حياة وسيرة الملياردير اليمني شاهر عبد الحق لم تكن معروفةً، وهو لم يحب الظهور ولا الإعلام. إلا أنها تندرج في الكتب التي سيحفظها التاريخ عن رجالٍ، كتاجر السلاح السعودي عدنان خاشقجي، وباولو إسكوبار المكسيكي، ورجل الأعمال المصري حسين سالم الذي كان قريباً من نظام حسني مبارك ومن شخصه، وأخطبوطية رجل الأعمال السوري رامي مخلوف الذي كان أيضاً شريكاً لشاهر في أمور كثيرة، منها شركة الهواتف "سيرياتيل"... وليس معروفاً حتى الآن مصيرُ نصيب شاهر منها، بعد انهيار علاقة الأسد بمخلوف، واستحواذ النظام السوري على أغلب ممتلكاته.
توفي الرجل قبل أيام في ألمانيا عن 82 عاماً، بعد صراع سريع مع السرطان. وهو لم يكن فحسب، اليمني الوحيد الذي يمتلك طائرته الخاصة في واحدة من أفقر بلدان العالم، بل إن تفرده ونفوذه الإقليمي والدولي وصل إلى درجة قدرته على حماية وتهريب ابنه من المملكة المتحدة قبل أكثر من عقد، بعد ارتكابه جريمة قتل كانت ضحيتها صديقته النرويجية. وهو لا يزال فاراً حتى اللحظة.
وكان والد شاهر عبد الحق قد هاجر من ضمن موجة أبناء "الحجرية" الذين هاجروا إلى شرق افريقيا ككينيا وتنزانيا وإثيوبيا والصومال واريتريا وجيبوتي، وعاد لاحقاً إلى اليمن. أسس ابنه، شاهر، بنك اليمن الدولي، أكبر بنك أهلي يمني، ومصيدة المساعدات الدولية لليمن، كحاضن لأغلب أرصدة المنظمات الدولية في البلاد، وأحد أكبر المستفيدين من هذه الأموال عبر المضاربة بفارق سعر العملة، ورئس مجلس ادارته. كما كان رئيس إمبراطورية مالية واسعة متعددة الجنسيات، حيث تتراوح أعماله التجارية بين الوكالات العالمية، كوكيل لشركة كوكاكولا العالمية في اليمن ومصر، ووكيل مرسيدس الألمانية، وفي عالم الاتصالات (شريك في MTN العالمية)، والفندقة (مالك فندق تاج سبأ في اليمن، كجزء من سلسلة تاج محل العالمية) وقطاع الأموال (بنك اليمن الدولي)، وتجارة الأسلحة.
اليمنيون يولدون دائماً في 1/1
20-01-2020
من قرض صغير حصل عليه من البنك اليمني للإنشاء والتعمير بعد ثورة 1962، أصبح شاهر عبد الحق ("ملك السكر" كما يسمى في اليمن)، قادراً على شراء الديون المعدومة للدول، كما حاول مع إثيوبيا في صفقة قدرت قيمتها بخمسة مليارات دولار قبل عقود. كان عبد الحق نموذجاً لعالم المال في اليمن وزعيماً له، ويروي عنه العديدُ من زواره ومقربيه، أنه على الرغم من لقبه كـ"ملك السكر" لسيطرته على استيراد السكر للبلاد، إلا أنه كان يتفاخر بأنه لم يذق السكر قط، ولا يستخدمه في قهوته.
كما أن الفضل يعود إلى عبد الحق في تيسير كثير من الشبكات المالية العالمية، وصفقات الأسلحة لكل من الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، والرئيس الليبي الراحل معمر القذافي. وفي العام 2011، وبينما كان الرجلان يواجهان "ربيعاً عربياً" عاصفاً هز أنظمتهما، وأدى في نهاية المآلات إلى مصرعهما ولو بنهايات مختلفة، أوفد صالح عبد الحق برسالة رسمية إلى القذافي، نقلت أخبارها وسائل الإعلام الحكومية اليمنية. وكان سلوكاً غريباً عن الأعراف الدبلوماسية التقليدية، إذ لا يحمل عبد الحق أي صفة دبلوماسية يمنية، كما لم يعلم وزير الخارجية أو حتى السفارة اليمنية في ليبيا بالرسالة - التي لم ينشر فحواها قط - إلا من وسائل الإعلام.
