مع الارتباك والانقسام الحادين القائمين في مصر اليوم، والتجاوزات والانتهاكات من طرفي الصراع، أي المؤسسة العسكرية والحكومة في مقابل جماعة الإخوان المسلمين، تحولت شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة فيسبوك، إلى مكان تنتشر فيه الإشاعات والأخبار والمعلومات والصور المفبركة بشكل كبير، وهو ما يتسابق عليه أتباع الطرفين ومؤيدوهما من قنوات وصحف وأفراد، بغاية اظهار "حقيقة" تصب في مصلحتهم في مواجهة الطرف الآخر.
في وسط هذه الفوضى الإعلامية والخبرية، هناك من يحاول قدر الإمكان التدقيق في المعلومة وسياقها وصحتها. صفحة على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك تحت عنوان "ده بجد؟"، شعارها "عشان ما تبقاش خروف". ويؤكد القائمون على الصفحة أن هذا الشعار ليس له أي مدلول سياسي بل القصد منه ألا يسير الأشخاص كالقطيع دون تفكير. تأسست هذه الصفحة في نيسان/إبريل2013 ، واستطاعت في وقت قصير الانتشار، فوصل عدد متابعيها الى حوالي 312,600 شخص، بينما بلغ عدد من يتحدثون عن الصفحة حوالي 23,700 شخص. وهي تقوم بنشر الخبر او الصورة الكاذبين وفي مقابلهما ما هو صحيح وفق مصادر مدققة، وكل ذلك بطريقة ساخرة وبلغة عامية بسيطة.
بدأت الصفحة عملها بتصحيح الصور والمعلومات المفبركة والمنتشرة على فيسبوك في أي شأن داخلي أو خارجي، طبي أو اجتماعي أو سياسي أو رياضي، ثم تحول التركيز الأساسي على الجانب السياسي. هاني بهجت مؤسس الصفحة، شاب في الرابعة والثلاثين من عمره ويعمل في مجال الإعلان، ويساعده في إدارة الصفحة مجموعة من الباحثين، جميعهم يأتي من خلفيات بعيدة عن مجال الإعلام والصحافة، كالصيدلة والهندسة والبرمجة.
ويجد كل منهم وقتا بجانب عمله وبشكل تطوعي لتشغيل الصفحة. ويفسر هاني بهجت ذلك بقوله أن الأمر لا يحتاج سوى الى القدرة ومهارة البحث عن الأخبار والصور على الانترنت. عن بداية الموضوع يقول: "حين وجدت أن دائرة أصدقائي باتت تنشر الكثير من الإشاعات دون التحقق منها، فكرت أن أنشئ هذه الصفحة لهم ليعرفوا حقيقة ما ينشرون، ولكن الصفحة انتشرت بشكل واسع بعد ذلك، وساعدني في ذلك مجموعة أصدقاء بعضهم غادر هذا العمل لينضم غيرهم حتى أصبحنا ستة أشخاص، ثم انضم لفريق عمل الصفحة سبعة آخرون ليديروا ترجمة التصحيحات في صفحتنا باللغة الإنجليزية".
من أبرز التصحيحات التي قامت بها الصفحة مثلا صور بأخبار مفبركة عن الاضطهاد الديني أو التعذيب أو القتل لمسلمين أو مسيحيين في دول آسيوية وأفريقية، أو في مصر.
ويتضح من التصحيح أن الصور المتداولة تتعلق بكوارث طبيعية، في الاغلب، ومن دول أخرى غير المذكورة في الخبر المفبرك. ويتم تغيير بض تفاصيلها بواسطة برنامج الفوتوشوب. تبحث "ده بجد؟" عن أصل الصورة وتنشرها، وكذلك تفعل بخصوص فيديوهات يتم تفسيرها بشكل بعيد تماما عن الصحة، أو صور قديمة تنشر على أنها صور حديثة، فتذكر الصفحة تاريخ نشرها الأصلي... هذا إلى جانب معلومات طبية أو علمية مغلوطة تنتشر فتحاول الصفحة تصحيحها. ولكن أكثر الصور في ما يخص الوضع المصري هي لتظاهرات، ويتضح أنها قديمة، أو أنها تظاهرة لطرف ما بينما ينسبها الخبر المفبرك الى طرف آخر. وكثيرا ما تنتشر صور لمصابين أو قتلى في اشتباكات أو أحداث عنف مفترضة في مصر، ثم يتضح أن الصور من العراق أو سوريا، أو حتى صور لتفجيرات لمنشآت رسمية ثم يتضح أنها من انفجار في بيروت أو دمشق.
عن آلية عمل فريق الصفحة يقول: "بالأساس نعتمد على أسئلة المتابعين لـ"ده بجد؟"، فهم يرسلون لنا خبرا أو صورة للتحقق منها، فنقوم بذلك وننشر النتيجة على صفحتنا، وفي أحيان قليلة نختار نحن الأخبار والصور المفبركة للتحقق منها".
وعن مصداقية ما ينشرونه من تصحيحات يقول: " كل أعضاء الفريق يراجع "البوست" قبل نشره للتأكد تماما منه، ولتحقيق المصداقية لا ننشر شيئا دون مصدر أو أكثر له، حتى أننا في بعض الحالات نكون متأكدين تماما من زيف الخبر أو الصورة ولكن لا ننشر تصحيحه إن لم نجد له مصدرا موثوقا به".
تتفاوت صعوبة البحث عن الحقيقة لدى فريق العمل، فبعض الأكاذيب يمكن التأكد من زيفها في دقائق، ولكن البعض الآخر قد يأخذ أسبوعا أو اكثر من البحث. تقوم الصفحة أيضا بعمل قائمة سوداء لأكثر الصفحات على موقع التواصل الاجتماعي نشرا للإشاعات، ولقد تسبب ذلك في هجوم شديد على الصفحة من كل الأطراف، فمرات اتهموا أنهم ضد الأخوان ومرات أخرى اتهموا أنهم "خلية أخوانيه نائمة". يقول هاني عن ذلك: "إحنا بنصلح معلومات غلط وخلاص، ومش مهم مين يتهمنا بإيه؟".
وعن تأثير عمل هذه الصفحة يقول: "الفبركة الآن سياسية بالأساس، ولكننا أصبحنا بمثابة مراقبين على الفبركة عموماً، ولقد دعا هذا الأمر بعض الصفحات للانتباه جيدا لما تنشره، وحتى الأشخاص العاديين حين يتأكدون من زيف الخبر أو فبركة الصورة يساعدوننا في نشر الحقيقة". ويستطرد: "تأتينا اقتراحات بأن نوسع عملنا ليضم الأخبار الكاذبة في الجرائد والتلفزيون، ولكن هذا الأمر سيحتاج مجهودا ووقتا كبيرين. نحن اليوم نكتفي بالبحث عما يصدر عن أي جهة إعلامية على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك".