"صفر" أصبحت الكلمة الاشهر الآن، ليس على الساحة التعليمية فقط بل على مستوى المجتمع المصري بكل فئاته، من السياسيين وحتى رجل الشارع. والسبب في الشهرة ليس فقط درجة الصفر التي حصلت عليها الطالبة مريم ملاك فى امتحانات البكالوريا هذا العام وفي كل المواد الدراسية، والتى تصر وزارة التعليم على أنها صحيحة تماما ومستحقة ونتيجة لخطأ إجابات الطالبة في كل المواد الدراسية!
طلعت ريحتكم..
لم تعترف بهذا القرار الطالبة المتفوقة منذ الطفولة والتي كانت تحصل على أعلى من نسبة 95 في المئة في كل سنوات تعليمها السابقة، وكان حلمها ان تلتحق بكلية الطب لتكمل مسيرة أسرتها في هذه المهنة. ولذلك اتهمت وزارة التعليم بالتزوير وتبديل أوراق إجابتها داخل ادارة الامتحان بأسيوط في صعيد مصر. في المقابل، نفى وزير التعليم بشكل قاطع إمكانية حدوث ذلك بل واتهم ضمنيا الطالبة بالكذب. سربت الوزارة بعض أغلفة أوراق الطالبة لوسائل الإعلام على غرار موجة التسريبات الشهيرة للسياسيين، وهو سلوك نال استهجاناً عاماً بوصفه "انتقامياً" و "غير تربوي". وخرجت مطالبات بإقالة وزير التعليم، وبالفعل تم تسريب ورقة رسمية لخطاب إستقالته، وهو الخبر الذي سرعان ما نفي من جانب مجلس الوزراء.. الذي أعلن في الوقت نفسه على لسان رئيسه أنه طلب لقاء الطالبة نظراً لحالة التعاطف المجتمعي الكبير معها في مقابل عدم الاقتناع بحجج وزارة التعليم. وحصل اللقاء بالفعل مع الطالبة وأسرتها في حضور محاميها الذي صرح عقب الاجتماع "أن رئيس الوزراء أكد أنه متعاطف معها ومعجب بصلابتها وإصرارها على حقها في الاستمرار في إجراءات التقاضي للنهاية، ووعد بمساعدتها وطلب من وزير العدل سرعة حسم هذا الملف". ويبدو أن مفاجآت ستقع في الأيام القادمة، خاصة بعد الاستجابة لطلب مريم ومحاميها بإعادة عرض مسابقاتها على مصلحة التزوير والخطوط وبتشكيل لجنة محايدة جديدة بعد أن كان التقرير الحكومي الأول للجنة الخطوط جاء ضد الطالبة ولصالح وزارة التعليم، والتأكيد أنه لم يكن هناك شبهة تزوير أو اضطهاد على اعتبار الخلفية الدينية المسيحية للطالبة مريم ملاك.
حادثة الطالبة سلطت الأضواء على قضية تصحيح امتحانات الثانوية العامة هذا العام. فطبقا لما أشار إليه المشرف العام على الامتحانات بأن ما يقرب من 70 ألف طالب وطالبة، وبنسبة تقترب من 20 في المئة من عدد الناجحين بالثانوية العامة هذا العام، قد تقدموا بطلب تظلّم من التصحيح ومن الدرجات التي حصلوا عليها، وبعد دراسة الاوراق وسداد الرسوم المالية التي وصلت إلى 7 مليون جنيه مصري (أي حوالي مليون دولار) اكتشفت وزارة التعليم أحقية حوالي 10 آلاف طالب في الحصول على درجات اضافية، وهو ما تم بالفعل، مترافقا مع رفض التعليق وتفسير إرتفاع نسبة الأخطاء في التصحيح إلى هذه النسبة الكبيرة. كشف لأول مرة أن الطالبة مريم لم تكن صاحبة الصفر الوحيدة بل هناك مثلها 38 طالبا حصلوا على صفر، وهم أقل من العام الماضي حيث كان عددهم 40 طالبا، ولكن لم تقم الدنيا مثلما يحدث الآن (وذلك اتهام لوسائل الإعلام بأنها وراء اشعال الموقف وتفجيره!)، وهو ما دفع مواقع التواصل الاجتماعي لأن تطلق "ريحتكم طلعت" اقتباسا للشعار الأشهر الآن في الساحة اللبنانية.
