سهام صبري: مناضلة شجاعة من مصر

هي الجمرة التي أشعلت جيلاً بأكمله حماسةً وتنظيماً وإخلاصاً وتجرداً. آمنت سهام وجيلها أن هذا الوطن يخصهم، وأن قضاياه المصيرية هي قضاياهم، وليست قضايا الحكام. الجيل الذي أفاق ذات صباح حزين من حزيران/ يونيو على وقع الهزيمة المدوية المهينة التي ثقبت القلوب، فقرر أن تكون آخر الهزائم التي يقررها الحكام، وأن يعلّي صوته حتى يصم آذان هؤلاء.
2021-12-09

ممدوح عبد المنعم

كاتب، من مصر


شارك
سهام صبري (1951 - 2003)

وددتُ دائماً أن أكتب عن سهام . تلك الجمرة الملتهبة التي أشعلت جيلاً بأكمله حماسةً وتنظيماً وإخلاصاً وتجرداً. انتسبت سهام إلى ذلك الجيل الذي آمن أن هذا الوطن يخصه، وأن قضاياه المصيرية هي قضاياهم بالدرجة الأولى، وليست قضايا حكام هذا الوطن. الجيل الذي أفاق ذات صباح حزين من حزيران/ يونيو على وقع الهزيمة المدوية المهينة التي ثقبت القلب، فقرر أن تكون هذه هي آخر الهزائم التي يقررها الحكام، وأن يعلّي صوته حتى يصم آذان هؤلاء.

ما جرى من فوران جارف للحركة الطلابية في الجامعة المصرية منذ نهاية الستينيات، وأوائل السبعينيات من القرن الماضي لم يكن سوى حلقة في سلسلة طويلة امتدت منذ اندلاع ثورة عام 1919، وما تلاها من أحداث ثورة مصر المنسية في عام 1935، مروراً بحادثة كوبري عباس [1] عام 1946، وما تخلل ذلك وما تلاه من صور التحدي والاحتجاج التي أراد المصريون أن يعلنوا بها وجودهم المنسي في سجلات الحكام، وأن يضعوا توقيعهم بالبنط العريض على مسار الأحداث التي جرت، ولا تزال.

عندما التحقت سهام صبري بكلية الهندسة في جامعة القاهرة، ربما لم تكن السياسة واحدةً من شواغلها التي انحصرت حينها بين الرسم و قراءة الشعر باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، بعد أن تلقّت تعليماً رفيع المستوى منتسبةً إلى بيت يقع في قمة الطبقة المتوسطة المصرية، لأب لواء في الجيش المصري اتسم بالنزاهة والتفاني، وأمّ تحمل في عروقها الدماء التركية، وقد ورثت عنها سهام ملاحتها اللافتة ورقتها الآسرة.

وهناك، في الجامعة، خُلقت سهام من جديد كأنها كانت منذورةً لتلك الأيام والسنوات الفوارة بالملاحم. وفي "جماعة أنصار الثورة الفلسطينية" رأت سهام غاياتها في الحياة تتضح بغير مواربة أو إعتام.. كانت مصر حينها تقف في تلك المنطقة الغائمة بين هزيمة مهينة ومدوية، ورغبة شعبية عارمة في الخلاص من آثار تلك الهزيمة، وجيش يود استعادة عافيته انتظاراً ليوم الثأر، وقيادة سياسية بدت مترددة في حسم المواجهة مع العدو بذرائعَ لم تقنع الناس في ذلك الوقت، وبدت مثيرةً للسخرية.

أدرك ذلك الجيل الذي انتمت إليه سهام، والذي شكّل نشاط الحركة الطلابية في تلك الفترة، أن معركته الحقيقية هي معركة الديمقراطية، وأن أسوأ ما يمكن أن يحدث لمصر مجدداً هو تلك السلطة الأبوية التي يفرضها الحكام، مفترضين بها أن الوطن هو وديعتهم الخاصة، وأن على الجميع أن يصمت لأنه "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة". وربما تجسدت هذه المفارقة بجلاء في موقف سهام من والدها الذي رفض منذ اللحظة الأولى انضمامها إلى الأنشطة السياسية للحركة الطلابية، وطالبها بعدم التدخل في شؤون السياسة، وأن قرار الحرب في النهاية هو قرار الحاكم وحده. ربما أراد الرجل أن يخبرها كعسكري مخضرم أن المعركة لا بد آتية، وهو الذي خاض حرب الاستنزاف ببسالة استثنائية. ولكن سهام ومن ورائها ذلك الجيل المتمرد الثائر أراد أن تصل رسالته بوضوح: فهم عندما وضعوا ثقتهم الكاملة في الحكم، وصمتوا مفسحين الطريق للأحلام العريضة، أفاقوا على وقع الألم العاصف، الألم فقط.. ساعتها أدركوا أنه بالفعل:

 "عدّى النهار،

و المغربية جايّة

تتخفّى ورا ضهر الشجر

وعشان نتوه في السكة

شالِت من ليالينا القمر".

