مع كتابة هذه السطور، يكون معتقل الرأي المناضل علاء عبد الفتاح قد دخل يومه الثالث والثمانين مضرباً عن الطعام، مطالباً بحقه الحصول على الكتب والموسيقى في محبسه في مصر. أمضى علاء معظم العقد الماضي خلف القضبان، ووُلد ابنه الوحيد خالد عام 2011 فيما والده في السجن للمرة الأولى. الآن، صار عمر خالد 10 سنوات، لم يرَ فيهم والده إلّا في فترات متقطّعة ومتباعدة، خارج القضبان أحياناً، حيث يلعبان ويحاولان بلا هوادة تعويض ما فات، وداخل السجن أحياناً أخرى، في زيارات الحبس الثقيلة على العائلة والوالد والولد...
هذا العام، وبمناسبة عيد الأب، نظّمت عائلة علاء عبد الفتاح والحملة المطالِبة بإطلاق سراحه معايدة من نوع خاص له، إذ تواصلت مع فنانين ونجوم عالميين مؤثِّرين، أغلبهم من بريطانيا التي حاز علاء جنسيتها وهو في السجن، وكجزء من الحملة المتواصلة المطالبة بحريته، قرأ الفنانون – ومنهم مارك روفالو وأوليفيا كولمان وإميلي واتسون وكاري موليغان، بالإضافة إلى أختي علاء – سناء ومنى سيف - مقاطع بالإنكليزية من رسالة علاء إلى ابنه خالد عندما كان في سجن طرّة عام 2011 ورآه وحمله للمرة الأولى. "نصف ساعة مع خالد"، المنشورة في 2021 ضمن كتاب علاء "أنتَ لم تُهزم بعد" مع مجموعة من المقالات التي كتبها في سجنه وعنه، هي رسالة والدٍ مسحور بكائن صغير بات جزءاً من هذا العالم الكبير والمخيف والمتبدّل الذي أحبّ الوالد أن يدافع عن شيء من الجمال والحرية فيه.
فيديو:
رسالة علاء عبد الفتاح لأبنه مقروءة من شخصيات عامة بريطانية تطالب بالافراج عنه
هنا مقتطفٌ من الرسالة المؤثِّرة "نصف ساعة مع خالد" بالعربية كما كتبها علاء حينها...
"وما مصيري الآن؟ هل سأتحول لواحد من آلاف الكائنات البائسة بسجن طرة، تحقيق؟ ننتظر شهوراً ــ وأحيانا سنوات ــ حكمٌ لا يأتي، من أيدي قضاة يقول لهم القانون إننا بريئون إلى أن تثبت إدانتنا ويقول لهم الدستور إن حريتنا وحقوقنا لا تقيد إلا بحكم قضائي ولكنهم لا يسمعون، فيستمر حبسنا ولا تنتهي قضايانا وينسانا العالم الممتد خلف الأسوار؟ كل من في السجن باهت وبائس، حتى القطط شاحبة، حركتها بطيئة، وعيونها منطفئة منكسرة.
نمتُ مقتنعاً أن هذا مصيري، أمامي نصف عام على الأقل قبل أن تحال القضية للمحكمة وشهور من التأجيلات قبل البراءة، كيف سأصمد؟
ثم جاء خالد! في عصر اليوم التالي وصلتني رسالة تطمئنني على سلامته وعلى صحة منال، وصورة. حبٌّ من أول نظرة، حبٌ من أول صورة. تبدَّد السجن وأسواره وقططه، تبدَّد كل شيء إلا حبي لخالد وفرحتي بقدومه. ونمتُ مرتاح البال.
في يومه الثالث زارني خالد. كانت مفاجأة. توقعت ألا يسمح الطبيب بزيارة إلا بعد أسبوع على الأقل. زارني خالد لمدة نصف ساعة. حملته في يديّ عشر دقائق.
يا الله! إزاي جميل كده؟ حب من أول لمسة! في نصف ساعة أعطاني فرحة تملأ السجن أسبوعاً كاملاً. في نصف ساعة أعطيته محبة تمنيت أن تحيطه أسبوعاً كاملاً. في نصف ساعة تغيّرتُ وتغيّر الكون من حولي. أفهم الآن لماذا يستمرّ حبسي: أرادوا أن يحرموني من الفرحة. أفهم الآن لماذا سأصمد: حبسي لن يمنع محبتي، سعادتي مقاوَمة، أن أحمل خالد لدقائقٍ نضالٌ"