤسسات البلاد بجانبه، وتساوي فرصهما في ذلك، والتي تُثار حالياً في الإعلام الجزائري وفي الندوات العلمية بالجامعات. أمّا النقاش الدائر وهو غير ظاهر علناً، فباطنه حالة انزعاج وامتعاض لدى العديد من الفعاليات السياسية والجمعوية بالبلاد، التي تتحفظ  تجاه ما تراه تغييراً في موازين التركيبة الاجتماعية، وإضراراً بكيان الأسرة الجزائرية والمجتمع بشكل عام، جراء الارتجال السياسي المراد منه، فيما يبدو، أن تكون المرأة الجزائرية رسالة للخارج عما تحظى به من فرص سياسية ومكاسب اجتماعية. ويحدث هذا في الوقت الذي لم تتغير فيه أوضاع النساء البائسة جراء المشاكل الاجتماعية والمادية بالدرجة الأولى.
الوزارات المعنية والهيئات الرسمية داخل الحكومة لا تملك بنك معطيات عن النساء اللواتي يعشن أوضاعاً اجتماعية صعبة، كالنساء المعنفات مثلاً. وقد أقرت وزيرة التضامن أن دائرتها الوزارية لا تملك إحصاءات دقيقة بخصوص هذه الشريحة، ما عدا المعطيات الموجودة لدى الأمن الوطني! فكيف الحال بالنساء المنتخبات اللواتي يعبّرن عن "كوتا المرأة"، وقد يكنّ لا يعلمن عن الأمر شيئاً. من جانب آخر تدفع العديد من الفعاليات السياسية والجمعوية إلى إعادة النظر في قانون الأسرة...

 

مقالات من الجزائر

للكاتب نفسه