الـ "زيرو" تطوير التعليم
ولكن الجديد ان الصفر ليس في الدرجات فقط وإنما أيضا في الاسم الذي اختارته الوزارة لأحدث برامج تطوير التعليم وأطلقت عليه اسم "صفر" أو "زيرو" كما جاء في بطاقة التعريف والدعوة.
والمقصود بالمشروع التعريف والتدريب على حزمة من أنواع الذكاءات المتعددة للطلاب، فتقول مديرته: "هو برنامج لتدريب المعلمين لاكتشاف وتنمية الخيال الابتكاري عند الطلاب وجزء منه هو الإعداد والتدريب على الاختبارات الدولية في العلوم والرياضيات واللغات، وأيضا التدريب على مهارات البحث العلمي". ويستمر برنامج "صفر" لمدة ستة أسابيع. أضافت: "أن المدربين قاموا بتطوير البرنامج الدولي بإضافة المعامل الافتراضية وهي تعني إدخال ومحاكاة للتجربة التي تتم داخل المعامل لتكون داخل الفصول الدراسية، ومن المنتظر تطبيق هذا البرنامج في بداية العام الدراسي الجديد".
ومن المعروف تربويا الآن أن هذا البرنامج هو مشروع عالمي لتطوير نظم التعليم نشأ في الولايات المتحدة الاميركية مؤخرا على يد العالم التربوي "هوارد جاردنز" والهدف منه إنشاء معايير دولية لجودة التعليم، وتطبقه الآن 54 دولة على مستوى العالم.
وسواء كان متعمدا اختيار اسم "صفر" أو "زيرو" لإطلاقه على أحدث برامج التطوير وتوقيت الإعلان عنه، أو أن المصادفة وحدها كانت وراء التزامن ذاك، فإنها من حيث لا يحتسب بالتأكيد مسؤلوو وزارة التعليم، قد أحدثت دويا كبيرا، خاصة أن صفر الطالبة مريم يقول بوضوح أن نظام الثانوية العامة بشكله الحالي، ومهما تعهد المسؤولون بضمان الحيادية والشفافية فيه، قد عفا عليه الزمن، ولاسيما أن خطة العمل الجديدة تتم بالطريقة والأسلوب نفسه، وهو ما أشار إليه بوضوح رئيس مراقبة منطقة الدلتا السابق، وقال أن هناك فسادا كبيرا خاصة لصالح "أولاد الأكابر" في التصحيح.
ما حدث هذا العام فتح الباب على مصراعيه للحديث عن ضرورة إعادة النظر بشكل كامل فى نظام البكالوريا المصرية، وهو ما سارعت وزارة التعليم على لسان وزيرها بتأكيده، وأنها تدرس مقترحا لاعتبار شهادة البكالوريا شهادة منتهية، أي نهاية مرحلة تؤهل لسوق العمل، أسوة بشهادة الدبلوم الفني، وذلك مع قصر الامتحان العام الموحد للطلاب على المواد الرئيسية في اللغة العربية والدين والتربية الوطنية واللغات الاجنبية، وأن تترك للجامعات عقد إختبارات للقبول، يحدد بناء عليها مستوى ودرجات الطالب، يتم بعدها قبول أو رفض الطالب، الذي سيتم من خلال مكتب التنسيق. ولكن تصريحات الوزير قوبلت بتحفظات كثيرة من أساتذة الجامعات على وجه الخصوص، لأنها كما وصفوها لن تحل أزمة شهادة البكالوريا بل ستفتح الباب للاستنساب، وسيتضرر منها أبناء الفقراء، وأن المطلوب هو عقد مؤتمر وطني عام لمناقشة البكالوريا ونظام القبول بالجامعات الحكومية القادر على تحقيق العدالة ووقف قطار الصفر التعليمي.