مشاركة سياسية أم مسرح للانقسام؟

من خلال المشاركة السياسية في مجالس طلبة بعض جامعات الضفة الغربية، مثل جامعة النجاح الوطنية في نابلس، يمكن الاستدلال على واقع الانقسام السياسي الفلسطيني وعلى الأزمات المالية المزمنة للسلطة الفلسطينية. فلطالما كانت الجامعات الفلسطينية في الاراضي الفلسطينية المحتلة تعكس حالة المجتمع والثقافة السياسية الفلسطينية عامة. لا بد من خلفية اقتصادية لواقع التعليم العالي الفلسطيني أولا توضح الوقائع
2015-04-02

ياسمين صالح

باحثة من فلسطين


شارك
| en
طارق الغصين - فلسطين

من خلال المشاركة السياسية في مجالس طلبة بعض جامعات الضفة الغربية، مثل جامعة النجاح الوطنية في نابلس، يمكن الاستدلال على واقع الانقسام السياسي الفلسطيني وعلى الأزمات المالية المزمنة للسلطة الفلسطينية. فلطالما كانت الجامعات الفلسطينية في الاراضي الفلسطينية المحتلة تعكس حالة المجتمع والثقافة السياسية الفلسطينية عامة. لا بد من خلفية اقتصادية لواقع التعليم العالي الفلسطيني أولا توضح الوقائع الحالية.
ففي العام 2008 لم تتعد حصة التعليم العالي من الميزانية الإجمالية المخصصة للتعليم 5.5 في المئة، وهي من أدنى النسب في العالم. ("اقتصاديات التعليم العالي: إستراتيجية وزارة التربية والتعليم العالي 2010 ـ 2011 - 2013"). بينما في السبعينيات كانت منظمة التحرير الفلسطينية تتولى دعم مؤسسات التعليم العالي، وازداد دعمها في الثمانينيات مع الانتفاضة الأولى. كان الدعم يصب في مصلحة الطلاب بالمنح والأقساط الجامعية، بالإضافة إلى التكاليف التشغيلية للجامعات. وفي ظل السلطة الفلسطينية، ومع تزايد الإنفاق على القوى الامنية على حساب الإنفاق على التعليم العالي، انعكس هذا على المشهد السياسي في الجامعات. فقد خصصت وزارة المالية دعماً حكومياً للجامعات العامة قدر بحوالي 20 مليون دولار سنوياً، إلا أنها عجزت عن تقديم هذا الدعم سنويا بشكل كامل. ففي العام 2003 تم توزيع 12 مليون دولار، وفي عام 2006، تم توزيع 10 ملايين دولار. ولكن في العام 2008 وزع المبلغ بشكل كامل، وفي العام 2009 زاد الدعم المالي ليصل الى حوالي 31 مليون دولار، وزع منها حتى العام 2010، 23 مليونا. وبشكل عام استحوذ قطاع التعليم العام والعالي على حوالي 12 في المئة من الميزانية العامة لعام 2008. النتيجة هي بالطبع المزيد من الخصخصة في الجامعات كافة، ووجود "علاقة طردية بين العجز المالي ورداءة التعليم". (استراتيجية وزارة التربية والتعليم العالي، المصدر نفسه). وبالفعل، يرى طالب حالي في جامعة النجاح وعضو في جبهة العمل التقدمية (الجبهة الشعبية) بأن وعي الغالبية الساحقة من طلاب الجامعة معدوم، حتى في مجال إدراك سياق القضية الفلسطينية. كما أن ارتفاع اقساط الجامعات لا يتناسب مع قدرات الطالب المادية. ففي كلية الحقوق مثلا من تلك الجامعة، يبلغ سعر الساعة الدراسية 30 ديناراً أردنياً. ولتداري انقطاع الدعم المالي الحكومي للجامعات العامة، بادرت مجالس الإدارة بأخذ تبرعات من داعمين من الخليج ومن فلسطينيين متنفذين خارج وداخل فلسطين. لكن الأزمات المالية تبقى سيدة الوضع القائم، سواء في قطاع التعليم ام غيره من القطاعات. الاثر المثير في جامعة النجاح هو أيضا سيادة الروح الاستهلاكية داخل الجامعة و"الأسعار السياحية" بحسب الطالب نفسه. هذا يعني بأن سعر مشروب الكولا مثلا يجب ان يكون اغلى بالضرورة داخل أسوار الجامعة مما هو خارجها. كما يقوم العديد من الطلاب المحتاجين بتأجيل تعليمهم فصلاً أو أكثر في السنة، والعمل، بانتظار أن يستطيعوا تسديد قروضهم.

