أطلقت شركة Alpha Exploration Co في شهر نيسان/أبريل الماضي تطبيق Clubhouse، وهو تطبيق يتيح لمستخدمي هاتف iPhone إنشاء غرف مفتوحة للمحادثات الصوتية، والمشاركة في نقاشات حول مواضيع تهمهم. الكثير من غرف المحادثات الناطقة بالعربية في هذا التطبيق، وخصوصاً مع اقتراب عيد المرأة العالمي، تدور نقاشاتها حول المرأة وحقوقها، ويتم خلالها طرح آراء متباينة بطبيعة الحال. لكن سؤال "ماذا تريد المرأة؟" الكلاسيكي، هو الأكثر طرحاً وإلحاحاً في هذه المحادثات.. من قبل الرجال بالأخص. قد يكون السؤال مستفزاً في معظم الأحيان للكثير من النساء، لأسباب عديدة، أولها وأبسطها هو أن طبيعته بحد ذاتها تتعامل مع كل النساء على أنهنَّ إنسانة واحدة. إن فهمناها، فهمنا بنات جنسها بأجمعهنَّ. هو سؤال يلغي التباينات الشخصية بين النساء - البشر، إراداتهنَّ، رغباتهنَّ، طموحاتهنَّ، اعتقاداتهنَّ وشخصياتهنَّ المختلفة. لذلك تبدو الإجابة عليه شبه مستحيلة. ولكن لو افترضنا أن كل النساء في عالمنا العربي لديهنَّ الطموحات ذاتها، (وهو افتراض خاطئ)، فإن محاولة الإجابة على السؤال تحتاج إلى استعراض، ولو سريع ومختصر لأحوال النساء في بلادنا.
الفضاء العام
الفضاء العام هو كل مساحة نتشارك فيها مع آخرين قد لا تربطنا بهم صلة بالضرورة - الشارع، السوق، الأماكن الترفيهية، المواصلات العامة، الخ. وفي الدول الناطقة باللغة العربية، هو فضاء يسيطر عليه الرجال، رغم حضور النساء فيه. إلا أن وجودهنَّ في أغلب الأحيان يقع تحت سطوة العرف المجتمعي الذكوري، الذي يعطي للرجل مساحةً أكبر من الحرية في التصرف والملبس. وهو أيضاً فضاء فيه الكثير من الاختراق لمساحة النساء الشخصية. فالتحرش اللفظي والجنسي أمر منتشر في الفضاء العام، تضطر النساء فيه - وحتى الفتيات الصغيرات في كثير من الأحيان - لتطوير استراتيجيات نفسية وجسدية كثيرة لتفاديه أو للتخفيف من حدته، وقد يفشلن في كثير من الأحيان. بينما غالباً ما لا يجدن الحماية الكافية لهنَّ من قبل السلطات المنفذة للقانون في حال أنهنَّ اشتكين ضد المتحرش. فقد بيّن استطلاع قامت به "شبكة البارومتر العربي" البحثية المستقلة في كانون الثاني/ ديسمبر 2020، أن معدل 39 في المئة من النساء اللواتي شاركن في الاستطلاع من 11 دولة عربية، قلن إنهنَّ تعرضن للتحرش في الفضاءات العامة، وهي نسبة قد تزيد أحياناً حسب البلد. وفي ظل غياب القوانين وآليات تنفيذها في معظم تلك البلدان، التجأت الكثير من الضحايا إلى وسائل التواصل الاجتماعي لعرض قصصهنَّ وفضح المتحرشين، الأمر الذي يعرضهن للخطر، خاصة إن كان المتحرش من أصحاب النفوذ، كما حدث في قضية أوتيل فيرمونت في مصر، والتي اعتقل الشهود فيها قبل اعتقال المتهمين.
الأسرة
تبيّن تقارير الأمم المتحدة أن 1 من أصل 3 نساء في العالم يتعرضن إلى العنف بما فيه العنف الجنسي، ومعظم هذه الحالات تكون من قبل الشريك. وفي حين يعلن أن ما يزيد عن ثلث النساء العربيات ( 37 في المئة تحديداً) تعرضن للعنف في حياتهنَّ، فهناك ما يشير إلى أن هذه النسبة قد تكون أكبر بكثير، بسبب عدم إفصاح معظم الضحايا عن العنف الذي يتعرضن له خوفاً من المعنِف. وقد ازدادت النسبة في ظل جائحة كورونا، وما ترتب عليها من حظر صحي اضطر الناس للبقاء في بيوتهم، والذي عنى لبعض النساء البقاء لوقت أطول ومستمر في مكان واحد مع معنّفيهم.
