يُقصد بالمؤسسة العسكرية العراقية تلك التي تشكلت بعد احتلال العراق عام 2003. لأن المؤسسة العسكرية بالشكل الذي كان قائماً قبل هذا التاريخ انتهت، ولا وجود لأي امتداد عسكري أو تقني أو حتى هيكلي بين المؤسستين. فقد كان الجيش العراقي القديم (1921-2003) قد تشكل وفقاً للمدرسة العسكرية البريطانية، وتألف من أول فوج (Regiment) وهو فوج موسى الكاظم، ثم تشكلت في مراحله الأولى أربع فرق عسكرية معززة بقوتين بحرية وجوية. أما جيش 2003 فتألف من أول فيلق (Corps) سُمّي بـ New Iraqi Corps (NIC) ثم تغير الاسم وأصبح الجيش العراقي الجديد (New Iraqi Army NIA) بعد قرار الحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر حل المؤسسة العسكرية بكل أجهزتها.
تحليل بنية هذه المؤسسة يفسر بشكل واضح قمع المحاولات الشعبية التي أرادت تغيير النظام القائم أو حتى إصلاحه، والمثال الأوضح هو ما حدث في تظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019، التي قمعتها المؤسسة العسكرية وأخمدتها بالحديد والنار، وكانت آثار هذا القمع 700 قتيل على أقل تقدير، وأكثر من 30 ألف مصاب بينهم نحو 5 آلاف شخص بإعاقات دائمة.
قرار بول بريمر حلّ الجيش والشرطة العراقية تضمن أيضاً دمج مقاتلي المليشيات العراقية ك"منظمة بدر" والعناصر المسلحة التابعة للأحزاب العراقية ليكونوا نواة الجيش العراقي الجديد، واستدعاء الضباط الأدنى من رتبة عقيد، لتأسيس أول فيلق وفق هيكلية طائفية وعرقية، ومنح رتب عسكرية عالية لمقاتلي تلك المليشيات والأحزاب وتعيينهم في مناصب مهمة تتولى فيما بعد التعيينات، حتى بات مصطلح "ضباط الدمج" شائعاً في الأوساط الشعبية لوصف هذه الحالة التي تفشت مثل العفن في جسد الدولة.
وقد ظهرت علامات هذا العفن مبكراً عندما كانت شركة "فينيل" الأمنية - التي تعاقد معها الجيش الأمريكي لتدريب مقاتلي الجيش العراقي الجديد - تصنف المجندين على أساس طائفي وقومي خلال إعطائها الحصص التدريبية. ويتحدث العميد الركن المتقاعد إسماعيل السوداني في محاضرة له بعنوان: "حقيقة الجيش العراقي الجديد وأسباب الانتكاسات المتلاحقة"، ألقاها ب"مركز الحوار العربي" بواشنطن عام 2015، كيف أن هذا التأسيس الطائفي والعرقي ولّد احتكاكات داخل نواة الجيش الجديد مثلما حدث في معسكر "كركوش" بين الضباط العرب والأكراد.
التداعيات الكارثية التي نتجت عن القرارات المتخذه لتشكيل المؤسسة العسكرية الجديدة كانت تتمثل بسيطرة المليشيات والأحزاب عليها وتحويلها إلى قِطاع أمني يوفر لها فائدتين، الأولى: بيئة بيروقراطية فاسدة تمكّنها من سرقة جزء كبير من الميزانية المخصصة للجانب العسكري. الثانية: ضمان ولاء هذه المؤسسة للنظام القائم وحمايته بكل الوسائل حتى وإن كانت مُدمِّرة.
نمو هذه المؤسسة وزيادة تخصيصاتها في الميزانية العامة (19 مليار دولار لعام 2021) حوَّلها إلى قِطاع تتصارع عليه المليشيات والأحزاب التي تتقاسم السلطة والنفوذ، وهذا ما يفسر غضب نوري المالكي، رئيس "حزب الدعوة" ورئيس الوزراء الأسبق، في تسجيل مسرَّب، من استحواذ هادي العامري زعيم "منظمة بدر" على 40 ألف راتب، ومقتدى الصدر على 12 ألف راتب مخصصة ل"سرايا السلام" (مليشيا تابعة للصدر) في المؤسسة العسكرية.