وأنه آن الأوان لهؤلاء الحكام أن يرضخوا لمطالب الناس.

تهيئت سهام للزعامة كأنها خُلقت لها بغير ادعاء أو تصنّع. قامة مديدة متماسكة وملامح نبيلة وتواضع جم ومزج عجيب بين الرقة والصلابة، فكأنها تذكرنا بما قاله نزار قباني في وصف حبيبته بلقيس "كانت مزيجاً رائعاً. بين القطيفة والرخام". تقف بين الجماهير كملكة صهباء كأنها تستشرف ملامح المستقبل، وتخطب في جموع الطلبة مناديةً بالحرية والكرامة والديمقراطية..

أدرك الجيل الذي انتمت إليه سهام، والذي شكّل نشاط الحركة الطلابية في تلك الفترة، أن معركته الحقيقية هي معركة الديمقراطية، وأن أسوأ ما يمكن أن يحدث لمصر مجدداً هو تلك السلطة الأبوية التي يفرضها الحكام، مفترضين بها أن الوطن هو وديعتهم الخاصة.

 امتلكت سهام تلك الموهبة الخطابية الفذة التي لم يماثلها فيها من رموز الحركة الطلابية حينها إلا زميلها "أحمد عبد الله رزة" قائد الحركة ومؤسس "جماعة أنصار الثورة الفلسطينية" رحمة الله عليه.

أحبت سهام الحياة والناس، ما جعلها تتمنى أن تصل الثقافة والعلم حتى لتك الفروع اليابسة من الشجرة، فقامت مع مجموعة من زملائها وزميلاتها بإنشاء فصول لمحو أمية أبناء العمال في الكلية، والجيران في حي "بين السرايات" القريب، فاتصلت وشائجهم مع الناس الذين سيلتحمون بهم في مواجهة تغوّل السلطة الوشيك على الحركة.

ومع بزوغ نجم سهام لقّبها زملاؤها بـ"زهرة الحركة الطلابية".. يقول زميلها الطالب الفلسطيني "صالح عبد الجواد": "لا أعرف أول من أطلق ذلك اللقب عليها. لكن طالما كانت سهام تستدعي للذهن القائدة اليسارية الفذة خلال الحرب الأهلية الإسبانية في الثلاثينيات "دولوريس إيباروري" صاحبة الشعار الشهير "لن يمروا" (أي لن يعبر الفاشيون الإسبان بقيادة الجنرال فرانكو مدينة مدريد)، والتي لقبت بالباسيوناريا Pasionaria وهو اسم زهرة جميلة تنمو في حوض المتوسط".

عندما أتأمل ما فعلته سهام وهي في تلك السن المبكرة، وفي ما تمتلك من الجسارة الاستثنائية، أتعجب غاية العجب.. فعندما أرسل السادات مندوبه "الدكتور أحمد كمال أبو المجد"، وزير الشباب إلى الجامعة للرد على استفسارات الشباب بعد أن تفاقمت الأمور وتصاعدت الاحتجاجات في داخلها ضد سياسات الرئيس، وقف الرجل مرتبكاً وهو يحاول الرد على سيل الأسئلة المنهمر من الطلاب، دون أن يفلح في إقناعهم بأي حجة. وبعد أن فشل تماماً في تهدئتهم، أو إقناعهم بالتخلي عن تلك الاحتجاجات التي أزعجت النظام، أخبرهم أنه مجرد "بوسطجي" يحمل رأي الرئيس، وسوف يحمل آراءهم إلى الرئيس! في تلك اللحظة تقدمت سهام صائحةً في وزير الشباب "إذا كنتَ -وأنت وزيرٌ للشباب- تعترف بأنك مجرد بوسطجي لرئيس الجمهورية، فاذهب وأخبره أننا لن نتحرك من هنا إلا إذا حضر هو بشخصه للإجابة عن تساؤلاتنا". وانتهى المؤتمر ليدخل طلاب كلية الهندسة في اعتصام مفتوح قبل أن ينتقل الاعتصام إلى قاعة المؤتمرات، ومنه إلى جامعات الإسكندرية والمنصورة وعين شمس وحلوان والقاهرة .