رأسي أسفل الأريكة".. ندبة اعتداء جنسي
01-09-2020
امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي العربية بقصص وأسماء نساء قتلن على أيدي أزواجهنَّ أوعوائلهنَّ. ومن النادر أن يأخذ الجناة جزاءهم القانوني الذي يستحقونه. ففي الكثير من الأحيان تقيّد الجريمة بأنها قتل بدواعي "الشرف"، أو بأنها حالة انتحار، أو ما شابه ذلك، لينتقل الذنب من القاتل إلى الضحية التي لم تعد موجودة للدفاع عن نفسها. لذلك أطلقت المنظمات النسوية حملات في العراق، الأردن، لبنان، فلسطين، ودول عربية أخرى للمطالبة بحق ضحايا تلك الجرائم، وبسن قوانين تحمي الضحايا وتحاسب الجناة. لكن عادة ما نترك مسودات تلك القوانين على رفوف المشرّع، أو في دهاليز البرلمانات، تنتظر إقرارها.
عندما يتعلق الأمر بالنساء، يحدد مفهوم "الفضيحة" الكثير مما تفعله مجتمعاتنا. وهذا المفهوم مبني في الأساس على تحميل المرأة، وجسدها على وجه الخصوص، مفهومي "الشرف" و"العار"، لتتعامل المجتمعات والأسرة والسلطات بشكل عام مع الضحية وفق هذا المنظور، فيصبح "ستر العار" أهم من حماية الضحية.
غير أن عنف الأسرة لا يقتصر على النساء البالغات فقط، بل يمتد إلى الفتيات القاصرات، فيجبرن على الزواج، وتحمل مسؤولية جسدية ونفسية ليس من المفروض أن يتحملنها في طفولتهنَّ. فحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان لعام 2013، تتزوج 1 من كل 7 فتيات قاصرات في المنطقة العربية. ولأن القوانين تعجز عن حمايتهنَّ، وإن وجدت تلك القوانين فإن الكثير من آليات تطبيقها غير موجودة أو ضعيفة، تترك الفتيات القاصرات تحت رحمة الأسرة والعشيرة والفتاوى الدينية. وتزداد تلك الحالات انتشاراً في المجتمعات المهمشة بسبب الفقر أو النزوح نتيجة الصراعات السياسية أو في المجتمعات القبلية.
الفضاء الإلكتروني
تتعرض الكثير من الفتيات والنساء للتحرش والابتزاز الإلكتروني في شتى أنحاء العالم. ولا يختلف الأمر في دول المنطقة العربية. فالتحرش اللفظي مشكلة تعاني منها أغلب النساء على صفحات التواصل العربية، لكن المشكلة الأكبر هي الابتزاز بالمعلومات الشخصية أو المفبركة، خصوصاً بعد تطور وسائل التكنولوجيا، التي تتيح للمبتز استخدام برامج لفبركة الصور والفيديوهات، أو لاختراق الحساب أو الهاتف الخاص للضحية. ففي مجتمعات محافظة كمجتمعات المنطقة العربية تتحمل المرأة الثقل الأكبر من مسؤولية "سمعة وشرف العائلة".
____________
من دفاتر السفير العربي
حكاياهنّ
____________
ويصبح الابتزاز الإلكتروني، سواء كان مادياً أم جنسياً، سلاحاً فعالاً في يد المبتز، ليحصل على ما يريده من الضحية، التي غالباً ما تفضل عدم اللجوء للجهات المعنية خوفاً من الفضيحة أولاً، وعدم الثقة في حماية السلطات ثانياً. لكن هذا الأسلوب في الابتزاز يُستخدم أيضاً لأغراض سياسية من قبل السلطات نفسها ضد معارضيها السياسيين، ويزداد الأمر تعقيداً عندما تكون الشخصية المعارضة امرأة. فتجد الضحية نفسها بين سطوة السلطة وابتزازها، وبين المجتمع الذي غالباً ما يتبنى وجهة نظر المبتز ويصدقها و يروج لها. اتُبع هذا الأسلوب كثيراً، واستخدم في العراق من قبل المليشيات التي كانت تخطف المتظاهرين، وتجبرهم على "اعترافات" مسجلة تحت الترهيب والتعذيب، تنشر على صفحات التواصل الاجتماعي. وكانت تلك "الاعترافات"، في حال النساء المتظاهرات، ذات طابع جنسي لا علاقة له بنشاطهنَّ السياسي. ولا يقتصر العنف الإلكتروني، إن صح التعبير، والممارس ضد المرأة على الابتزاز، وإنما قد يصل إلى حد الدخول في متاهات قانونية تؤدي بالضحايا إلى السجن والتشهير، تحت بند "القيم الأخلاقية للمجتمع". وهو ما حدث في قضية ما يعرف ب"فتيات التيكتوك" في مصر، اللواتي كنَّ يستخدمن تطبيق التيك توك المعروف لعرض محتوًى أكثر ما يمكن أن يوصف به هو أنه عادي جداً. إلا أن السلطات المصرية شنت ما أسمته بعض الناشطات النسويات "بالحملة الممنهجة"، حُكِم على إثرها على 8 فتيات بالسجن والغرامة، بحجة "التعدي على القيم الأسرية للمجتمع المصري".
