ثمة مفارقة ما بين الدول الأكثر هشاشة وعرضة للتغيّرات المناخية، وبين الدول صاحبة النسبة الأعلى لانبعاثات الغازات المتسببة في الاحترار العالمي. فالأولى - الأكثر هشاشةً - في مجملها تمثّل الدول الفقيرة النامية، التي تتعثر في محاولات احتواء تلك الآثار. في المقابل نجد أنّ الدول المتسببة في النسبة الأعلى للانبعاثات هي الدول الغنية، وهي أيضاً بالمناسبة الدول التي تستطيع تحمل تكلفة التحول لاستخدام الطاقة النظيفة، وإصلاح بعض ما أفسدته التغيّرات المناخية التي يمكن عكسها. الولايات المتحدة الأمريكية -على سبيل المثال- مسؤولة عن ربع انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون العالمي، الذي ينخر في رئة الأرض منذ اندلاع الثورة الصناعية وحتى يومنا هذا. وقد بات جلياً أنّ الأزمة الحادة قد تأسست على نمط الإنتاج الذي ساد مع "الثورة الصناعية" منذ منتصف القرن الثامن عشر وتعاظمت مذاك.
وبين الاتفاقيات واللقاءات والقمم لمواجهة آثار التغيرات المناخية، تبدو الجهود غير كافية لخفض ارتفاع درجات الحرارة إلى أقل من درجتين، بهدف الوصول إلى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2030. يأتي ذلك في ظل عدم استكمال الدول الأكثر تأثيراً على التغيرات المناخية تعهداتها بدعم الدول الهشة، والالتزام بالخفض التدريجي للانبعاثات للوصول إلى "صفر كربون" بحلول عام 2050، وذلك وفقاً لتقارير تقييم الانبعاثات الصادرة عن "برنامج الأمم المتحدة للبيئة"، والذي حمل أحدثها عنوان: "النوافذ المغلقة".
وتأتي قمة المناخ لهذا العام ("كوب 27") التي ستعقد بمدينة شرم الشيخ المصرية ما بين السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر والثامن عشر منه بمثابة جولة جديدة لسلسلة طويلة من المفاوضات المناخية بين أعضاء الاتفاقية الإطارية للمناخ التابعة للأمم المتحدة، التي وقعت عام 1992، وعقدت مؤتمرها الأول عام 1995، قبل أن تتوج القمة الحادية والعشرين عام 2015 بـ "اتفاقية باريس للمناخ". انضمت إلى تلك الأخيرة ، 193 دولة، كواحدة من المخرجات الأكثر وضوحاً من حيث الرؤية والخطوات القابلة للتنفيذ وفقاً لإطار زمني يمتد لعقود، باتساق مع نتائج أحدث الأبحاث والدراسات العلمية في مجال التغير المناخي.
تشير المؤشرات إلى أنّ مهمة قمة شرم الشيخ- "كوب 27" - لن تكون سهلة، وسيلعب توازن القوى بين الدول الأطراف والتكتلات العامل الأكبر في نجاح المفاوضات والخروج بنتائج تلقى قبولاً توافقياً.
لم تفِ بعد الدول صاحبة الانبعاثات الأعلى بالتزاماتها تجاه الدول الهشة بتخصيص مبلغ 100 مليون دولار لتعويضها عن الإجراءات التي ينبغي عليها تطبيقها. وهي النقطة التي من المقرر وضعها على رأس أجندة القمة الحالية، إضافة إلى مشكلات التكيف، ومتابعة وضع ضوابط أسواق الكربون، وخفض غاز الميثان، والحفاظ على الغابات.
بعض التعهدات الخاصة بالقمة الماضية - "كوب 26" - سيصعب تقييمها خلال القمة الحالية، إذ تعثرت المحادثات الخاصة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص خفض انبعاثات الكربون. ستلقي الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها على القمة أيضاً، بسبب أزمة نقص الإمدادات الروسية من الطاقة، والخوف من زيادة استخدام الفحم، الذي نصت بنود اتفاقية "غلاسكو" الصادرة عن قمة المناخ الماضية على ضرورة "تخفيضها التدريجي"، وهي الصياغة المعدّلة لعبارة "التخلص التدريجي"، التي تقف وراء تغييرها دولة الهند، واحدة من أعلى الدول من حيث الانبعاثات، وثاني أكبر دولة استخدماً للفحم.