أحبت سهام الحياة والناس، ما جعلها تتمنى أن تصل الثقافة والعلم حتى لتك الفروع اليابسة من الشجرة، فقامت مع مجموعة من زملائها وزميلاتها بإنشاء فصول لمحو أمية أبناء العمال في الكلية، والجيران في حي "بين السرايات" القريب، فاتصلت وشائجهم مع الناس الذين سيلتحمون بهم في مواجهة تغوّل السلطة الوشيك على الحركة.

 "كانت تمتلك شخصيةً طاغية التأثير على كل من حولها. كانت تتحدث بصوت عالٍ، ويداها لا تكفان عن التلويح من فرط الحماسة. تشرح وتناقش، ثم تتوقف للحظات تستمع إلى زميل يناقشها، ثم نندفع من جديد تتحدث مع الجميع في آن واحد. ولا تنسى في وسط هذا أن تشير إلى زميل بتكليف ما أو بمراجعة أمر معين.. فيتحرك على الفور". 

تلك هي الفترة التي بلغت فيها سهام ذروة انصهارها مع الحركة الطلابية، لتتحول إلى رمز يتردد صداه خارج جامعة القاهرة، وإلى تلك الهالة المتوهجة التي اجتذبت طلاب جامعة عين شمس كي يلتحموا بزملائهم هناك في جامعة القاهرة. يخبرنا "رفعت بيومي" الطالب وقتها في هندسة عين شمس، عن ذلك اليوم الأول الذي رأى فيه سهام: "في الوسط.. كانت تقف فتاة. عيناها بزرقة السماء، مسدلة الشعر على كتفيها، يميل لونه إلى البني الفاتح، بيضاء البشرة، تميل إلى الطول. كانت تمتلك شخصيةً طاغية التأثير على كل من حولها. سهام صبري .. كانت تتحدث بصوت عالٍ، ويداها لا تكفان عن التلويح من فرط الحماسة. تشرح وتناقش، ثم تتوقف للحظات تستمع إلى زميل يناقشها، ثم نندفع من جديد تتحدث مع الجميع في آن واحد. ولا تنسى في وسط هذا أن تشير إلى زميل بتكليف ما أو بمراجعة أمر معين.. فيتحرك على الفور".

نفذ صبر السادات أخيراً، وتحللت تلك القشرة الهشة من الديمقراطية التي تباهى دائماً بأنه يتميز بها عن سلفه، وهكذا قامت قوات الأمن في ساعة مبكرة من يوم 29 كانون الأول/ ديسمبر عام 1972 باعتقالات واسعة شملت القيادات البارزة في الحركة الطلابية.

خطوة غادرة ومفاجئة جعلت الطلبة يقررون الخروج من اعتصامهم إلى الشارع. يقول صالح عبد الجواد: "صبيحة يوم الأربعاء 3 كانون الثاني/ يناير 1973 استقرّ رأي غالبية الطلبة في القاعة الكبرى على ترك الاعتصام قرب الساعة الحادية عشرة صباحاً، والخروج إلى الشارع في تظاهرة كبرى تضم بضعة آلاف. اندفعت التظاهرة بقوة كالسيل الجارف من البوابة الرئيسية للجامعة باتجاه تمثال "نهضة مصر"، مختلطةً بالمشاة والأتوبيسات التي تمر بالشارع، لكن ما إن ابتعدت بضع عشرات الأمتار في الشارع الرئيسي، حتى كانت قوات الأمن المركزي المتأهبة بتشكيلاتها الهندسية بانتظارها".

كانت سهام صبري على رأس التظاهرة تقودها بجرأة وشجاعة، تُحمّس الجموع، تعطي التوجيهات وتصدح بالشعارات. وَوُجِهَ الطلاب، ومن دون إنذار، بضرب العصي والغازات المسيلة للدموع، وعلى الرغم من عدد المتظاهرين الكبير، استطاعت قوات الأمن المركزي المستعدة والمدربة، بعد اشتباكات قصيرة وقاسية، من تشتيت التظاهرة واعتقال بعض الطلبة. نجحت سهام وآخرين في إقناع الطلبة بالتقهقر للعودة إلى حرم الجامعة وإغلاق أبوابها حمايةً لهم.