منذ 2003، أُريد للمؤسسة العسكرية أن تكون جهازاً قمعياً وظيفته الأساسية حماية النظام، ولضمان ذلك لجأت الميليشيات والأحزاب المستحوِذة على السلطة إلى تحويل الجيش والشرطة إلى كيانين أقرب شبهاً بالميليشيا المسلحة منهما إلى مؤسسة عسكرية احترافية.
المالكي لم يتطرق إلى وجود "الجنود الفضائيين" الذين تحدث عنهم حيدر العبادي، رئيس الوزراء الذي خلفه، عندما كشف عن وجود 50 ألف جندي وهمي في الجيش العراقي، لا وجود لهم سوى في سجلات الرواتب، وتذهب رواتبهم إلى الضباط الكبار و"ضباط الدمج".
ظاهرة "الجنود الفضائيين" ليست في الجيش وحده. ففي "هيئة الحشد الشعبي" (مجموعة من المليشيات الشيعية) يوجد 82 ألف مقاتل "فضائي"، من مجموع 140 ألف مقاتل يأخذون رواتبهم من ميزانية الدولة. وفي عام 2018 بدأ مدير الدائرة المالية في هيئة الحشد الشعبي قاسم الزبيدي تحقيقاً بأمرٍ من رئيس الوزراء حينها حيدر العبادي بفضيحة "الجنود الفضائيين" لكن التحقيق لم يكتمل حيث اقتحم مسلحون منزل الزبيدي في بغداد وأردوه قتيلاً أمام عائلته.
لم يكن الهدف من تشكيل المؤسسة العسكرية الجديدة حماية الشعب أو "الأمة العراقية" بقدر ما كان الهدف هو صناعة "أداة تحتكر العنف الشرعي" وتضمن الدفاع عن النظام الجديد القائم على تقاسم النفوذ والموارد بين أحزاب وجماعات مسلحة تعي جيداً أن الحارس لها هو المؤسسة العسكرية، أياً كان شكلها ما دامت مضمونة الولاء ومتحكَّم بها.
بسبب ذلك، وقبل حتى أن تكتمل هيكلية هذه المؤسسة، تحولت ومنذ عام 2006 إلى أجهزة قمعية بيد الدولة، وهي أجهزة مهمتها الأساسية الحفاظ على النظام السياسي. وفي النموذج العراقي فإنَّ النظام السياسي يتمثل بمجموعة من السياسيين يتحصنون في المنطقة الخضراء، تحميهم أسوار من الكونكريت وعشرات آلاف الجنود والمقاتلين المتأهبين للاشتباك المسلح مع أي محاولة "شعبية" لاختراق تلك الأسوار.
الدفاع عن المنطقة الخضراء
عام 2019، ومع اندلاع الموجة الأولى لانتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019، سقط 157 قتيلاً من المتظاهرين وأكثر من 8 آلاف جريح، غالبيتهم العظمى على مداخل جسور العاصمة بغداد، عندما فتحت الأجهزة الأمنية ومعها مليشيات مسلحة غير نظامية النار عليهم.
جسور "الشهداء" و"الجمهورية" و"الأحرار" و"السنك"، كانت مسرحاً دامياً جسّد وظيفة الأجهزة الأمنية ودورها في الدفاع عن المنطقة الخضراء. وتكرر هذا المسرح الدموي مراراً عند نصب الحرية في بغداد وفي تسع محافظات عراقية أخرى (بابل، كربلاء، النجف، واسط، ذي قار، العمارة، السماوة، البصرة، الديوانية). ولم تدخر تلك الأجهزة جهداً ولا رصاصاً في إخماد الانتفاضة الشعبية. ولولا حماية المؤسسة العسكرية لهذا النظام وولاء أجهزتها له لما تمكّن من الاستمرار.
نمو المؤسسة العسكرية وزيادة تخصيصاتها في الميزانية العامة (19 مليار دولار لعام 2021) حوَّلها إلى قِطاع تتصارع عليه الميليشيات والأحزاب التي تتقاسم السلطة والنفوذ. وفي تسجيل مسرّب قال نوري المالكي، أن هادي العامري زعيم "منظمة بدر" يستحوذ على 40 ألف راتب، ومقتدى الصدر على 12 ألف راتب مخصصة ل"سرايا السلام" في المؤسسة العسكرية.