الاحترار العالمي
في عام 2020، إبان الإغلاق العالمي بسبب وباء كوفيد، لم تنعقد قمة المناخ السنوية، ومع ذلك كشف تقريرٌ صادرٌ عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة عن انخفاض غير مسبوق في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم بنسبة 5.4 في المئة، نتيجة أشهرٍ من غلق المنشآت الصناعية لأبوابها أو تخفيض ساعات العمل خلال الموجات الأولى من الجائحة.
يظهر جلياً أن الحل الحقيقي لأزمة التغيرات المناخية هو التحرك الفعلي على أرض الواقع، وتنفيذ توصيات الدراسات العلمية بالتخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري كسبيل لتقليل غازات الاحترار العالمي وخفض ارتفاع درجات الحرارة بحدود لا تتجاوز 1.5 درجة، وذلك وفقاً لاتفاقية باريس الموقعة عام 2015.
ستُعقد قمة المناخ لهذا العام ("كوب 27") بمدينة شرم الشيخ المصرية ما بين 6 و18 تشرين الثاني/ نوفمبر، وهي جولة جديدة لسلسلة طويلة من المفاوضات المناخية بين أعضاء الاتفاقية الإطارية للمناخ التابعة للأمم المتحدة، التي وقعت عام 1992، وعقدت مؤتمرها الأول عام 1995، قبل أن تتوج القمة الحادية والعشرين عام 2015 بـ "اتفاقية باريس للمناخ"، وتنضم إليها 193 دولة.
تحذر الدراسات من أن عدم التحكم في الاحترار العالمي سيؤثر على جميع أوجه الحياة بشكلٍ ربما يصعب عكسها مرة أخرى، إذ ستزيد الظواهر المناخية المتطرفة من فيضانات وأعاصير وجفاف، وسيتأثر التنوع الأحيائي البحري والنظم الإيكولوجية، وسينخفض توفر الغذاء، فيما سيرتفع منسوب البحار والمحيطات، مما يمثل تهديداً للمناطق الساحلية المنخفضة والجزر
لكن لماذا 1.5 درجة مئوية تحديداً؟ تشير الدراسات في مجال المناخ إلى أن الأنشطة البشرية تتسبب في ارتفاع الاحترار العالمي بمقدار 1.1 درجة مئوية تقريباً منذ عصر الثورة الصناعية، وأن احتواء ذلك الارتفاع للحيلولة دون وصوله إلى 2 درجة مئوية، من شأنه الحد من آثار تغير المناخ التي باتت مظاهره تزداد عاماً بعد آخر.
تحذر الدراسات من أن عدم التحكم في الاحترار العالمي سيؤدي إلى التأثير على جميع أوجه الحياة بكيفية ربما يصعب عكسها مرة أخرى، ستزيد الظواهر المناخية المتطرفة من فيضانات وأعاصير وجفاف، وسيتأثر التنوع الأحيائي البحري والنظم الإيكولوجية، وتوافر الغذاء، فيما سيرتفع منسوب البحار والمحيطات، مما يمثل تهديداً للمناطق الساحلية المنخفضة والجزر.
ووفقاً لتقريرٍ صادرٍ عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPPC) عام 2019، والموجه لصانعي السياسات، فإن الوصول إلى المستوى الصفري من صافي الانبعاثات لثاني أكسيد الكربون، وغيره من غازات الاحترار العالمي، من شأنه وضع حد لآثار ارتفاع تغير المناخ ونجاة الأرض، لكنه ليس بالأمر السهل أبداً، نظراً لما يمثله الوقود الأحفوري - المسؤول الأول عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون - كمصدر رئيسي للطاقة والدخل والنفوذ السياسي لعدد من دول العالم.
