مخيم جباليا في قطاع غزة: اللاجئ فيه ميت على قيد الحياة

كيف يعيش سكان مخيم جباليا للاجئين في قطاع غزة - "مخيم الصمود" بحسب لقبه - أكبر مخيمات اللجوء في كل فلسطين وثانيها بعد اليرموك في سوريا.
2020-09-29

عبد الله أبو كميل

صحافي من غزة


شارك
زقاق في مخيم جباليا، قطاع غزة / فلسطين.

"العودة حق لنا"، القدس عاصمة فلسطين"...عبارات مخطوطة على جدران اهترأت بمرور الزمن، السير في أزقتها يجبرك على قراءتها، ورؤية صور الأسرى الفلسطينيين المعلَّقة على حيطان البيوت المتلاصقة وشرفاتها القريبة من الأرض، مزاريب المياه الممتدّة من أطراف الأسطح المغطاة بألواح "الزينكو" و"الأسبست". شعارات توحي بحضور النكبة الدائم، يعززها صوت المذياع على نشرة الأخبار الصباحية، وروايات الشيخ العجوز للأطفال وهو يتكئ بوجنته على عكازه، ورائحة التبغ الشامي التي تفوح منه، وتجاعيد وجهه ولكلٍ منها حكاية، والدَّمعات التي غرغرت بها عينيه تستذكر المأساة التي عاشها.

بمساحة لا تتجاوز 1.4 كيلومتر مربع في شمال قطاع غزَّة، يفيض ما يزيد عن 120 ألف إنسان في تجمع سكاني أطلق عليه اسم "مخيم جباليا"، يتكون من بيوت بسيطة، وطرقات التفافية ضيقة تعتبر العلامة الأبرز في معالمه، الأزقة التي بالكاد تتسع لمرور شخص أو اثنين، المنازل مصطفة بشكل عشوائي، وبعضها مطل على الآخر. اشتهر المخيم ببساتين الحمضيات التي تحده بكثافة من الناحية الشرقية، ومن أقصى الشمال قرية بيت لاهيا، أما جنوباً فيطل على مدينة غزَّة.

ومخيم جباليا أكبر المخيمات الفلسطينية الثمانية في قطاع غزَّة، والتي أنشئت عقب النكبة الفلسطينية عام 1948، وهو ثاني أكبر مخيم فلسطيني بعد مخيم اليرموك في سوريا، لجأ إليه الفلسطينيون بعدما هُجّروا من قبل الاحتلال الإسرائيلي. وبلغ في ذلك الوقت عدد السكان حوالي 37 ألف نسمة. وعلى الرغم من صغر المساحة، إلَّا أنَّ عدد السكان بازدياد مضطرد. ففي عام 1967 وصل عددهم إلى 52 ألف لاجئ، وعام 1988 سجل حسب إحصائية وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين أنهم 54 ألف شخص، ووصل التعداد في عام 1995، إلى حوالي 80 ألف نسمة، وهم المسجلون لدى "الأونروا". ينتمي إلى المخيم قرابة 5587 عائلة، أغلبهم من مناطق أسدود، ويافا، واللد، والرملة، وبئر السبع. وكان يمر عبر المخيم قرابة 21 ألف عامل فلسطيني إلى معبر بيت حانون "إيرتز"، للعمل في الداخل المحتل قبل عام 2007، وفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، ويشكل اللاجئون حوالي 70 في المئة من أصل المليوني فلسطيني في القطاع، إلَّا أنَّ أغلبيتهم ولدوا بعيداً عن قراهم الأصلية متمسكين بحكايات الكبار الذين لا يزال بعضهم أحياءً، ولا يتردد الجيل الصاعد عند سؤالهم "من أين أنت؟ بالجواب: من يبنا، يافا، المجدل، بربرة، وغيرها.

حياة المخيم

بعيداً عن صخب العمارة وضجيج المدينة المعتاد، السير في تفاصيل حياة المخيم يقرئك مشاهد من مسلسل حياة الكفاح، فالبساط المفترش على مطلع الأبواب، والنساء ملتفاتٌ على بعضهن، تعلو أصواتهن وهن منشغلاتٌ في طبخ بعض الأكلات الشعبية، كما السيدة التي تحمل قطعة القماش لتتمم عمل ثوبها المطرز بنقش ذي دلالات تراثية أصيلة، والطفل الحامل لكسرة الخبز المحشوة بمعلبات الأسماك التي سُلمت له من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين في غزَّة، بائع الحليب المتجول، الآخر الذي يفتح باب دكانه المتآكل من الصدأ.. وعلى الرغم من صعوبة المعيشة إلَّا أنَّهم يتكيفون مع ما هو موجود، خاصة بعدما توقفت أعمالهم ومصالحهم لأنَّ الوضع الاقتصادي في غزَّة منهارٌ، بسبب الحصار المفروض من الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من أربع عشرة سنة. بات أغلب سكان المخيم يعتمدون على المساعدات الإنسانية والخدماتية التي تقدمها الأونروا، والأغلبية منهم يعملون في مهنة الصيد والفلاحة وتربية الماشية.