كما كان لعبد الحق علاقة بنظام صدام حسين بعد العام 1990، عبر تهريب وبيع النفط العراقي حينها، خلال فترة الحصار على نظامه قبل أن يثير سخط صدام بعد اكتشاف هذا الأخير أن عبد الحق باع الخام العراقي لمصافي الإسكندرية التي كان لإسرائيل فيها حصصٌ. وقد تطلب الأمر تدخل صالح شخصياً لإخراج عبد الحق سالماً من عراق صدام حسين. كما اقترب كثيراً من البشير في السودان في أواخر سنين حكمه. وقد وصل نفوذه في الخرطوم إلى حد قدرته على عزل وتعيين وزراء في وزارات حساسة كالنفط. كما استفاد الكثير من التجار، والأثرياء اليمنيين من خدماته وموارده لنقل أموالهم وتحريكها إلى خارج اليمن، خلال ما يقارب ست سنوات من الحرب الدائرة هناك.
قام عبد الحق بتيسير كثير من الشبكات المالية العالمية، وصفقات الأسلحة، لكل من الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، والرئيس الليبي الراحل معمر القذافي.
وبينما كان عبد الحق أحد كبار الممولين لصالح بعد استهدافه بالعقوبات الأممية، وعجزه عن الوصول إلى معظم أمواله، وفي دلالة على برغماتية شاهر، وقدرته على تكييف شخصيته بسرعة مع أي سلطة، فقد ساعد قادة الحوثيين على استثمار أموالهم خارج اليمن، بعد وفاة صالح عبر العديد من الشركات الحقيقية والوهمية. وفي الواقع، وبحسب أكثر من شاهد عيان، فبعد أقل من شهرين من سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في أيلول/ سبتمبر 2014، شوهد القيادي محمد علي الحوثي ( رئيس اللجنة الثورية التابعة للجماعة) وهو يستمتع بجناح، واستجمام خاص في فندق تاج سبأ في صنعاء كضيف على صاحبه. وإلى قُبيل مماته، حافظت إمبراطورية شاهر التجارية على مكانته كرجل عابر للتقاطعات والمصالح وجبهات القتال والسرديات، إذ في آخر زيارة له لصنعاء اصطُحب بموكب من مطار عدن، حتى آخر نقطة تابعة للقوات المحلية المتحالفة مع "التحالف العربي" السعودي – الإماراتي، ليُصطحب بموكب مماثل إلى صنعاء من قبل الحوثيين، من أول نقطة حوثية بعد خطوط المواجهة.
امتلك عبد الحق أسطوله الخاص من الطائرات والسفن. وكان قاته (نبتة مكيفة ممنوعة في أغلب دول العالم تنتشر في اليمن والقرن الإفريقي) يصل أينما كان في العالم طازجاً بشكل شبه دائم بطائراته الخاصة، من أديس أبابا أو كينيا أو أي بلد آخر يسمح فيه ببيع وزراعة القات، بغض النظر عن قوانين البلد المضيف، حتى في زمن جائحة كورونا. كما استحوذ - بحسب بعض مساعديه - في السنوات الأخيرة على مساحات واسعة من الأراضي في إثيوبيا تقارب 11 ألف كم مربع - أي أكثر بقليل من مساحة لبنان - لزراعة التبغ. والجناح الأكبر بفندق شيراتون أديس أبابا يظل محجوزاً له على مدار العام ، ولديه ما يشبه ذلك في فنادق أخرى في مدن وعواصم أخرى حول العالم.. ذلك أن الرجل لا يعرف دائماً بالضبط أين ستكون محطة طائرته القادمة. هذا بالإضافة لعقاراته الخاصة حول العالم.
