مع الانهيار الاقتصادي الحاصل في سوريا، وما يرافقه من تدهور الأوضاع المعيشية للناس، تحاول الدولة رفد خزينتها الفارغة من جيوب المواطنين. وواحدة من الوسائل تتلخص بفرض ضرائب كبيرة على شراء وتأجير العقارات، من خلال "قانون البيوع العقارية".
في 25 آذار/ مارس 2021، أقر مجلس الشعب السوري قانون "ضريبة البيوع العقارية"، الذي يعتمد على استيفاء الضريبة على العقارات المباعة وفق قيمتها الرائجة، بدلاً من القيمة المعتمدة في السجلات المالية.
أدى تنفيذ القانون إلى كساد سوق العقارات بسبب ارتفاع أسعارها وإيجاراتها. حصل عزوف عن عمليات البيع والشراء بسبب القيود المفروضة عليها، وارتفاع القيمة الرائجة التي فرضتها اللجان المختصة، ومعها الضرائب التي يتوجب تسديدها في بلد دمرت الحرب الكثير من أبنيته السكنية، ويعاني معظم سكانه من الافتقاد للمأوى، ومن النزوح والتشرد.
نص القانون على إعادة النظر بقيمة العقارات في كافة المناطق بسوريا، عبر لجنة يرأسها وزير المالية. وبناءً على التقييم الجديد (القيمة الرائجة) سوف يتم اقتطاع الضرائب على أي عملية بيع عقارية، دون الاعتراف بالقيمة التي يتفق عليها البائع والمشتري.
ويحدد مقدار الضريبة على البيوع العقارية بمعدل 1 في المئة من القيمة الرائجة للعقارات السكنية، و2 في المئة للأراضي الواقعة داخل المخطط التنظيمي المصدّق، و1 في المئة للأراضي الواقعة خارج المخطط التنظيمي المصدّق، و3 في المئة عن بيع العقارات غير السكنية، و1 في المئة للأسطح في العقارات السكنية.
"صدر قانون البيوع العقارية بسبب التضخم الحاصل في القيمة النقدية لليرة السورية، والفوارق الكبيرة بين قيمة الضريبة قبل عشر سنوات والآن، علماً أن دخل المواطن ثابتٌ منذ عشر سنوات أيضاً!".
وتحدد معدلات ضريبة البيوع على العقارات التي تؤول هبة، بمعدل 15 في المئة من المعدلات المنصوص عليها في الفقرة السابقة، إذا كانت للأصول والفروع والأزواج، فيما تُعامل باقي معاملات الهبات معاملة البيوع العقارية العادية، باستثناء الوصية الواجبة التي تعامل معاملة الهبة وفقاً لأحكام هذا القانون.
وتحظر مواد القانون على دوائر السجل العقاري وكتاب العدل وكل جهة مخولة بتسجيل الحقوق العينية العقارية، توثيق أو تسجيل أي حق عيني عقاري ما لم يُبرِز أصحاب العلاقة براءة الذمة من الدوائر المالية ذات العلاقة، ويُعد باطلاً كل توثيق أو تسجيل يتم خلافاً لذلك، فيما يحظر على المحاكم إصدار الأحكام المتعلقة بتثبيت البيوع العقارية أو حق الإيجار إلا بعد تقديم وثيقة من الدوائر المالية تُشعِر بتسديد مبلغ يعادل الضريبة المتوجبة على موضوع النزاع بالدعوى.
وتشير المواد إلى خضوع العقارات غير السكنية المؤجرة للسوريين وغيرهم لضريبة دخل بمعدل 10 في المئة من بدل الإيجار السنوي الوارد في عقد الإيجار، على ألا تقل ضريبة الدخل عن 6 بالعشرة آلاف من القيمة الرائجة للعقار المؤجر، وخضوع العقارات السكنية المؤجرة للسوريين وغيرهم لضريبة دخل بمعدل 5 في المئة من بدل الإيجار السنوي، على ألا تقل عن3 بالعشرة آلاف من القيمة الرائجة للعقار المؤجر.
غير دستوري؟
القانون، كما وصفه قانونيون، غير دستوري، لأنه يحظر على المحاكم إصدار الأحكام المتعلقة بتثبيت البيوع العقارية أو حق الإيجار إلا بعد تقديم وثيقة من الدوائر المالية تُشعِر بتسديد مبلغ الضريبة المفروضة. يوضح محامٍ معروف: "هناك مساس باستقلال القضاء، وتوجيه من مرجع لا يحق له فرض رد دعوى أو قبولها، وهذا انتهاك لاستقلالية السلطة القضائية. يجب عدم التدخل بعمل القضاء، والقاضي لا رقيب عليه سوى قناعته وضميره. يفترض أن هناك مؤسسات وسلطات في الدولة لكل منها حدودها، إن قبول الدعوى أو ردها منوطٌ بالسلطة القضائية، ولا سلطة على القضاء".