عبّرت الاختلافات العرقية والمذهبية والمناطقية والقبلية عن نفسها بطرق عنيفة، وتجلّى ذلك عند اندلاع الحرب الطائفية عام 2006، فكانت المؤسسة العسكرية الحلقة الأكثر تشوهاً والأضعف في الحرب التي كانت تدور في شوارع بغداد والمناطق مختلطة المذاهب كالبصرة وصلاح الدين وديالى. وظهر أثر الانتماء المذهبي بشكل مفضوح في المؤسسة العسكرية. وبكل الأحوال فقد كانت استمارة التطوع في الجيش العراقي تتضمن سؤالاً عن المذهب وإجابة هذا السؤال لازمة في قبول أو رفض الاستمارة.
على مستوى الضباط - بكافة رتبهم ومراتبهم - والجنود أيضاً، كان الانقسام العرقي والديني والانتماء على أساسه هو سمة المؤسسة العسكرية العراقية الجديدة، ووزراء الدفاع والقادة الكبار في الجيش يُعيَّنون وفقاً للحصص الممنوحة لكل حزب أو ميليشيا أو جهة سياسية في تشكيل أي حكومة. لذلك فإن المناصب تذهب على حسب الانتماء المذهبي والحزبي والجهوي وليس وفقاً للكفاءة والمهنية.
الجيش العراقي: ليس لدى الكولونيل من يحاسبه
06-08-2014
عندما قصفت إيران مدينة أربيل بـ 12 صاروخاً باليستياً مطالع آذار/ مارس 2022، كان رد المؤسسة العسكرية العراقية مخجلاً، ولا يتناسب مع حجم الحدث والضرر. ففي تعليقه على هذا القصف الذي استهدف منازل مواطنين عراقيين داخل مدينة عراقية، قال وزير الدفاع العراقي جمعة عناد إن "صاروخ أو صاروخين لا تؤثر على السيادة العراقية" ومثل ذلك يفعل الجيش العراقي مع القصف التركي المستمر على شمال العراق، والتوغل حتى 25 كيلومتر داخل الحدود العراقية.
احتجاج النظام على نفسه
تعامل المؤسسة العسكرية بكافة أجهزتها يكون مختلفاً عندما يتعلق الأمر بحالة "مؤقتة" من الاحتجاج والتظاهر أو حتى الاقتحام للمنطقة الخضراء من قبل أتباع جهة فاعلة ومؤثرة داخل النظام السياسي، كما هو الحال مع مقتدى الصدر وأتباعه الذين يمتلكون أغلبية في مقاعد البرلمان، ويستحوذون على وزارات سيادية ومهمة مثل وزارة الصحة، ولهم أذرع قوية ومؤثرة داخل وزارات الدفاع والداخلية والاتصالات والنفط والعدل وغيرها.
في عام 2018 بدأ مدير الدائرة المالية في "هيئة الحشد الشعبي" قاسم الزبيدي تحقيقاً بفضيحة "الجنود الفضائيين" (الوهميين) بأمرٍ من رئيس الوزراء حينها حيدر العبادي. لكن التحقيق لم يكتمل حيث اقتحم مسلحون منزل الزبيدي في بغداد وأردوه قتيلاً أمام عائلته.
وجود مقتدى الصدر في النظام السياسي الحالي يعتبر من أهم عوامل بقائه. فهذا الزعيم الديني الذي يُخرج أتباعه إلى الشارع بتغريدة ويُرجعهم إلى بيوتهم بتغريدة أخرى، يمتلك أغلبية نيابية وتمثيلاً سياسياً واسعاً في السلطتين التشريعية والتنفيذية. وكلَّما أراد الضغط على خصومه في مسألة ما، أرعدَ وأزبدَ وهدد منافسيه بإعادة تنشيط ميليشيا جيش المهدي المجمَّد، وهو دائماً ما يُنصّب نفسه أباً على العراق ولا يكل أبداً من الحديث عن "نظام أبوي" يكون هو المتحكم به، بينما الوزارات التي يسيطر عليها الصدر وأتباعه هي من الأكثر فساداً وتخلفاً، فوزارة الصحة التي تحوَّلت إلى طابو باسم الصدر تعد واحدة من أكثر الوزارات العراقية فساداً وتخلفاً في تاريخ العراق الحديث.