أسس عبد الحق، الذي ورد اسمه أيضاً في "أوراق بنما"، أكثر من 200 شركة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. تمتلك شركة "انسان ويفكس" المحدودة، التابعة لعبد الحق والمسجلة في جزر كايمان، امتيازات النفط والغاز والتعدين في اليمن والسودان، بالإضافة إلى استثمارات في القطاع المصرفي في لبنان.
كان لعبد الحق علاقة بنظام صدام حسين بعد العام 1990، عبر تهريب وبيع النفط العراقي خلال فترة الحصار، قبل أن يثير سخط صدام لأنه باعه لمصافي الإسكندرية التي كان لإسرائيل فيها حصصٌ. وقد تطلب الأمر تدخل صالح شخصياً لإخراج عبد الحق سالماً من العراق. كما اقترب كثيراً من البشير في السودان في أواخر سنين حكمه.
ظهر عبد الحق في تقرير لجنة الخبراء للأمم المتحدة لعام 2017، الذي وجد أن "انسان ويكفس المحدودة" قد حولت أكثر من 3 ملايين دولار أمريكي إلى شركة "ريدان للاستثمار المحدودة"، وهي شركة مسجلة في أبو ظبي ويملكها خالد، نجل الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وتم تحويل بعض هذه الأموال بعد وضع صالح وأقاربه تحت طائلة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة عام 2014.
التقى عبد الحق، في 17 حزيران / يونيو 2019 يونيو، بفريق خبراء الأمم المتحدة بشأن اليمن في القاهرة، للرد على الأسئلة التي كانت لدى الفريق بشأن انتهاك مصرفه "بنك اليمن الدولي" عقوبات الأمم المتحدة. وبحسب ملاحظات من الاجتماع ومطلعين على تفاصيله، كانت أحد أهم المواضيع التي ناقشها الفريق مع شاهر هي قيام بنكه بتحريك حسابات مجمدة بموجب العقوبات الأممية لارتباطها بنجل الرئيس صالح، أحمد، من أرصدة جمعية الصالح، وتسهيل عملية التصرف بها للحوثيين الذين سيطروا عليها.
كان عبد الحق شريك رامي مخلوف، الذي توسعت شركته السورية للاتصالات في اليمن تحت اسم "سبستيل" بشراكة مع شاهر أولاً، قبل أن يبيعها فتصبح تابعة لشركة "إم تي أن" العالمية كفرع لها في اليمن، بعد استحواذ شاهر على أسهم في الشركة الأم. وكانت إحدى نقاط الخلاف الجوهرية بين صالح ورجل الأعمال والسياسي اليمني حميد الأحمر قبل ثورة 2011، قيامَ صالح بالتدخل لإرساء مناقصة كبيرة في قطاع الاتصالات السودانية على "إم تي أن" التابعة لشاهر، بعد أن كان قد تدخل لإرسائها على شركة "سبأفون" التابعة للأحمر، لخلاف حول عمولة صالح في الصفقة، بحسب بعض الوسطاء الذين حاولوا - دون جدوى - حل الخلاف بين الرجلين ( صالح والأحمر) حينها. وهو أمر يفسر أيضاً عداءَه الشديد، والمتبادل مع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، وأنصار الأحمر بشكل خاص.
كان عبد الحق أحد كبار الممولين لصالح بعد استهدافه بالعقوبات الأممية، وعجزه عن الوصول إلى معظم أمواله. ثم ساعد قادة الحوثيين على استثمار أموالهم خارج اليمن بعد وفاة صالح، عبر العديد من الشركات الحقيقية والوهمية.
في آخر زيارة له لصنعاء، اصطُحب بموكب من مطار عدن حتى آخر نقطة تابعة للقوات المحلية المتحالفة مع "التحالف العربي" السعودي – الإماراتي، ليُصطحب بموكب مماثل إلى صنعاء من قبل الحوثيين، من أول نقطة حوثية بعد خطوط المواجهة.