في مساء اليوم نفسه تم اعتقال سهام صبري أثناء عودتها إلى منزلها. وفي اليوم التالي تم عرضها على النيابة التي واجهتها بحزمة التهم المعروفة على الدوام، وهي بث دعاية مثيرة من شأنها الإضرار بالمصلحة العامة! فأجابت سهام "إننا لا نهتم بما يتهمنا به القانون، لأننا وطنيون لا نخاف من القانون، وفي أيام الإنجليز كان القانون يخدم الاحتلال، ولكن كل الشرفاء قالوا كلمتهم وعوقبوا حسب القانون. ولقد شاهدنا أنه لا توجد ديمقراطية، وأن الأجهزة الشرعية كلها تقمع الديمقراطية، فتحركنا وسنتحرك دائماً لرفض "الحل السلمي"  وقمع الديمقراطية ولن نسكت أبداً لأننا أبناء مصر. ليس لفرد وحده في العالم حق تقرير مصير هذا البلد".

نفذ صبر السادات أخيراً، وتحللت تلك القشرة الهشة من الديمقراطية التي تباهى دائماً بأنه يتميز بها عن سلفه، وهكذا قامت قوات الأمن في ساعة مبكرة من يوم 29 كانون الأول/ ديسمبر عام 1972 باعتقالات واسعة شملت القيادات البارزة في الحركة الطلابية. 

وعندما سألها المحقق عما إذا كان قد صدر عنها خلال نشاطها بالكلية أي كتابات أو أقوال تتضمن انتقاد أسلوب الحكم القائم أو الهجوم عليه، أجابت بنعم قاطعة، وقالت: "في كل المقالات التي أكتبها أو أقولها في المؤتمرات، هاجمتُ أسلوب قمع الديمقراطية، والسعي إلى الحل السلمي المتهادن مع أمريكا، بكافة أشكالهما".

أصبحت سهام بين براثن القبضة الغليظة، لكنها لم تتخلَ عن جسارتها أو مبادئها. قالت ما كانت تؤمن به، وما ظلت تؤمن به بعد ذلك بغير مواربة أو خوف. وهناك خلف أسوار المعتقل طارت الأخبار عن اعتقال سهام صبري، فكتب أحمد فؤاد نجم الذي كان قد سبقها إلى الاعتقال "بكائية يناير" الشهيرة التي حلقت فوق الأسوار، وعبرت كي تصل إلى مصر كلها، وإلى العالم.

أنا رحت القلعة وشفت ياسين

حواليه العسكر والزنازين

والشوم والبوم وكلاب الروم

يا خسارة يا أزهار البساتين

عيطي يا بهية على القوانين

أنا شفت شباب الجامعة الزين

أحمد و بهاء و الكردي وزين

حارمينهم حتى الشوف بالعين

وف عز الظهر مغميين

عيطي يا بهية على القوانين

وقابلت سهام

ف كلام إنسان

منقوش ومأثر ف الجدران

عن مصر وعن عمال حلوان

مظاليم العهد المعتقلين

عيطي يا بهية على القوانين

ونتيجة الضغوط العارمة من الطلبة والمثقفين وفئات الشعب، تم الإفراج عن سهام ورفاقها، وهي شرعت منذ اللحظة الأولى للإفراج عنها في مواصلة طريقها نحو الهدف الذي أرادته الحركة الطلابية، ومن خلفها مصر جميعاً في الضغط على السلطة من أجل حرب كانت حتمية، وتلكأ النظام كثيراً في خوضها قبل أن تأتي أخيراً في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر 1973 لتضمّد مصر جراحها المفتوحة وتستعيد كرامتها المبعثرة.

اعتقلت سهام صبري، وعرضت على النيابة التي واجهتها بحزمة التهم المعروفة على الدوام، وهي بث دعاية مثيرة من شأنها الإضرار بالمصلحة العامة! فأجابت سهام "إننا لا نهتم بما يتهمنا به القانون، لأننا وطنيون لا نخاف من القانون، وفي أيام الإنجليز كان القانون يخدم الاحتلال، ولكن كل الشرفاء قالوا كلمتهم وعوقبوا حسب القانون.