عندما أراد ممثلو النظام السياسي القضاء على "انتفاضة تشرين 2019"، أوكلوا الأمر إلى مقتدى الصدر، الذي لم يتأخر بالانقلاب على المتظاهرين، وسحب أنصاره من الشوارع وساحات الاعتصام، ثم أمر ميليشيا "سرايا السلام" المسلحة التابعة له باقتحام الساحات وإحراق الخيام، وقد حدثت مجازر مروعة حينها عندما اقتحمت المليشيا ساحة الصدرين في النجف وساحة التحرير، ومراكز الاعتصام في كربلاء والناصرية والبصرة، ولم يتوقف حتى أجهض أملاً كبيراً عند العراقيين بأن هذا النظام يمكن تغييره.
في شباط/ فبراير 2021، نزل آلاف المقاتلين التابعين ل"سرايا السلام" إلى شوارع العاصمة بغداد ومدن جنوبية أخرى مستعرضين قوتهم النارية والعددية بشاحنات "بيك آب"، وكانت الأجهزة الأمنية من قوات الجيش والشرطة تفتح وتؤمن لهم الطرق التي يتجولون فيها بأوامر مباشِرة من مقتدى الصدر.
لم يسقط أي ضحايا في اقتحامي أنصار الصدر للبرلمان، وكانت الأجهزة الأمنية حريصة على حماية المقتحِمين وفتح الطرق والأسوار لهم، على عكس ما فعلت مع محاولات متظاهري "تشرين" لاقتحام المنطقة الخضراء، حيث استخدمت القنص والرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع العسكرية القاتلة في منعهم وقمعهم، وسقط منهم المئات قتلى.
وبعد يومين من ذلك الاستعراض، ألقى الصدر خطبةً على أنصاره في مدينة النجف، قال فيها إن "سرايا السلام" استعرضت قوتها العسكرية في الشوارع بسبب "تهديد إرهابي" يستهدف مراقد الشيعة المقدسة، وإن العراق من دون "سرايا السلام" ليس آمناً، وإن "القوات الأمنية في حالة انهيار وضعف".
ليس الصدر وحده من يعتقد أن المؤسسة العسكرية ضعيفة ومنهارة. ففي تسجيل صوتي آخر مسرب لنوري المالكي، قال إن الجيش والشرطة لا يعوَّل عليها وهم ضعاف ولا يستطيعون القتال، واعترف أنه عندما أسس "الحشد الشعبي" بفتوى المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، كان يريد له أن يكون مثل الحرس الثوري الإيراني، والرأي ذاته يعتقد به زعيم ميليشيا بدر هادي العامري، الذي تحدث خلال استعراض عسكري للحشد الشعبي مفتخراً أن عُدةَ وعتاد الحشد أكبر وأكثر من عدة وعتاد الجيش العراقي.
في الذاكرة العراقية بعد 2003، هنالك حادثتان تتعلقان باقتحام المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان العراقي، حصن النظام السياسي العراقي، وهذان الاقتحامان خطط لهما مقتدى الصدر ونفذهما وأمر بهما بنفسه، بل وشارك في الحادثة الأولى عام 2016، عندما نصب خيمةً له في المنطقة الخضراء، ورفض استقبال أي شخصية أو مسؤول سياسي، ثم أزال خيمته بعد ذلك بعدة أيام وأمر أتباعه بالانسحاب إلى بيوتهم.
عندما أراد ممثلو النظام السياسي القضاء على "انتفاضة تشرين 2019"، أوكلوا الأمر إلى مقتدى الصدر، الذي لم يتأخر بالانقلاب على المتظاهرين، وسحب أنصاره من الشوارع وساحات الاعتصام، ثم أمر ميليشيا "سرايا السلام" المسلحة التابعة له باقتحام الساحات وإحراق الخيام. وقد حدثت مجازر مروعة حينها في ساحة الصدرين في النجف وساحة التحرير، ومراكز الاعتصام في كربلاء والناصرية والبصرة.
في ذلك الاقتحام، وعندما دخل مقتدى الصدر إلى المنطقة الخضراء، انحنى له آمر القوة المكلفة بحماية المنطقة الفريق الركن محمد رضا. وفي حينها كان الحرس المرافقين لآمر القوة يحملون هواتفهم ويوثقون بالفيديو لحظة خضوع المؤسسة العسكرية العراقية لرجل دين شعبوي. وهذه الحادثة لم تكن الوحيدة، فقد سبقتها حادثة لا تقل إهانة للجيش العراقي، عندما انحى ضابط برتبة عميد في مدينة النجف ليساعد مقتدى الصدر بارتداء نعليه.