يشتبه العديد من رجال الاستخبارات والدبلوماسيين والمسؤولين الدوليين السابقين والحاليين في لجنة العقوبات الدولية المتعلقة باليمن، في أن عبد الحق استخدم صلاته بمخلوف لتسهيل تجارة الأسلحة الروسية في اليمن في فترات مختلفة خلال العقدين الماضيين. لم يكن ذلك هو كل ما يجمع رامي مخلوف بشاهر، فقد كان قربهما من النظامين السوري واليمني يكاد يكون متشابهاً في استحواذيته واستفادته من الدولة الكلبتوقراطية. فإذا كان مخلوف قد استحوذ على مقاولات وخدمات ومصالح النظام السوري لعقود، فقد وصلت علاقة شاهر بنظام صالح إلى مستوى أنه - بحسب العديد من المسؤولين السابقين والحاليين في وزارة الدفاع اليمنية - كان يستورد معدات أو قطعاً عسكرية أو مدنية أو أي شيء يخطر في باله أو يريد تصريفه لوزارة الدفاع اليمنية دون طلب منها أو مناقصة أو حتى حاجتها لأي منها. ومع ذلك، كانت الوزارة تدفع لشاهر الثمن الذي يطلبه للبضائع التي لم تخترها بالأساس، بناءً على توجيهات مباشرة من صالح، وعقود يتم إبرامها بعد وصول البضائع.
ليس واضحاً من سيخلف شاهر من مقربيه أو أبنائه. وبشكل عام لم يعرف الكثير عن دوائره المقربة، ومدرائه التنفيذيين الذين عملوا معه لعقود، ومن شتى أنحاء العالم. وقد ازداد غموض مصير إمبراطوريته أكثر في العامين الماضيين مع إقالته لإخوانه والمقربين منهم من مناصب حساسة في الشركات المتعددة، إذ استبدل على سبيل المثال أخاه هائل بابنته سوسن لإدارة فندق تاج سبأ. وحدث أمر مشابه، تطور إلى إشكال مسلح أمام مقر شركة مرسيدس في صنعاء في العام 2019، بعد أن حاول هائل منع ابنة وابن شاهر من دخول الشركة، ولم تنتهِ المواجهة إلا بعد تدخل جهاز الأمن القومي التابع للحوثيين لصالح شاهر، ومغادرة هائل بعد ذلك اليمن للعيش بين الإمارات ولندن، قبل أن يتصالح الأخوان مؤخراً، إذ قال مصدر لازم شاهر في حقبات مختلفة، أنهما كانا مع بعض في فترة ما خلال العام 2020 في إثيوبيا.
أسس عبد الحق، الذي ورد اسمه أيضاً في "أوراق بنما"، أكثر من 200 شركة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. تمتلك شركة "انسان ويفكس" المحدودة، التابعة لعبد الحق والمسجلة في جزر كايمان، امتيازات النفط والغاز والتعدين في اليمن والسودان، بالإضافة إلى استثمارات في القطاع المصرفي في لبنان.
كان عبد الحق شريك رامي مخلوف، الذي توسعت شركته السورية للاتصالات في اليمن تحت اسم "سبستيل" بشراكة مع شاهر، ويشتبه بأنه استخدم صلاته بمخلوف لتسهيل تجارة الأسلحة الروسية في اليمن خلال العقدين الماضيين. كان قربهما من النظامين السوري واليمني يكاد يكون متشابهاً في استحواذيته واستفادته من الدولة الكلبتوقراطية.
تضع وفاة شاهر عبد الحق نهايةً لأهم صانع للصفقات في الخمسين سنة الأخيرة، ممن تجاوزت دائرة حركته اليمن إلى العالم، وكان على قوائمه المالية الشهرية كبار المسؤولين اليمنيين، حيث كانت وظائفهم الطبيعية بعد خروجهم من مناصبهم هي عضوية مجلس إدارة بنكه، بل توسعت قائمة من ينالوا من "خيراته" لتشمل برلمانيين ومسؤولين وقادة جيوش عربية، وعلى امتداد القرن الإفريقي، حيث فتحت له أمواله وصفقاته السلطات والقصور بلا حدود.