إصلاح مدونة الأحوال الشخصية والرفع من تمثيلية النساء في مراكز القرار السياسي احتلا صدارة القضايا التي شكلت رهانات أساسية لحركة الدفاع عن حقوق النساء في المغرب خلال العقود الثلاثة الأخيرة. وإذا كان إصلاح مدونة الأسرة قد شكل خطوة ذات دلالة مهمة وكبيرة لحظة الإعلان عنه في تشرين الاول/اكتوبر 2003، فإن قضية التمثيل في مراكز القرار ظلت ترخي بظلالها على الفاعلين من مختلف المواقع وبالخصوص منهم الفاعل السياسي. إذ بالرغم من بعض المحاولات الهادفة إلى تحقيق نوع من التقدم، يبدو أن الاقتناع العميق بها لا تزال تواجهه عراقيل ومطبات تحول دون تحقيق التراكم اللازم والضروري لإحداث تغيير ذي معنى، أي تحقيق خطوات في اتجاه المناصفة بين النساء والرجال، كما تم التنصيص عليها صراحة في دستور البلاد لسنة 2011. وللتذكير، فإن إصلاح الدستور المشار إليه، تمَّ في سياق الربيع العربي وفي سياق الحركة الاحتجاجية التي أطلق عليها "حركة 20 فبراير"، حيث تم استقبال المذكرات المطلبية، بما فيها مذكرات الحركة النسائية التي أكدت ضرورة التنصيص دستوريا على مبدأ المناصفة وعدم التمييز ضد النساء.
تقدم ولكن..
من الموضوعية الإقرار بما سجله المغرب من تقدم في موضوع تمثيلية النساء وحضورهن في المؤسسات التمثيلية، الوطنية منها والمحلية. إلا أنه لا بد بالمقابل من تسجيل ما يحيط بهذا "التقدم" من عناصر تبين بالملموس حدوده بل العراقيل المحيطة به. فقد ظلت النساء، لمدة طويلة، مغيبات عن المؤسسات السياسية التمثيلية بالمغرب، حيث لم يفتح البرلمان أبوابه في وجههن إلا سنة 1993 بمناسبة الانتخابات التشريعية، وذلك بانتخاب امرأتين فقط. مقابل ذلك، بقيت تمثيلية النساء في الجماعات المحلية تراوح نسبتها عند 0.56 بالمئة في الانتخابات التي تم تنظيمها سنة 2003. شكلت هذه النسب فرصة لمكونات الحركة النسائية للانخراط في حملة ترافعية بقصد تجاوز هذا الوضع المرفوض "أخلاقيا" ومعنويا، ومرفوض كذلك سياسيا على حد تعبير تلك الحركة، خصوصا في سياق بداية الانفتاح السياسي النسبي الذي عرفته البلاد.
مكنت الحملة الترافعية الواسعة التي قادتها مكونات الحركة النسائية، وخصوصا "حركة الثلث"، من توسيع النقاش العمومي حول هذا الموضوع الذي انخرطت فيه حتى المكونات التي عارضت إصلاح مدونة الأسرة، حيث رأت فيه نساء الحركة الإسلامية ("العدالة والتنمية" على الخصوص) فرصة لفرض أصواتها، وهو ما مكّن من تحقيق مكتسبات تمثلت في الإقرار القانوني للكوتا (الحصة) واعتماد آليات للرفع من نسبة تمثيلية النساء، سواء على المستوى المحلي (الجماعات) أو الوطني (البرلمان بغرفتيه). هكذا، تم تسجيل ارتفاع نسبة النساء في الانتخابات البرلمانية الأخيرة (2011) التي قاربت 17 في المئة (60 برلمانية) بعدما لم تتجاوز النسبة قرابة 11 في المئة في انتخابات سنة 2007 (34 برلمانية). وانتقلت النسبة في المجالس الجماعية من 12.5 في المئة في انتخابات 2009 (3465 منتخبة) إلى 21.2 في المئة في الانتخابات الجماعية الأخيرة التي جرت في 4 أيلول/سبتمبر 2015 (6673 منتخبة).