الاقتحام الثاني حدث في 27 تموز /يوليو 2022، عندما أمر الصدر اتباعه بالانقضاض على المنطقة الخضراء ودخول مبنى البرلمان رفضاً لترشيح خصومه الشيعة، أي "الإطار التنسيقي"، محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء. وكذلك كان هذا الاقتحام "جرة إذن" للإطار التنسيقي ولنوري المالكي شخصياً، الذي شتم وهاجم مقتدى الصدر في ذلك التسجيل الصوتي المسرب. وهذا الاقتحام ما يزال مستمراً حتى وقت كتابة هذه السطور.
الحادثتان لم يسقط بهما أي ضحايا، وفيهما كانت الأجهزة الأمنية حريصة على حماية المقتحِمين وفتح الطرق والأسوار لهم، على عكس ما فعلت تلك الأجهزة مع محاولات متظاهري "تشرين" لاقتحام المنطقة الخضراء، التي استخدمت القنص والرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع العسكرية القاتلة في منع وقمع المتظاهرين. كما أن تلك الأجهزة لها تاريخ دموي قريب في التعامل مع التظاهرات والاعتصامات التي سبقت تظاهرات تشرين، عندما فضَّت اعتصامات المحافظات "السُنية" بالقوة، وقتلت أكثر من 70 متظاهراً في فض اعتصام مدينة الحويجة، وتسبب ذلك فيما بعد بدخول تنظيم داعش وانسحاب الجيش والشرطة من المدن وسقوط نحو 40 في المئة من العراق بيد التنظيم.
عندما دخل مقتدى الصدر إلى المنطقة الخضراء مقتحِماً، انحنى له آمر القوة المكلفة بحماية المنطقة الفريق الركن محمد رضا. وهذه الحادثة لم تكن الوحيدة، فقد سبقتها حادثة لا تقل إهانة للجيش العراقي، عندما انحى ضابط برتبة عميد في مدينة النجف ليساعد مقتدى الصدر على ارتداء نعليه.
مقتدى الصدر جزء أصيل في هذا النظام الطائفي الفاسد، وهو من أكثر الحريصين على إدامته والحفاظ عليه بشكله الحالي لأنه يدرك أن الشكل الحالي للنظام هو ما يبقيه قوة مؤثرة في المشهد السياسي، وهو ما يضمن له ولأتباعه السلطة والنفوذ والموارد، سواء داخل البرلمان أو في الوزارات التي تذهب للتيار الصدري عند كل تقاسم للحصص في تشكيل أي حكومة.
أجهزة قمعية لحماية نظام فاسد
بالنسبة للمؤسسة العسكرية العراقية، متمثلةً بقادة الجيش الكبار، فإن السؤال عن شرعية هذا النظام السياسي ليست هي ما يحدد إلى أي صف تقف القوات المسلحة. ففي الحالة العراقية تقف المؤسسة العسكرية ومنذ 2003 إلى جانب النظام السياسي وتحميه بكل ما يلزم من قوة ليدوم، وهذا يعود إلى الطريقة التي تأسست بها. فمنذ البداية أُريد لهذه المؤسسة أن تكون جهازاً قمعياً وظيفته الأساسية حماية النظام، ولضمان ذلك لجأت الميليشيات والأحزاب المستحوِذة على السلطة إلى تحويل الجيش والشرطة إلى كيانين أقرب شبهاً بالميليشيا المسلحة منها إلى مؤسسة عسكرية احترافية، والحالة الوحيدة التي يمكن فيها توقع موقفاً مختلفاً للمؤسسة العسكرية العراقية هي أن تقتتل الأحزاب والميليشيات فيما بينها وينهار النظام كله دفعةً واحدة، وهذا قد لا يكون مستبعداً في الوقت الراهن، في ظل التوتر الحاد بين الأحزاب والتيارات الإسلامية الشيعية والتلويح بالذهاب إلى الاقتتال كما قال نوري المالكي في التسجيل الصوتي المسرَّب: "المرحلة القادمة هي مرحلة قتال".