لهذا ربما لم يكن رئيس وزراء انجلترا السابق "بوريس جونسن" مبالغاً حين قال بطريقته الصادمة المعهودة في كلمته في "غلاسكو" بضرورة تحول القمة إلى بداية لنزع فتيل قنبلة نهاية العالم. وقد وصفت قمة المناخ السابقة بكونها مخيبة للآمال. فعلى الرغم مما شمله "ميثاق غلاسكو" الصادر عنها من بنود مكمّلة لـ "ميثاق باريس" قالت بتسريع وتيرة مكافحة الاحتباس الحراري عبر تقديم خطط وطنية جديدة بحلول العام الحالي، لكن لم يتم تنفيذ خطوات تعويض الدول الفقيرة المتضررة، خاصة مع الفشل في جمع مبلغ 100 مليار دولار من الدول الغنية، وهو مبلغ بالمناسبة ضئيل جداً بالمقارنة مع الآثار المدمرة للتغيرات المناخية والظواهر المناخية المتطرفة، كالفيضانات التي اجتاحت باكستان العام الحالي، وأدت إلى تدمير مليوني منزل وإصابة الآلاف، مخلّفة خسائر قدرها البنك الدولي بـ 40 مليار دولار.
الوصول إلى المستوى الصفري من صافي الانبعاثات لثاني أكسيد الكربون وغيره من غازات الاحترار العالمي، من شأنه وضع حد لآثار ارتفاع تغير المناخ وبالتالي نجاة الأرض. لكنه ليس بالأمر السهل أبداً، نظراً لما يمثله الوقود الأحفوري - المسؤول الأول عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون - كمصدر رئيسي للطاقة والدخل والنفوذ السياسي لعدد من دول العالم.
وسيقع على قمة شرم الشيخ عبء تذكير الدول الغنية بتعهداتها المادية تلك، إضافة إلى تقييم وعود من القمة الماضية تعهدت بها 450 شركة عالمية، لتخصيص مبلغ 130 مليار دولار كاستثمارات تتوافق مع نصوص اتفاقية باريس.
قمة شرم الشيخ أيضاً ستكون مناسبة لتقييم مبادرة "إعلان الانتقال من الفحم إلى الطاقة النظيفة" التي قادتها الحكومة البريطانية بـ "غلاسكو" وأيدتها 40 دولة، ليس من بينها الهند والصين والولايات المتحدة الأمريكية، وهي دول تصنّف ضمن الخمس الأعلى من حيث الانبعاثات، ودائماً ما تضغط لتخفف من وطأة الالتزامات المناخية على مصالحها الاقتصادية.
العودة للفحم
الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت نهاية شهر شباط/ فبراير من العام الحالي ستلقي بظلالها أيضاً على قمة المناخ لهذا العام، ليس بوصف روسيا من ضمن الدول الخمس المسؤولة عن النسب الأعلى من انبعاثات الاحترار العالمي - فروسيا وحدها تنتج نحو 5 في المئة من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم - ولكن بسبب أزمة تقليص إمدادات الغاز الطبيعي في ظروف هذه الحرب والمواقف السياسية، حيث تتحكم روسيا وحدها بنسبة 25 في المئة من إجمالي صادرات الغاز الطبيعي في العالم، الأمر الذي انعكس بدوره على دول الاتحاد الأوروبي وآسيا، وجعلهم يراجعون سياستهم في تقليص استخدام وإنتاج الغاز الطبيعي، مخالفين بذلك اتفاقية باريس كما يوثّق تقرير صدر العام الحالي عن "كلايمت تراكر" في تقييم خطوات تنفيذ اتفاقية غلاسكو.
الأخطر هو التراجع عن خطط التخلي عن استخدام الفحم كلياً بحلول عام 2030، وهو ما تناقشه بالفعل عشر دول من أعضاء الاتحاد الأوروبي، من بينها إنجلترا وإيطاليا وألمانيا، بينما أبدت أمريكا ترددها مرة أخرى في الإعلان عن موعد نهائي للتخلص من استخدام الفحم، خوفاً من تأثيرات أزمة الطاقة الحالية على اقتصادها على المدى البعيد.
تقرير "كلايمت تراكر" طالب أيضاً بعدم تخفيض الضرائب على منتجات البترول، ووقف تراخيص التنقيب الحديثة اتساقاً مع توصيات قمة غلاسكو، والاعتماد على مصادر للطاقة منخفضة الكربون، كما تنوى إنجلترا إنتاج نصف طاقتها المستخدمة من الطاقة النووية.
حذر التقرير أيضاً من الترويج للهيدروجين "الأزرق" - ينتج من الغاز الطبيعي باستخدام تقنية إصلاح الميثان بالبخار - بصفته بديلاً لتقليل الطلب على الغاز الطبيعي، فهو ملوِّث ويضر بالبيئة، ويفضّل استخدام الهيدروجين الأخضر - ينتج عن طريق تيار كهربائي لفصل النيتروجين عن الأكسجين في الماء - بدلاً منه.
