لو أحسنّا الظن، فسنعتبر قضية جزيرتَي تيران والصنافير جزءًا من حسبة عامة تحكمها فلوس كثيرة: ودائع ومشاريع كهرباء وتطوير بنى ومؤسسات، واستثمارات وجسور، ونفط وغاز، وحتى هبات لوجه الله.. لو أحسنا الظن، واعتبرنا في النظر إلى الموضوع بؤس أحوال مصر وانتشار الجوع والفاقة في شعبها، وسابق الفضل والسخاء السعودي، خلال السنوات الثلاث الماضية على الأقل، والإغراء العظيم المتمثل بـ16 مليار دولار توظيفات ستقْدم عليها السعودية في أم الدنيا، و700 ألف طن بترول بالشهر تورده لها، بما قيمته 23 مليار دولار في خمس سنوات (مقبلة)، تُرد أثمانها بفائدة زهيدة (2 في المئة) وتقسيط مريح (على 15 سنة).
لو، فيمكن أن "نتفهم". ولو غضضنا الطرْف عن السجال حول الوثائق والتاريخ، المستعر منذ الإعلان عن "رد" الجزيرتين "لصاحبهما"، والأيَمان المغْلظة للحكومة المصرية وأتباعها حول صحة المُلكية السعودية وعيب نكران الأمانة.. لو ابتلعنا كل ذلك، تبقى مسائل لا يمكن تمريرها.. أولها صوت جمال عبد الناصر المجلجل حول مصرية تيران (التي تبعد 6 كلم عن ساحل سيناء الشرقي)، حين أعلن إغلاق مضيقها والسيطرة على خليج العقبة في 1967، فأصبح الحدث يؤرِّخ رسميا لبدء حرب 5 حزيران. كان ذلك بوجه إسرائيل، التي ما لبثت أن احتلت الجزيرتين ولم تغادرهما إلّا في 1982، إثر اتفاقية كامب دافيد. وهي كانت فعلت الشيء نفسه في العدوان الثلاثي 1956. وتشير كل الصحف الإسرائيلية منذ أيام إلى موافقة إسرائيل على الاتفاق المصري السعودي، واطمئنانها له، والأنكى، علمها المسبق به (مستشهدة بتأكيدات واردة في صحيفة الأهرام المصرية، وبتصريحات وزير الخارجية السعودي).. وهو العلْم الذي لم يتسنَّ للشعب المصري الفوز به، وقد اُسقط من كل حساب.
.. وثانيها ذلك الجسر المخطَّط له أن يمتد لـ 32 كيلومترا فوق البحر الأحمر على علو شاهق، والذي ينوي الارتكاز في أساساته البحرية على الجزيرتين. وهو سيكلف مئات ملايين الدولارات، وسيدمر البيئة والشعاب المرجانية النادرة. وبغض النظر عن رطانة خطب العظَمة حول إعادة وصل آسيا بأفريقيا الخ.. فيُظن، بلا حسن ظن، أنه نظرا لضعف التبادلات التجارية والبشرية بين البلدين، فوظيفته الفعلية هي النقل السريع للقوات العسكرية المصرية إلى السعودية عند الحاجة، كما انتقلت القوات السعودية إلى البحرين في 2011 عبر "جسر الملك فهد". ألمجرد الاطمئنان النفسي أم هي حروب تليها حروب يُخطط لها؟
.. ولو تتخذ هذه القرارات السيادية والاقتصادية والجيوستراتيجية في غفلة من الناس.. فماذا يتبقى لهم؟