انتخابات مجالس الطلبة: مشاركة سياسية؟

بتاريخ 23/4/2013 وبعد غياب لمدة 6 سنوات (ما بعد الانقسام السياسي بين فتح وحماس) استطاعت الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح المشاركة في انتخابات مجلس الطلبة، حيث حصلت على 33 مقعدا من مقاعد المؤتمر العام، وحصلت الشبيبة على 43 مقعدا، وحصلت جبهة العمل الطلابي التقدمية التابعة للجبهة الشعبية على 3 مقاعد، والجبهة الديموقراطية على مقعدين. وقد وصلت نسبة الاقتراع الى 69.3 في المئة. يقول احد اعضاء جبهة العمل الطلابي في جامعة النجاح انه بعد هذه الانتخابات الطلابية، تم تأجيل الانتخابات اللاحقة بقرار من رئيس الجامعة. فحسب نظامها الإداري، يجب أن تعقد الانتخابات في نهاية الفصل الاول من السنة الدراسية (تشربن الثاني/نوفمبر). وحتى يومنا الحالي لم تعقد أي انتخابات. الطالب السالف الذكر يعزو ذلك الى "أن جامعة النجاح تعتبر بؤرة لاستقطاب الجهات الأمنية لها"، كما ان انعقاد الانتخابات من عدمها يخضع لحسابات وقراءات الاحزاب السياسية المختلفة للوضع السياسي العام ومدى وجود فرص للنجاح في الحصول على الاصوات. كما انعكس الانقسام السياسي الفلسطيني على مشاركة النساء السياسية في مجالس طلبة الجامعات والتي تعتبر ضئيلة جدا حتى كأعضاء. فحسب "تقرير المرأة والرجل في فلسطين: قضايا وإحصاءات 2013"، الصادر عن جهاز الإحصاء المركزي، والذي تطرق إلى كل الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بلغت نسبة الإناث الاعضاء في مجالس طلبة الجامعات، 26.8 في المئة في مجالس طلبة الجامعات، وأن "بعض الجامعات التي تقع في مدن أكثر محافظة مثل نابلس وجنين لا يوجد في مجالس طلبتها نساء، على الرغم من أن النساء موجودات بشكل واسع في العمل الجماهيري والمجتمعي في هاتين المدينتين".
وفي سياق تفصيلي آخر عن المشاركة السياسية، فقد تم في بداية شهر اذار/مارس الفائت إطلاق نتائج مسح توجهات الطلبة في الجامعات والمعاهد الفلسطينية حول المشاركة السياسية 2014، من قبل "المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار الفلسطيني" (مفتاح) بالشراكة مع الجهاز المركزي للإحصاء. عينة المسح اشتملت على اعضاء مجالس الطلبة خلال العام الماضي، من مؤسسات التعليم العالي، أي الجامعات والمعاهد في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي كان حجمها 1283 طالبا وطالبة. المثير للاهتمام هو أن ما نسبته 38.7 في المئة من الطلبة لديهم رغبة في المشاركة السياسية، بواقع 49.5 في المئة للذكور و30.6 في المئة للإناث.