كل ما ذكرناه يعتمد جوهرياً على مفهوم "الفضيحة" الذي يحدد الكثير مما تفعله تلك المجتمعات عندما يتعلق الأمر بالنساء، والذي هو مبني في الأساس على تحميل المرأة، وجسدها بالتحديد، مفهومي "الشرف" و"العار". لتتعامل المجتمعات والأسرة والسلطات بشكل عام مع الضحية وفق هذا المنظور، فيصبح "ستر العار" أهم من حماية الضحية. لذلك يبرر للمتحرش أو المغتصب بأن ملابس الضحية كانت "فاضحة" أو أن تصرفاتها كانت "غير لائقة"، وأحياناً حتى مجرد وجودها في المكان نفسه مع الجاني هو ذنبها هي. ويعفى المغتصِب من الجريمة قانوناً في بعض دول المنطقة، إذا تزوج ضحيته التي فرض نفسه عليها دون رغبتها، فتصبح ضحيةً مرة أخرى. بينما تُجبر الفتيات القاصرات على الزواج حفاظاً على "العفّة" و"الشرف"، ويرفض الطلاق خوفاً من نظرة المجتمع للمرأة المطلقة "غير العذراء". هذا ما عدا بعض قوانين دول المنطقة، التي تمنع المرأة من السفر أو إصدار أوراقها الرسمية إلا بموافقة "ولي أمرها"، وهو الرجل طبعاً، وسقوط حضانة الأطفال عنها إن تزوجت بعد طلاقها، وعدم قدرتها على منح جنسيتها لأطفالها إن كان الأب من جنسية مختلفة، إلى آخره من القوانين التي تأخذ من المرأة وتعطي الرجل. فالفتاوى تُصدّر بسهولة عن كل شيء يتحكم بجسد المرأة وتصرفاتها وطريقة حياتها. لكن يصعب كثيراً - وإن حدث، فبعد نضال مرير من قبل النساء - أن يصدر أي قانون يعطيها حرية التصرف بنفسها وجسدها أو حتى حمايتها البديهية ممن يعتدي عليها.
انتشر قبل بضعة أسابيع فيديو مصور في العراق لفتاة تبلغ من العمر 15 عاماً، تقف على حافة السياج المحيط بسطح البيت، وهي تنظر للأسفل مترددة - في ما يبدو أنها محاولة للانتحار.
الفيديو يصوره رجل شرطة، وهو يوجه كلامه للفتاة ليقنعها بعدم رمي نفسها، بينما يتقدم شرطي آخر نحوها ببطء. يكرر الرجل كلامه مع الفتاة، بينما تطل أمها من الباب محاولة تهدئة ابنتها، فينهرها الشرطي، ويأمرها بالسكوت والعودة إلى داخل البيت. يدور الحديث بين الفتاة بصوتها العصبي المرتعش وبين الشرطي، فتردد ما يدل على تعرضها للعنف من رجل في العائلة، بينما يعدها الشرطي بأن لا أحد سيمسها بسوء، وأنه سيقوم بحمايتها. ينتهي الفيديو بتمكن رجل الشرطة من إنقاذ الفتاة وإنزالها، لتحتضنها والدتها بينما الفتاة مستمرة بالصراخ، وهي تعد الجميع بأنها ستعاود الكرة وستنجح في الانتحار. لكن ما لخص القصة، هي لحظة كانت الفتاة فيها لا تزال تقف على حافة السياج متقدمة للقفز منه، فيستبطئها الشرطي، ويسألها عما تريده. فتصرخ : "حرية، أريد حرية".