"أمي زارتني في السجن ما يقارب 700 زيارة، كانت تقاتل لتصل إليّ، ولم تكلّ رغم ما نثره المحتل من أشواكٍ في دربها".
في شهر أيّار/مايو الفائت (2022)، توفيت والدة الأسير صاحب الحكم الأطول في سجون الاحتلال الإسرائيلي، كريم يونس. 40 عاماً إلا أشهر قليلة انتظرته بالصبر والاحتساب، ثم قبل انتهاء محكوميته بسبعة أشهر وافتها المنيّة. خطفه الأسر ابن 23 عاماً وخرج يوم الخميس في 5 كانون الثاني/يناير 2023 ابن 63 عاماً! هذا الكمّ من الشرّ صنيعة الاحتلال...
كانت قوات الاحتلال قد اعتقلت يونس – بتهمة الانتماء لحركة فتح وحيازة سلاح غير شرعي وقتل جندي إسرائيلي - في 6 كانون الثاني/يناير 1983، وحُكم عليه بالإعدام أولاً ثم بالسّجن المؤبد، ثمّ حُددت مدة المؤبد بأربعين عاماً. واعتقل معه ابن عمه ماهر يونس الذي يخرج من الأسر أيضاً بعد 40 عاماً من الاعتقال.
وبمناسبة حريته، دعت "هيئة شؤون الأسرى والمحررين" إلى استقباله استقبالاً واسعاً على الأرض كما عبْر وسائل التواصل الاجتماعي. ويُذكَر أن نادي الأسير الفلسطيني كان أطلق، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، حملة 40 ألف رسالة وفاء من طلبة فلسطين إلى عميد الأسرى كريم يونس خلال شهر كانون الثاني/ ديسمبر الفائت، حيث كتب ورسم الطلاب رسائلهم إليه.
وبدوره، من سجنه في "هداريم"وقبل أيام من اطلاق سراحه، كتب كريم يونس، الذي صار عميداً للأسرى ورمزاً لهم، رسالة مهمة ومؤثرة وتبعث على التفكير، لأنها قد تجيبنا عن سؤال لا بدّ يمر في خاطرنا، عما يحدث لإنسان يؤمن بقضية، أفنى سنين شبابه في الأسر، دخل السجن شاباً طالب هندسة ميكانيكية، وخرج كهلاً. ماذا يبقى؟ ماذا يقول وماذا يتمنى وإلامَ يتطلّع؟ وكيف نفهم هذا الانتماء وتلك التضحية الكبرى..
هنا مقتطفات من تلك الرسالة التي كتبها لزملاء الأسر وللفلسطينيين ولنا:
"سأتركُ زنزانتي، بعد أيام قليلة، والرهبة تجتاحني باقتراب عالم لا يشبه عالمي، وها أنا أقترب من لحظةٍ لا بد لي فيها وأن أمرّ على قديم جروحي، وقديم ذكرياتي، لحظة أستطيع فيها أن أبتسم في وجه صورتي القديمة، دون أن أشعر بالندم، أو بالخذلان، ودون أن اضطر لأن أبرهنَ البديهيّ الذي عشتهُ، وعايشته على مدار أربعين عاما، علني أستطيع أن أتأقلمَ مع مرآتي الجديدة، وأنا عائد لأنشد مع أبناء شعبي في كل مكان نشيد بلادي نشيد الفدائي.. نشيد العودة والتّحرير.
ها أنا أُوشك أن أغادر زنزانتي المُظلمة، التي تعلمتُ فيها أن لا أخشى الظلام، وفيها تعلمتُ أن لا أشعرَ بالغربة أو بالوحدة، لأنني بين إخوتي، أخوةُ القيد والمعاناة، أخوة جمعنا قسمٌ واحد، وعهدٌ واحد. أُغادر زنزانتي، ولطالما تمنيتُ أن أغادرها منتزعاً حريتي برفقةِ أخوة الدّرب، ورفاق النّضال (...) وكلّما اقتربت ساعة خروجي أشعر بالخيبةِ وبالعجزِ، خصوصاَ حين أنظر في عيون أحدهم، وبعضهم قد تجاوز الثلاثة عقود (في الأسر)"..
(...) سأترك زنزانتي، والأفكار فجأة تتزاحم، وتتراقص على عتبة ذهني وتشوشُ عقلي فأتساءل محتاراً على غير عادتي إلى متى يستطيع الأسير أن يحمل جثته على ظهره، ويتابع حياته والموت يمشي معه، وكيف لهذه المعاناة، والموت البطيء أن يبقى قدرهُ إلى أمدٍ لا ينتهي، في ظل مستقبلٍ مجهول، وأفق مسدود، وأمل مفقود وقلقٌ يزداد مما نشاهد ونرى من تخاذلٍ، وعدم اكتراث أمام استكلاب عصاباتٍ تملك دولة، توحشت، واستقوت بخذلان العالم، على شعب أعزل، حياته تُنهش كل يوم.
خالدة جرّار: حريّة حزينة...
29-09-2021
لقد نزعوا الطفولة عن أحمد مناصرة!
14-04-2022
(...) سأترك زنزانتي، رافعا قبعتي لجيل لا شكّ أنه لا يشبه جيلي، جيل من الشّباب الناشط والناشطات الذين يتصدرون المشهد في السّنوات الأخيرة، جيل من الواضح أنهم أقوى وأجرأ وأشجع، والأجدر لاستلام الراية، كيف لا وهم المطّلِعون على الحكاية، والحافظون لكل الرواية، والحريصون على تنفيذ الوصايا، وصايا شعبنا المشتت المشرد، بانتزاع حقه بالعودة، وتقرير المصير، فطوبى لهذا الجيل الصاعد، برغم أجواء التهافت".
خرج كريم يونس من الأسر حراً صباح الخميس 5 كانون الثاني/ يناير 2023، وكانت قوات الاحتلال نقلته ليلاً إلى منطقة رعنانا بعيداً من بيت عائلته وبدون الإعلان عن ذلك عمداً لتخريب استقباله الشعبي، لكن أهله لاقوه واستقبلوه بالزغاريد. "كان لدي استعداد أن أُقدم 40 عاماً أخرى من عمري فداء لشعبي"، هذا ما قاله...