ماذا عن الحضور القيادي؟
ومن الملاحظ أن هذا التقدم النسبي من الناحية العددية، لم يكن له صدى على مستوى وجود النساء في مواقع القرار كرئيسات جهات وجماعات ومقاطعات. وهو ما يؤكد الغياب شبه التام للنساء في الترشح لهذه المناصب، الأمر الذي يتطلب إنجاز دراسات ميدانية بغية التعرف على طبيعة العوامل والأسباب التي أدت إلى هذا الوضع. وفي انتظار ذلك، يمكن الإشارة إلى بعض الملاحظات التي يمكن إجمالها وصياغتها كأسئلة على الشكل التالي:
- هل الغياب شبه المطلق للنساء في رئاسة الجماعات والجهات هو بالضرورة تغييب لهن من طرف الأحزاب والهيئات السياسية، أم هو في النهاية تحصيل حاصل لواقع "قصور" ذاتي للنساء أنفسهن؟ أي بمعنى آخر، هل يتعلق الأمر بمنع وإقصاء النساء من الترشيح من طرف الهيئات السياسية التي ينتمين إليها أم هن بالذات لا يستأنسن في أنفسهن بعد إمكانية احتلال مثل هذه المواقع ويتوجسن منها؟
- إذا كان الأمر كذلك، ألا يجب التفكير في وضع ما يلزم من آليات للتحفيز والتأطير واكتساب الثقة وتشجيع النساء على خوض غمار المسؤوليات؟
- إذا كان التنصيص القانوني على رفع تمثيلية النساء في مراكز القرار قد أعطى أكله عدديا، ألا يمكن التفكير في بلورة نصوص قانونية إضافية واضحة ودقيقة، وغير قابلة للتأويل بشكل يناقض مبدأ المناصفة، نصوص تلزم الهيئات الحزبية والسياسية بترشيح النساء ليس فقط للحضور كعضوات في المجالس بل لشغل مواقع الرئاسة فيها؟
- إذا كان القانون ضروريا من أجل إحداث التغيير، ألا يمكن التفكير في تدابير وإجراءات أخرى من شأنها التأثير على الآليات الحزبية، خصوصا أن القانون إبان فعاليته بالشكل الذي جعل هذه الأحزاب مضطرة لترشيح النساء، إذ لولا ذلك ما كان التقدم العددي، على محدوديته، ليحصل؟
- إذا كانت الجمعيات والمنظمات النسائية قد قامت بدور لا يستهان به من أجل إحداث التطور النسبي الحاصل حاليا، ألا يمكن القول إن الأمر اليوم يتجاوزها ويسائل الأحزاب بل يضعها وجها لوجه مع مسؤوليتها في قضية أصبح واضحا أنها متورطة تورطا كبيرا في ما يعترضها من إعاقات؟
- ثم ألا يمكن في النهاية التنبيه إلى أن الكفاءات النسائية المغربية في مختلف المجالات تختار، إرادياً، في ظل الوضع والسياق السياسي العام المتسم بمركزة السلطات، الابتعاد عن مواقع المنافسة الانتخابية، وهو ما يجعل الأحزاب تبرر عدم تقديم النساء بغياب الكفاءة لديهن؟
- ألا يمكن القول إن تشجيع النساء على اقتحام المنافسة السياسية والانتخابية يتساوق بالضرورة مع وجود مشاريع سياسية تستحضر النساء كقضية ولا تختزلهن في هويتهن كجنس أو تحصر حضورهن في الكم والعدد، على الرغم من أهميته؟
هي جملة أسئلة تتطلب الإجابة عنها معرفة دقيقة بالواقع الملموس للتحولات التي يعرفها المجتمع المغربي وتعرفها قضية المشاركة السياسية للنساء وحضورهن في مراكز القرار، وهو الحضور الذي يعكس في عمقه المكانة التي أصبحت تحتلها النساء في مختلف المجالات، حتى وإن كانت العقلية الذكورية لا زالت تصمد وتقاوم إمكانية "زحف" النساء نحو السلطة ومنافسة الرجال على مراكز القرار، بالرمزية التي يكتسيها هذا الأمر في ظل النظام الذكوري الأبوي القائم على التراتبية.