الدروس الجيوسياسية للأزمة الأوكرانية
01-03-2022
أوبك وعودة مختلفة لأجواء السبعينات
22-10-2022
والسر وراء الجدل حول الترويج للهيدروجين الأزرق يرجع في الأساس إلى كونه منخفض التكلفة بالمقارنة بمثيله الأخضر، على الرغم من أن الأخير هو البديل النظيف الأمثل للوقود الأحفوري. على الجانب الآخر نجد أن الهيدروجين الأزرق أقل تلويثاً من الوقود الأحفوري، لذلك تدعمه بعض الدول والهيئات كبديلٍ منخفض الانبعاثات، ومنها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "الإسكو"، التي تشير إلى إمكانية أن تتوسع الدول المنتجة للغاز في إنتاج الهيدروجين الأزرق، وبخاصة دول الإمارات والجزائر وقطر والسعودية.
فشلت الدول الغنية في جمع مبلغ 100 مليار دولار لمساعدة الدول الفقيرة في تطبيق إجراءات مطلوبة منها. وهو مبلغ ضئيل جداً بالمقارنة مع الآثار المدمرة للتغيرات المناخية والظواهر المناخية المتطرفة، كالفيضانات التي اجتاحت باكستان العام الحالي، وأدت إلى تدمير مليوني منزل وإصابة الآلاف، مخلّفة خسائر قدّرها البنك الدولي بـ 40 مليار دولار.
في شهر آب/ أغسطس الماضي وقبل مئة يوم تقريباً من انعقاد قمة المناخ بمدينة شرم الشيخ، أعلنت الصين وأمريكا توقف المفاوضات المشتركة بشأن التغير المناخي، التي بدأت كإعلان مشترك في نهاية قمة غلاسكو، بوصفهما صاحبتا أعلى نسبة انبعاثات تساهم في الاحترار العالمي. جاء ذلك على خلفية زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي "نانسي بيلوسي" لتايوان.
ويشير تقرير "الإسكو" أيضاً إلى التكلفة الباهظة لنقل الهيدروجين في حالة تصديره، حيث تستهدف أوروبا استيراد ما يزيد عن مليوني طن من شمال أفريقيا عبر خطوط الأنابيب العابرة للحدود بحلول عام 2030.
وقبل انعقاد مؤتمر القمة ببضعة أشهر، أعلنت الدولة المضيفة مصر عن مشروع للتوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر بهدف التصدير، بتكلفة مبدئية تصل إلى 10 مليار دولار، وتزامن ذلك مع توقيع ست مذكرات تفاهم بين عدد من الشركات الدولية تحمل جنسيات النرويج والإمارات وغيرها.
وتحاول مصر تحقيق أقصى استفادة من استضافتها لقمة المناخ، ليس بوصفها من ضمن الدول التي تطولها التغيرات المناخية فحسب، على الرغم من عدم المساهمة في الانبعاثات العالمية سوى بنسبة 3 في المئة، ولكن أيضاً للتغطية على الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تجتاحها، مما يجعل المؤتمر فرصة لتحسين صورتها عالمياً، بعيداً عن الانتقادات الداخلية لتقييد الحريات العامة، وتوجيه الإنفاق إلى بناء العاصمة الإدارية الجديدة وتشييد الكباري، دون أن يرى المواطن العادي الفائدة التي سيجنيها.
يؤيد ذلك ما أوردته وسائل الإعلام من منع نشطاء وجمعيات بيئية مصرية من حضور المؤتمر، وخاصة تلك التي تتناول ملف التغير المناخي من الناحية الحقوقية، فلا مكان للمعارِضين في كوب 27.
لعبة القط والفأر
في شهر آب/ أغسطس الماضي وقبل مئة يوم تقريباً من انعقاد قمة المناخ بمدينة شرم الشيخ، أعلنت الصين وأمريكا توقف المفاوضات المشتركة بشأن التغير المناخي، التي بدأت كإعلان مشترك في نهاية قمة غلاسكو، بوصفهما صاحبتي أعلى نسبة انبعاثات تساهم في الاحترار العالمي. جاء ذلك على خلفية زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي "نانسي بيلوسي" لتايوان.