كما أن فتح الحساب وإيداع المصرف يشكل عبئاً غير مبرر على البائع والشاري، لا سيما البيع بدعوى قضائية، فماذا لو ردّت الدعوى؟ ثم كيف تُحدد "القيمة الرائجة للعقار" وما هي ضوابط تحديدها؟ هل يجوز أن تترك لمزاجية اللجان؟ ومبلغ الضريبة مرتفع سواء كان في البيوع أو الإيجارات. فمع الارتفاع الحاصل في أسعار العقارات مبيعاً وإيجاراً، جاء القانون ليضيف عبئاً جديداً على كاهل المستأجر والشاري.
يصل وزارة المالية يومياً الكثير من الأسئلة التي لا توجد لها إجابة. كل يوم يظهر تفصيل جديد يتبعه قرار جديد صادم. مؤخراً صدر قرار المهن العلمية ومضمونه أن "أي شخص يمارس مهنةً علمية في عقار سكني يعتبر تجارياً ولو مسجل غير تجاري"، فيدفع ضريبةً مضاعفة. وهذا مجحف بسبب الظروف المعيشية القاسية، وتراجع مردود مختلف المهن.
يؤكد قاضٍ طلب عدم ذكر اسمه أن بعض مواد "قانون البيوع العقارية" غير دستورية، ويضيف: " القانون فرض وجود ورقة براءة ذمة من المالية قبل إصدار الحكم، وعند وجود نص قانوني مخالف للقانون الأم، وهو القانون المدني أو الدستور، فإن القاضي لا يأخذ به. لذلك هناك الكثير من القضاة بدعاوى تثبيت البيع يصدرون الحكم دون هذه الورقة التي توقف إجراءات التقاضي، لأن هذا القانون في مادته هذه يتجاوز العمل القضائي، فلا يجوز أن أوقف نزاعاً قضائياً من اختصاص المحكمة من أجل نص مادة مخالفة للدستور والقانون. فالمحكمة تنفذ قانون أصول المحاكمات والقانون المدني، وتصدر القرار دون أي تدخل من أحد أو فرض أوراق. جرى استعجال في صدور القانون. في وزارة العدل لجنة "إدارة تشريع" يجب على أي قانون يصدر أن يُعرض عليها للدارسة، لفحص إن كان يتعارض مع قانون آخر، ومقصد المشرع من كل لفظ، وصياغته اللغوية وغيره، لكي يكون مستوفي كافة الشروط القانونية. وهذا القانون لم يدرس وهو مستعجل وغير مستوفي الشروط القانونية".
قانون مبهم
القانون مبهم ومجحف بحق المواطنين ولا يتطابق مع مصلحتهم، فمن أصدره لم يفرّق بين المواطن العادي وتاجر العقارات، ولم يُنْصف المواطن العادي الذي لا يملك سوى عقاره. كما أن آلية تطبيقه غير واضحة، وهو يحتاج لكثير من الشرح والتسهيلات، بالإضافة لعدم توفر التعليمات التنفيذية إلى حد الآن من وزارة المالية، كما وصفته أستاذة في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، وأضافت: "قانون البيوع العقارية صدر بسبب التضخم الحاصل في القيمة النقدية لليرة السورية، والفوارق الكبيرة بين قيمة الضريبة قبل عشر سنوات والآن، علماً أن دخل المواطن ثابتٌ منذ عشر سنوات أيضاً!".
قدر منزل في دمشق كقيمة رائجة من قبل اللجان بـ 700 مليون ليرة سورية، وهو مباع بمبلغ 400 مليون ليرة. وبسبب اضطراره لبيع العقار، دفع صاحبه الضريبة على مبلغ 700 مليون ليرة، أي بمعدل 7 ملايين ليرة، فالضريبة تدفع حسب القيمة الرائجة، بغض النظر عن السعر المباع به ولو كان منخفضاً.
