في البلد زعماء بلغوا سن 65 عاماً على رأس النقابات ويعترضون على تمديد الحكومة سن التقاعد للموظفين حتى سن 62. في مدينة مغربية هناك جمعية لمربي الخيول، كل مسيري الجمعية ليس لديهم خيول. ومربو الخيول ليسوا أعضاء مكتب تسيير الجمعية. في ثانوية، رئيس جمعية أولياء التلاميذ ليس لديه ولد يدرس بالمؤسسة لكنه جلب توكيلا ـ لينوب عن والد تلميذ ما ـ ليكون بإمكانه الاستيلاء على المنصب والتفاوض باسم المؤسسة..
هذا قديم. وما الجديد؟
بدأت الجمعيات تنشط بكثافة لتحقيق أهدافها في التنمية الإنسانية ومحاربة التهميش وووووو.. ممنوع اتهام هذه الجمعيات الخيرية بأنها تقوم بحملات انتخابية سابقة لأوانها.. الهدف هو إظهار العضلات الاقتصادية وشبكات النفوذ وقياس ردود الأفعال التي سيتقرر بناء عليها من سيترشح ومن سيتراجع.. قبل الاصطفاف تجري تسخينات وتصفية حسابات تمهيدا للانتخابات التشريعية أكتوبر 2016. بدأ الصراع بين الوكلاء الصغار للتسديد على الفريسة السمينة.
تلك محكيات صغيرة عن المشهد المغربي. ثم ظهر محكي كوني:
ظهرت أوراق بنما عن الملاذات الضريبية الذيذة ونشرت جريدة مغربية الخبر مع صور للاعبين الشهيرين على فرض أن الجمهور يتابع الرياضيين لا السياسيين. وشرحت الجريدة ـ التي تمتلئ صفحاتها بالإعلانات المدرّة للدخل ـ ببلاغة وشجاعة أن ليونيل ميسي يتهرب من الضريبة ويخرق القانون ويخفي أنشطته المالية لتحقيق المزيد من الأرباح إلخ... وأشارت إلى أن أميركا هي سبب تسريب الوثائق خدمة لمصالحها لتشويه سمعة فلاديمير بوتين. بينما تحدثت أوراق بنما عن سكرتير الملك محمد السادس وشرائه ليخت فاخر..
في أول رد فعل له على التسريبات، قال وزير العدل المغربي أن "لا علم لي بالموضوع"، وأضاف لموقع "لكم2" أن معرفته قليلة بالتشريعات المتعلقة بقواعد تنظيم الضرائب والتهرب عن تأديتها.
نشر الموقع التصريحات.
بعدها بوقت قليل اتصل مستشار الوزير بالموقع ليصحح له أن الوزير كان يعبر عن وجهة نظر شخصية وليس بصفته الرسمية. وحسب مستشار الوزير، فإن الوزير قدم في تصريحه معطيات عامة في إطار شخصي، وليس بصفته الرسمية كوزير للعدل والحريات.
من جهتهم تناول المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي صورة يخت ملكي تم شراؤه بواسطة شركة أوراق بنما. وفسّروا فقر المغرب بترحيل الثروة إليها. حينها تكلم شيخ جماعة العدل والإحسان منتقدا المُلْك الجبري القائم في المغرب وطالب بإقامة خلافة إسلامية فورا. حينها نسي الناس بنما وفضلوا "المُلك الجبري" على خلافة متخيلة.
من جهته صرح رجل أعمال مغربي للصحافة "لم أكن أعرف أن لدينا شركتان في بنما أو أنني نائب رئيسهما". وجد حاسوبي صعوبة في تسجيل هذه الكذبة بينما تعطل برنامج حاسوبي حين سجلت فيه قول الشيخ المفتي عبد الله نهاري ـ الذي سبق له أن شجع على طرد بائعات الهوى لتنقية المدن المغربية ـ "إن الأموال المهرّبة إلى بنما مدخرة لمواجهة أزمات المغرب".
يعيش المغرب أعلى مراحل الديماغوجية في الخطاب السياسي. مع كمية الديماغوجيا يبدو أن العبث هو الشكل الأنسب لتوصيف ما يجري. بدل مفهوم الديماغوجيا الإغريقي، يستخدم المغاربة التعبير الشعبي "الطنز العكري" والمقصود به التظاهر بالبلاهة لتحقيق المصالح الشخصية. يحقق الشخص هدفه ويعتقد أن الآخرين لن ينتبهوا لحيَله. أشهر مثال في الحكاية الشعبية هو عن شخص لا يحلو له المسابقات إلا على حمير الجيران. يسمي المغاربة ذلك "الطنز العكري". الطنز أي استغلال الآخرين، وله لون "عكري" فاقع كناية عن كونه واضح جدا لكن صاحبه واثق أن الناس أغبياء. وبما أن الناس ينتبهون ومع ذلك يستمر "الطنّاز" في ابتزازهم، فسموا ذلك عكري كناية عن عدم الخجل، لأن من يمارس "الطنز العكري" يعتبر أن ما ينطبق على غيره لا ينطبق عليه. الكائن الوحيد الذي تحمر وجنتاه هو الإنسان. وهذه فضيلة تتراجع.