سوريا: هل من ناجٍ أخير؟
22-09-2022
اليمن.. عدم الاستقرار يطال المناخ أيضاً
15-09-2022
وليس من قبيل المبالغة القول أن وصول المفاوضات بين الدولتين إلى نقاط واضحة للحد من الانبعاثات كان من شأنه التأثير على مستقبل البشرية. لكن المصالح السياسية والاقتصادية دائماً ما تتفوق على التهديدات المناخية، فلا أحد يستطيع أن ينسى موقف الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" الساخر من الحديث حول التغيرات المناخية، وانسحابه عام 2017 من اتفاقية باريس، لتكون بذلك الولايات المتحدة الامريكية أولى الدول التي تنسحب من الاتفاقية. بعدها عاد الرئيس الحالي "جون بايدن" إلى التلويح بورقة المناخ خلال حملته الانتخابية، حيث تضمّن برنامجه العودة مرة أخرى إلى اتفاقية باريس في حال فوزه.
على الجانب الآخر نجد أن تقرير المناخ والتنمية الخاص بالصين الصادر عن مجموعة البنك الدولي حذّر من أن عدم تحول الصين إلى اقتصاد منخفض الكربون، سيجعل من تحقيق الأهداف العالمية المتصلة بتغير المناخ أمراً مستحيلاً، وقد بدأت الصين بالفعل تتجرع من الكأس نفسه، حيث سجل الصيف الحالي أعلى موجة حرارة تضرب البلاد منذ عام 1961. فهل تُظهر الصين موقفاً أكثر انفتاحاً خلال قمة المناخ الحالي؟ سؤال ربما يحسمه حضور الرئيس الصيني شخصياً بدل من إرساله من يمثله، وإن كانت المؤشرات تشير إلى صعوبة تحقيق ذلك.
لم تنعقد قمة المناخ السنوية في عام 2020، إبان الإغلاق العالمي بسبب وباء كوفيد. ومع ذلك كشف تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة عن انخفاض غير مسبوق في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم، بنسبة 5.4 في المئة، نتيجةِ أشهرٍ من إغلاق المنشآت الصناعية لأبوابها وتخفيض ساعات العمل خلال الموجات الأولى من الجائحة.
لن تخلو أجندة قمة شرم الشيخ أيضاً من الحديث عن أسواق الكربون، التي نصت عليها اتفاقية باريس ومن قبلها بروتوكول "كيوتو" الملحق بالاتفاقية الإطارية للمناخ، وهو نظام يمكّن الدول والشركات من شراء أو بيع وحدات من انبعاثات الاحتباس الحراري في محاولة الالتزام بالحدود الوطنية المسموح بها.
يواجه هذا النظام انتقاداتٍ كونه يستغل أحياناً من قبل الدول الغنية لشراء وحدات تبيح الانبعاثات الحرارية من الدول النامية، في صورة تمويل مشروعات صديقة للبيئة، وذلك مقابل الاحتفاظ بمستوى الانبعاثات نفسها.
وذكر تقرير صدر هذا العام من قبل البنك الدولي حول اتجاهات تسعير الكربون أن إيرادات تسعير الكربون زادت بنسبة 60 في المئة خلال العام الحالي، لتصل إلى 84 مليار دولار، هناك أيضاً 68 أداة مباشرة لتسعير الكربون، من ضمنها 36 ضريبة، و32 نظاماً لتداول حقوق إطلاق الانبعاثات!
ويظهر جلياً الدور الهامشي للدول العربية في قضايا التغير المناخي، من حيث الدراسات والتقارير والقرارات، على الرغم من حلول أغلب تلك الدول في مقدمة قائمة الدول الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية، وعلى رأسها السودان والعراق.
على الرغم من دعم جامعة الدول العربية لاستضافة مصر ثم الإمارات لقمتي المناخ رقم 27 و28، لا يبدو أن القمتين ستشهدان تنسيقاً بين الدول العربية، بحيث تصبحان امتداداً لحشد المطالب، فلكل من الدولتين أجندتها وأولوياتها نظراً لاختلاف عوامل اشتباك كليهما مع التغيرات المناخية. أما الرؤية الغائبة في تنسيق الدول العربية فيما يخص التكتل السياسي لدعم ملفات مناخية بعينها، فربما يؤدي إلى إضاعة فرصة ذهبية لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة خلال القمتين.