- "تحتك فيه ناس عاوزة الأمل/ مش عاوزه؟/ سيبهولهم!"
- "الجدع جدع والجبان جبان، واحنا يا جدع، بايتين في الميدان"
- "المجد للباقي ع العهود والجي/ المجد للشاهد وللمشهود من الشُهدا/ المجد للثابت ع المبدأ وع الكلمة/ المجد لكل شهيد لسه ماماتش".
- "نجّينا م الشرّير/ ارحمنا م التجربة/ المعركة المرّا دي / مش هيّنة / المعركة غايمة / غربال ورا غربال/ وفْ صفّنا الجنرال / المعركة مرعبة".
قبل الثورة بسنوات قليلة، كان يُنظر لقصيدة النثر في مصر بوصفها قاطرة التغيير في المزاج الشعري. سمعتُ مرة الشاعر الراحل حلمي سالم وهو يقول وصفاً بليغاً في هذا الموضوع: "شعر التفعيلة يملك الشرعية الدستورية في مصر الآن، أما قصيدة النثر فتملك الشرعية الثورية". صخبٌ شديد أثارته قصيدة النثر وقتها، مؤتمرات ومؤتمرات بديلة أقيمت على شرف قصيدة النثر وقصيدة النثر البديلة. هذا الصخب كان غريباً على قصيدة طالما تفاخرت بـ "همسها". التفاخر بالهمس نفسه كان غريباً.
في الوقت ذاته، كانت خطوات الشاعر أحمد فؤاد نجم تقترب من دار "ميريت".. بعد اختفاء طويل عن الأنظار، وبعد أن بدا أن شعر العامية الأيديولوجي (الزاعق/ الفكاهي/ المباشر) لنجم قد خفَتَ نجمه. وفي "ميريت" شارك نجم في حركة "كتاب وفنانين من أجل التغيير"، التي كانت الذراع الفني لحركة "كفاية"، وبعدها لم تنقطع أقدامه عن دار النشر الصغيرة التي جمعت الكثير من الشباب. نجم الذي كان نجماً لعصر سابق تحاور فيه بكلماته مع الشيخ إمام بعوده، بدأ يعود بالتدريج ليصبح نجماً للعصر القادم أيضاً. وشيئاً فشيئاً بدأ الشباب يعلنون ضيقهم من قصيدة النثر.
في ميدان التحرير، وبعد أن تحول "الميدان" إلى رمز في ذاته، راج هتاف "الجدع جدع والجبان جبان، واحنا يا جدع، بايتين في الميدان". هكذا حُرف بيت من أبيات نجم بشكل بسيط ليقوله الجميع في المظاهرات. وفي كل مكان من الميدان ظهرت حلقات تغني "ناح النواح والنواحة على بقرة حاحا النطاحة". مال كف الميزان بشكل عنيف وفجائي ناحية شعر العامية المباشِر والمسيَّس الذي طالما احتقره الشعراء المصريون، وتخلص شباب الشعراء من وصمة العار التي لاحقت هذا النوع من الشعر، وأعادوا اكتشاف الأبنودي، خاصة في قصائده الثورية. وفي 2013 أصدر الشاعر مصطفى إبراهيم (مواليد 1986) ديوانه "مانيفستو"، الذي عدَّ، كما يدل اسمه، بيانا للثورة، وتأسس على قصيدته الرئيسية لمذبحة ماسبيرو، وحقق أعلى المبيعات ووصل الإعجاب به لدرجة كتابة بيت من أبياته بخط عريض على أحد جدران وسط البلد، حيث كانت تجري المعارك اليومية بين المتظاهرين والداخلية: "تحتك فيه ناس عاوزة الأمل/ مش عاوزه؟/ سيبهولهم". كما أصدر مايكل عادل (مواليد 1987) ديوانه في عام 2012 عن الدار نفسها بعنوان "س 28"، وهو الاسم الكودي للمحكمة العسكرية في زهراء مدينة نصر، ويقول فيه: "المجد للباقي ع العهود والجي/ المجد للشاهد وللمشهود من الشُهدا/ المجد للثابت ع المبدأ وع الكلمة/ المجد لكل شهيد لسه ماماتش".
محمود عزت (مواليد 1984) شاعر عامية آخر كتب قصيدته "صلاة خوف" في أيلول/ سبتمبر 2013، أي بعد إزاحة محمد مرسي بأيام، ليتحدث فيها عن التجربة السياسية / الشعورية القاسية لـ "شباب الثورة" في تلك الأيام. يقول: "نجّينا م الشرّير/ ارحمنا م التجربة/ المعركة المرّا دي / مش هيّنة / المعركة غايمة / غربال ورا غربال/ وفْ صفّنا الجنرال / المعركة مرعبة".
لم يعنِ هذا أن قصيدة النثر الفصحى قد اختفت. بالعكس، ما زال الشعراء المخضرمون يصدرون دواوينهم بالفصحى، وينضم إليهم شعراء شباب أيضاً. الشاعرة إيمان مرسال تكمل مسيرتها الشعرية في 2013 عبر ديوان "حتى أتخلى عن فكرة البيوت". وما بين 2012 و2014، يصدر الشعراء الشباب إبراهيم السيد وملكة بدر وأميرة أدهم وهرمس دواوينهم الأولى أو الثانية، ويُحتفى بهم، ولا تفقد قصيدة النثر شرعيتها أبداً، كل ما في الأمر أنها لم تعد شرعية ثورية كما تم تصور الأمر منذ عشر سنوات، وإنما شرعية الهمس وسط ضجيج المدافع، كما يليق بشعر النثر أن يُكتب ويُحترم.
من ملف "سنة رابعة ثورة"