ولا شك أننا في حاجة إلى مزيد من الدراسات الجادة المستفيضة عن دور الحركة الطلابية في تلك الفترة، ومدى مساهمتها في الضغط على النظام، والطريقة التي تعامل بها هذا الأخير مع تلك الحركة. وأيّاً كانت ذرائعه حول سرية قرار الحرب أو التأهب والاستعداد لها، فإن التعامل الخشن مع تلك الحركة ورموزها والاعتقالات، ستظل واحدةً من أسوأ ما أفرزته الديكتاتوريات التي حكمت مصر ولقّنتها لبعضها البعض، فصار العنف هو الطريقة الوحيدة التي تعاملت بها السلطة مع مطالب الشعب مهما بلغ تواضعها أو سلميتها، قبل أن يجرى تدجين كافة الأنشطة الطلابية في الجامعات، وتحويلها إلى سيرك هزلي يدور في فلك الأنظمة المتلاحقة.

انتهت الحرب، ولكن الديكتاتورية دخلت مرحلةً جديدة من تاريخ مصر، وأمعن السادات في المضي قدماً نحو غاياته والتي دشنت عصراً جديداً من التبعية الكاملة لأمريكا، ونمو طفيليات الانفتاح وتغير الخريطة الاجتماعية والسياسية التي دمغت مستقبل مصر حتى الآن.

ظلت تلك الومضة التي لمعت في الحركة الطلابية، ثم انطفأت بعد ذلك، دليلاً على حيوية هذه البلاد، وتفجر طاقاتها التي تظهر في وقت الأزمات والمحن. فماذا عن سهام ؟

يخبرنا أخوها "نبيل صبري" الذي كان واحداً من طليعة الحركة الطلابية في تلك الفترة: "كان لانحسار الحركة الطلابية في تلك الفترة أثر سلبي على سهام ربما لا يعادله ما شعر به أي إنسان آخر في ذلك الوقت. كانت سهام بين الجماهير كالسمكة في الماء، ولكن حينما جفّت الوديان ظلت منتظرةً بشوق من السماء أن ترحمها بوابل من المطر. ولكن طول الانتظار للوعد أثّر سلباً على سهام، بل وتضاعف تأثيره مع الزمن حتى وفاتها قبل سقوط بغداد بأيام. سقطت سهام فريسة الاكتئاب وصامت عن الكلام مرات عديدة كانت تتوقف خلالها عن الإفصاح عما يختلج بداخلها. وكانت تكتفي بتسيير أمورها الضرورية عبر الورق. وفي كل مرة كان الانقطاع عن الكلام يطول أكثر من سابقه. وفى المرة الأخيرة طال الانقطاع حتى بلغ عاماً كاملاً حاولنا خلاله إخراجها من تلك الحالة بلا جدوى".

ماتت سهام في حادثة سيارة ذات صباح حزين من آذار/ مارس عام 2003 قبل أن تشهد ومضة سحرية جديدة مرت كشهاب ساطع في سماء مصر في كانون الثاني/ يناير 2011. كأن ذلك الجيل كان يتسلم الراية من جيل السبعينيات.

وماتت أيضاً قبل أن تشهد لحظة انطفاء الحلم وانكفاء كل من شارك فيه مجدداً، كأنه لا جديد تحت شمس المحروسة...

مع اليقين بتجدد الومضات... حتماً! 

______________

[1] التظاهرة التي دعت إليها "اللجنة التنفيذية العليا للطلبة"، وأعقبت مؤتمرات تندد بحالة البلاد في ظل الاحتلال، وتطالب بإلغاء "معاهدة الدفاع المشترك" مع بريطانيا، وبالجلاء التام. شارك طلاب المدارس في المؤتمر الأول الذي انعقد في جامعة القاهرة يوم 9 شباط/ فبراير 1946. وخرجت من الجامعة أضخم مظاهرة عُرفت منذ قيام الحرب العالمية الثانية، فعبرت شارع الجامعة، ثم ميدان الجيزة إلى كوبري عباس حيث حاصرتها الشرطة، وبدأت بالاعتداء على الطلبة، فسقط البعض في النيل وقتل وجرح أكثر من مئتين منهم. وفي اليوم ذاته حدثت مظاهرة في المنصورة وفي أسوان، وفي اليوم التالي عمّت المظاهرات القاهرة والبلاد. ويُستحضر كذلك "كوبري عباس" في مظاهرات 1935 الطلابية الشهيرة.

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه

عمْ "سيِّد"

هو أحد أقارب والدي، لا أراه إلا نادراً. عرفتُ قصته بالصدفة في حوار عائلي عابر، ولكن الرجل – بعد تردد - أطلعني على بقية التفاصيل المؤلمة، التى لايعرفها إلا قلة...