وفي المسح نفسه عبر 73 في المئة من الطلبة عن اهتمامهم بمناقشة الأمور السياسية مع الآخرين، مع تفاوت في درجة الاهتمام (اهتمام كبير، متوسط، محدود). لكن الصراع الدائر بين اكبر فصيلين سياسيين على الساحة الفلسطينية يتمظهر من خلال اشتداد الاعتقالات السياسية التي تطال انصار حركة حماس في مدينة نابلس كما في باقي المحافظات. وفي معرض الإجابة على جدوى المشاركة السياسية حسب المسح الذي قامت به مؤسسة مفتاح - يرى طالب آخر من جامعة النجاح الوطنية، وهو عضو حالي في جبهة العمل التقدمية - وفي سنته الخامسة في كلية الحقوق، بأن الانتخابات الطلابية عامة تعكس الوضع السياسي الخارجي للجامعات. ويرى ان البعض من الطلاب يأتي إلى الجامعة تلك للحصول على الشهادة فقط بدون الاهتمام بالسياسة، على الرغم من أنه يرى اهمية للمشاركة السياسية للشباب بسبب انها حق من حقوق الإنسان ولأهمية الشباب الفلسطيني تاريخياً في النضال الوطني.
لكنه يرى بأن جامعته "ليست بيئة تؤهل لإنتاج قيادات شبابية أو بث روح نضالية بين الطلبة"، فهناك قمع سياسي شديد في ظل جهاز امني كبير. كما ان الجامعة تفتقد للتعددية في الآراء إلا بما يتفق مع آراء الجامعة. حتى ان بعض الطلاب تم اعتقالهم فقط بسبب إدلائهم برأي مخالف للتوجه السياسي العام في الضفة. كما ورثت السلطة الفلسطينية إرث منظمة التحرير بمشاكلها وأزماتها المالية، فهي ورثت أيضا ميول المنظمة بأسلوبها الفردي في القيادة، والميول التسلطية، وسيادة الاجماع الفصائلي بصيغته الشكلية، مع غياب التوازن والتناغم الداخلي في العلاقات بين الفصائل.
ما يمكن استخلاصه هو انعدام الإطار الحقيقي للمشاركة السياسية للشباب الفلسطيني ليتمخض عنه تغيير مؤسساتي بنيوي عام ومؤثر بسبب هيمنة نظام الحكم السلطوي الأبوي، والفصائلية الحزبية الضيقة واحتكار السلطة. كما نرى أيضا الدور الضئيل لمشاركة النساء في اطارهن الحزبي بشكل محدد في اطار العمل النقابي او في اطار هامشي في داخل أحزابهن، على الرغم من ان نسبة النساء في جامعة النجاح تصل إلى 53 في المئة. والسبب، بحسب الطالب الناشط في جبهة العمل، "أن الحاضنة الاجتماعية في الجامعة ترفض وجود الفتاة الجامعية بشكل مؤثر وقوي في الأطر الطلابية".

 

 

مقالات من فلسطين

رحلة البحث عن رغيف

كُل صباح في الأيام الماضية، حينما أجوب الشوارع، لا أجدني سوى باحث عن الخُبز، وأنا حقيقةً لا أستوعب إلى الآن أن الحال وصلت بي - كما وصلت بكُل الناس- إلى...

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة

مسيف جميل 2024-11-17

لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...

للكاتب نفسه

"فلسطين زي الجنة، فش فيها شغل"!

تختصر تلك العبارة الساخرة التي كتبت على جدار إحدى المدن الضفاوية، وانتشرت منذ سنتين على فيسبوك، معضلة ارتفاع معدلات البطالة في فلسطين، وانعدام فرص العمل للمتخرجين. في الطرف الآخر من...

أناشيد حركة حماس

تطوّرت حماس من حركة على صلة بالإخوان المسلمين، منغلقة على نفسها، الى حركة وطنية فلسطينية مقاوِمة ذات شعبية متزايدة في كلٍ من الضفة الغربية وقطاع غزة. من الأسباب الأساسية لتنامي...