تضيف الأستاذة التي تعمل أيضاً في وزارة المالية، "عندما يصلنا استفسار عن حالات مبهمة في القانون من قبل المواطنين، نطلب الانتظار ريثما يصدر قرار يوضح التفصيل. كل تفصيل يحتاج لجاناً تفسره حتى تصدر تعليمات تنفيذية واضحة، نستطيع من خلالها التعامل مع حالة البيع العقارية المتوفرة لدينا. يصلنا يومياً الكثير من الحالات والأسئلة التي لا توجد لها إجابة، كل يوم يظهر تفصيل جديد يتبعه قرار جديد صادم. مؤخراً صدر قرار المهن العلمية التي تشغل العقارات ومضمونه أن "أي شخص يمارس مهنةً علمية في عقار سكني يعتبر تجارياً لو مسجل غير تجاري"، بحيث تحصى الضريبة كقيمة رائجة تجارياً، وبالتالي يدفع ضريبةً مضاعفة، كمثال أن يكون العقار المستأجر سكنياً من قبل صاحب مهنة علمية يعمل ضمن سكنه فيعامل معاملة التجاري وبالتالي تتضاعف الضريبة. وهذا القرار مجحف بسبب الظروف المعيشية القاسية، وتراجع مردود مختلف المهن، وخاصةً للذين يبدأون حياتهم المهنية. كما ستترتب عليه صعوبة الاستئجار، فأصحاب المهن العلمية سيقابلون برفض تأجيرهم العقار، لما يترتب على المالك من تسجيل عقاره تجارياً في سجلات الدولة، ويفرض عليه ارتباكات ومعاملة جديدة لإعادته "سكنياً" ليتمكن من تأجيره كعقار سكني لاحقاً، فالضريبة مفروضة في حال البيع أو التأجير.
القانون لم يحدد من يدفع الضريبة، البائع أم الشاري. والمتعارف عليه سابقاً أن البيع يكون على الشاري والتأجير على المؤجِّر، لكن مع صدور القانون وارتفاع الضريبة يكون الأمر بالاتفاق بين الطرفين.
كساد سوق العقارات
صرح وزير المالية أن حجم البيوع العقارية التي تمت خلال 23 يوماً بعد صدور قانون البيوع العقارية رقم 15، تجاوزت 1850 عملية بيع، فيما أوضح الخبير العقاري "عمار يوسف" في إحدى الصحف المحلية أن حجم البيوع العقارية بعد صدور القانون يعادل تقريباً حجم البيوع العقارية خلال يوم عمل واحد في سوريا قبل إصدار القانون، فإن حجم البيوع العقارية التي كانت تتم قبل تطبيق القانون تبلغ ما بين 25 و30 ألف عملية بيع شهرياً.
غالباً ما يضطر الأفراد لبيع عقاراتهم بسبب الفقر ولتسديد ديونهم وتأمين ضروريات الحياة، وهم يواجهون هنا خسارةً مضافة. كما هو يفاقم أزمة السكن في سوريا بعد أن دُمرت ربع مساكن البلاد.
تضمّن القانون الجديد أيضاً اشتراط إتمام عملية بيع العقار السكني بإيداع 5 ملايين ليرة من المالك أو وكيله أو خلفه، وتجميد 500 ألف ليرة في البنك لمدة ثلاثة أشهر. كما يمنع بيع أو فراغ سيارة أو عقار دون قيام البائع أو خلفه أو وكيله بإيداع مبلغ 5 ملايين ليرة سورية لدى البنك العقاري.
وكذلك، فعندما كان يرتفع سعر الصرف في بعض الأحيان، تقع هزات في السوق العقارية، فيرتفع حجم البيوع لأكثر من 1850 عملية بيع خلال يوم واحد، ويصل أحياناً إلى 2300 عملية بيع وشراء. قانون البيوع العقارية، وإن كان حدّ من المضاربة في سوق العقارات، إلا أنه أدى إلى انتشار حالة جمود في هذا السوق.
تقييم اللجان للقيمة الرائجة للعقار
القيمة الرائجة تحدد من قبل اللجان التي عينتها الدولة، وهي بالتالي ما يحدد قيمة الضريبة المستحقة. أطلق هذا الإجراء يد اللجان لتضع القيمة دون أي حدود أو ضوابط وفق مصلحة وزارة المالية، التي يهمها فقط ضخامة مبالغ الإيرادات التي تحصّلها من الأفراد. تقول موظفة في وزارة المالية: "يتم التقييم من خلال سجلات ومخططات المحافظة الموضوعة من قبل اللجان. كل لجنة تدرس منطقة ويتم تحديد سعر المتر. قبل صدر القانون، تمّ تقييم 75 في المئة من المناطق في سوريا من قبل خبراء التقييم العقاري. يقوم الموظف بتحديد موقع العقار على الخريطة وإدخال المواصفات، والحاسب هو من يعطي القيمة الرائجة للعقار. ولكن القيمة الرائجة التي تقدّرها اللجان للعقار تمثل أكثر من أربعة أضعاف قيمته الحقيقية. وأضافت:" راجعتنا في وزارة المالية سيدةٌ تود بيع محلها لمعرفة قيمته الرائجة المقدرة، والتي على أساسها سيتوجب عليها دفع الضريبة. وجدت التقييم من قبل اللجان لسعر عقارها 400 مليون ليرة سورية، في حين أن سعره الحقيقي (المعروض والمتداول) هو 100 مليون... كما زارنا مراجع آخر لديه منزل في دمشق تمّ تقدير سعره كقيمة رائجة من قبل اللجان بـ 700 مليون ليرة سورية، وهو مباع بمبلغ 400 مليون ليرة. وبسبب اضطراره لبيع العقار، دفع الضريبة على مبلغ 700 مليون ليرة، أي بمعدل 7 ملايين ليرة، فالضريبة تدفع على حسب القيمة الرائجة، بغض النظر عن السعر المباع به ولو كان منخفضاً. هناك عشوائيةٌ كبيرة بوضع الأسعار. تصلنا الكثير من الشكاوى من قبل الناس على الأسعار المُقيّمة من قبل الدولة".