إليكم الآن الديماغوجية الاقتصادية، وهي نشر أرقام توقعات مضللة. توقع والي بنك المغرب أن تكون نسبة النمو واحد في المئة في 2016 وهذا أغضب رئيس الوزراء. من جهته توقع البنك الدولي 2.3 في المئة. وكان البنك توقع أن تكون النسبة 3 في المئة في 2015.
الخبر الصحيح هو أن نسبة النمو هي 4.7 في المئة في 2015: التوقعات ليست أخبارا.
في توجه "الطنز العكري" نفسه، أعلن الاقتصاديون أن خدمة الدين المغربي بلغت أعلى مستوياتها في عهد حكومة الإسلاميين. يُفهم من ذلك أن ما استدانته حكومة الإسلاميين في أربع سنوات أكثر مما استدانته الحكومات السابقة طيلة أربعين سنة. تضليل. لن تسقط حكومة الإسلاميين بنشر الأكاذيب. للناس بوصلة دقيقة ولهم كراهية شديدة لمن يحتال لتضليلهم.
الهدف من نشر التوقعات أكثر من الأخبار هو تأكيد فشل الحكومة والتحذير منها، لأن الانتخابات قريبة. وطبعا فالديماغوجيا في السياسة هي الأروع لأنها تكشف البنية الفوقية للنخبة. وبما أن وزارة الداخلية تتولى مطبخ الانتخابات، فاللاعبون يلتفون حول القدر لإضافة التوابل، كل على قدر نيته.
في 2016 يتحدث الرفاق عن التعذيب والقمع والحذر العملي في المغرب بمعجم 1970. وعلى النقيض من ذلك صرح بنكيران أنه قال للملك "حتى لو أدخلتني السجن فأنا معك". وهو بذلك يقطع الطريق على من يزايدون عليه في الولاء للملك.
فسِّر ما يلي: جرى تعديل مشروع هيئة المناصفة ومكافحة أشكال التمييز ضد النساء. حزبان في الحكومة لا علم لهما ويتهمان الأمانة العامة للحكومة.
لا تُفسِّر ما يلي: انضم زعيم الحزب الشيوعي المغربي لحكومة الإسلاميين. خرجت رفيقة الزعيم في الحزب تنتقده واعتبرت الاجتماع بين حزب العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية صدمة. أين الديماغوجيا؟
الحديث كأن الاجتماع والتحالف بدأ هذا الصباح، بينما الحزب حصل على أربعة مناصب وزارية في 2011 رغم ضعف نتائجه في الانتخابات.
الرفيقة تتجاهل مشكلة زعيمها. لقد تشاجرت زوجته مع زوجة وزير الخارجية، وفقد منصب سفير في إيطاليا في تموز/يوليو 2009. والآن صار وزير الخارجية مستشارا للملك. ويعرف الرفيق الزعيم أن ورقته الرابحة توجد في جبة الإسلاميين ولولاهم لما صار وزيرا.
"الطنز العكري" هو ممارسة السياسة بلا ذاكرة، أي التصرف كأن كل شيء بدأ هذا الصباح. وهذه حيلة لطمر عبء الماضي. أي الممارسات السابقة. فبنسيانها لن يعرف المواطن البسيط ما قاله وما فعله السياسي منذ عامين فيقارنه بما يقوله ويفعله الآن. النسيان أو التناسي يريح من المقارنات الصادمة.
ونختم بسقف "الطنز العكري" وهو العتبة الانتخابية.
كانت الأحزاب تطالب برفع العتبة إلى سبعة في المئة عام 2000 (الحد الأدنى من الأصوات لدخول البرلمان)"لتقوية المؤسسات السياسية وتشجيع التقاطب البرنامجي"، وجرى التوافق أن تكون العتبة ست في المئة. النتيجة أن ثلثي الأحزاب المغربية (عددها 36) غير ممثلة في البرلمان حاليا لأنها لم تحقق ستة في المئة من أصوات الناخبين، وهي مستمرة في ادعاء تمثيل كل الشعب. وفي 2016 تطالب الأحزاب بتخفيض العتبة إلى ثلاث في المئة "بهدف عقلنة المشهد السياسي".
أين تتجلى الديماغوجية؟
في إخفاء الحجج الحقيقية للمطالب. لقد تطبع سلوك النخبة مع الديماغوجيا. لذا لا ينتبه الفرحون بتخفيض عتبة الانتخابات للنتائج. سيشتتون المشهد السياسي الحزبي ويصير البرلمان القادم عاجزا عن اتخاذ القرارات.
هل يوجد تناقض في خطاب رفع وتخفيض العتبة؟
لا أحد ينتبه بأنه يستغبي الناس لأن الذين "طلعت ريحتهم" عندنا يتحدثون بطلاقة كأنهم بلا حاسة شم وهم متأكدون أن الشعب بلا أنف.