فتح الحساب وإيداع مصرفي بقيمة 5 ملايين ليرة
تضمّن القانون الجديد أيضاً اشتراط إتمام عملية بيع العقار السكني بإيداع 5 ملايين ليرة من المالك أو وكيله أو خلفه، وتجميد 500 ألف ليرة في البنك لمدة ثلاثة أشهر. كما يمنع بيع أو فراغ سيارة أو عقار دون قيام البائع أو خلفه أو وكيله بإيداع مبلغ 5 ملايين ليرة سورية لدى البنك العقاري.
"التعفيش" في الحرب السورية
26-10-2016
تشير الأستاذة في كلية الاقتصاد، إلى أن القيود القاسية المفروضة على شراء أو بيع عقار غير مبررة، وخاصةً في بلد مثل سوريا. فالقانون لم يراعِ الحالات المختلفة لعمليات البيع والشراء، وهو مجحفٌ بحق فئات كثيرة من الناس كهؤلاء الذين لا يملكون المبلغ المطلوب إيداعه، كما في حالة ما إذا كان العقار إرثاً لعدة أخوة.
كما أن تحديد معدلات ضريبة البيوع على العقارات التي تؤول هبةً أو بموجب الوصية الواجبة، بمعدل 15 في المئة من المعدلات على البيوع العادية، يتضمن ظلماً كبيراً للوالدين اللذين يريدان وهب العقار لأولادهما، فالهبة لا تعتبر صفقةً، ولا تتضمن دفع الثمن. وكذلك الحال بالنسبة للعقار الذي ينتقل بموجب الوصية الواجبة من الجد إلى الحفيد اليتيم مثلاً، الذي فرض القانون عليهما ما نسبته 15 ضعفاً زيادةً على الضريبة المفروضة على البيوع العادية.
صرح وزير المالية أن حجم البيوع العقارية التي تمت خلال 23 يوماً بعد صدور قانون البيوع العقارية رقم 15، تجاوزت 1850 عملية بيع، فيما أوضح خبير عقاري في إحدى الصحف المحلية أن حجم البيوع العقارية بعد صدور القانون يعادل تقريباً حجم البيوع العقارية خلال يوم عمل واحد في سوريا قبل إصدار القانون.
ويشمل القانون المركبات والسيارات. فإن أراد شخص بيع دراجة نارية وهي تعتبر وسيلة نقل، وثمنها 800 ألف ليرة سورية، فعليه حتى يتمكن من البيع والفراغ إيداع خمسة ملايين ليرة في البنك، وتجميد 600 ألف ليرة سورية لمدة ثلاثة أشهر!!
ضريبة نكول البيع
وكانت آخر القرارات المنبثقة عن القانون تتعلق بعملية إلغاء البيع (النكول)، وكان مضمونها: "في معرض تطبيق أحكام القانون رقم 15 -2021 الناظم للبيوع العقارية وفق القيمة الرائجة، اعتبار عملية النكول عن المبيع بمثابة عملية بيع واجبة التكليف بضريبة البيوع العقارية وفق القانون بتاريخ التصريح بالنكول.
ما بعد الخمسة آلاف ليرة سورية...
06-03-2021
القرار الصادر والموجه إلى دائرة العقارات، أثار ضجةً واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، لكونه يفرض ضريبة البيوع العقارية سواء تم الشراء أم لم يتم، ووصفه محامون بـ"التشبيح الضريبي على أملاك المواطن دون وجه حق". وعلق أحدهم: "في سوريا فقط تُدفع الضريبة على مشروع عقد بيع عقار ثم تدفع ضريبة أخرى لأن المشروع والبيع لم ينعقد. ويتساءل هل انقلبت مديرية المال لسجل العقاري، وهل العدم تُدفع عليه ضريبةٌ؟ يجب أن يقرر وزير المالية إعادة الضريبة المدفوعة لأن المشروع لم يكتمل، لا أن يفرض ضريبةً ثانية على ما سماه نكولاً. هو ليس إلا إلغاءً لمشروع العقد، وليس فسخاً للعقد، لأن عقد البيع ينعقد في السجل العقاري وليس في مصلحة الضرائب، ولكن يبدو أن التشليح لا دين له".