بمساحة لا تتجاوز 1.4 كيلومتر مربع في شمال قطاع غزَّة، يفيض ما يزيد عن 120 ألف إنسان في تجمع سكاني أطلق عليه اسم "مخيم جباليا"، يتكون من بيوت بسيطة، وطرقات التفافية ضيقة تعتبر العلامة الأبرز في معالمه

لكن ثمة مشهد ترويه النساء والرجال عن كيفية وقوفهم أمام بوابات المراكز الخدماتية للأونروا من أجل استلام المخصصات الغذائية، كما عن المرأة التي تحمل طفلها منتظرة مجيء دورها للعرض على الطبيب في إحدى العيادات بسيطة الخدمة التي تقدم أوليات العلاج.. المخيم يستضيف 27 مدرسة، ومركزاً لتوزيع الأغذية، وثلاثة مراكز طبية، ومركزين للإغاثة والخدمات الاجتماعية، وسبع آبار للمياه.

معاناة يومية وموسمية

مع ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل في غزَّة، وزيادة نسبة الكثافة السكانية في المخيم والانقطاع الكهربائي المتكرر، تتضاعف معاناة سكانه بسبب انعدام شبكات البنية التحتية. ولم تستطع الجهات الرسمية التغلب على المشكلة مبررة ذلك بضعف الإمكانيات المتاحة لها. يضاف لهذا شبه انعدام للمياه الصالحة للاستخدام الآدمي، إذ وصلت نسبة تلوث المياه إلى 90 في المئة. ومع اقتراب موسم الشتاء تتكرر المعاناة كلَّ عامٍ فتغرق البيوت بالماء، وتسد الطرقات بفيضانات الأمطار التي لم تجد مصارف لها.

محدودية مساحة المنطقة، جعلت اللاجئين في المخيم يضطرون إلى التوسع العمراني العمودي، الأمر الذي زاد من معاناتهم مع انعدام التهوية، وارتفاع الرطوبة داخل مساكنهم المسببة للعديد من الأمراض. أما أصحاب الدخل المحدود فلن يعلُوا في بنيانهم، ويكتفُوا بتزويج أبنائهم في نفس البيت، فليس بمقدورهم الاستئجار خارج المخيم.

عيون اللاجئ تجوب متاهات المخيم المتأرجحة من شدة الخوف والقلق لانعدام إمكانية الحصول على أساسيات الحياة، مع الأزمات التي صارت تتسم بالتباطؤ في دعم حاجاتهم والتي تقلصت بالتدريج. ومع ذلك، يشهد سوق المخيم، وهو أكبر الأسواق في غزَّة، تظافر جهود الجميع في عرض سلعهم.

تروي النساء والرجال عن كيفية وقوفهم أمام بوابات المراكز الخدماتية للأونروا من أجل استلام المخصصات الغذائية، كما عن المرأة التي تحمل طفلها منتظرة مجيء دورها للعرض على الطبيب في إحدى العيادات بسيطة الخدمة التي تقدم أوليات العلاج.. المخيم يستضيف 27 مدرسة، ومركزاً لتوزيع الأغذية، وثلاثة مراكز طبية، ومركزين للإغاثة والخدمات الاجتماعية، وسبع آبار للمياه.

وأضيف إلى معاناة سكان هذا المخيم، دخول فيروس كورونا إليهم. توقفت الحياة، وأجبر الناس على التزام منازلهم، وتشدد الطوق الأمني على مخيمهم، كونه يعتبر من أكثر البؤر تفشياً بالوباء، فما عادت المصالح قائمة رغم هشاشة الحالة التي كانت عليها. ففضلوا الموت على الالتزام، فكسروا الحجر المنزلي مجازفين بأرواحهم في سبيل تلبية احتياجات أطفالهم.

ذاكرة البقاء لم تمت

في عام 1970 عملت إسرائيل على ترحيل قرابة 975 عائلة من سكان المخيم إلى المناطق الحدودية له، وفي عام 1971 قامت السلطات الإسرائيلية بهدم وإزالة قرابة 3600 مسكن لأهالي المنطقة تحت ذريعة توسيع الطرقات لتسمح لسياراتها بالمرور بغرض مطاردة المقاومة في ذلك الوقت.

وقد أطلق على المخيم لقب "مخيم الصمود". والرواية التاريخية تحكي تفاصيل البدايات لحرب عام 1967، والانتفاضة الشعبية الأولى عام 1987 التي كانت بداية الشرارة من أزقة جباليا، كما مجزرتا 6 و10 آذار/ مارس 2003، واجتياح المخيم قبل خروج القوات الإسرائيلية من القطاع عام 2004، يضاف لها حروب ثلاثة كان آخرها عام 2014، والعديد من جولات التصعيد الإسرائيلية اليومية التي كان للمخيم نصيب منها. كما كان لأبناء المخيم الشرارة الأولى في محاولة التغلب على الوضع الداخلي، والخروج للشارع للمطالبة بإنهاء قضية الكهرباء وغلاء الأسعار، في ظل انعدام فرص العمل بمظاهرات حملت شعار "بدنا نعيش".

كانت شرارة انطلاق الانتفاضة الشعبية الأولى عام 1987 من أزقة جباليا.

لتبقى على جنبات المخيم شمالاً وشرقاً مطاردة الجغرافيا لسكان المنطقة، بالاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، لقربها كانت شرارة انطلاق الانتفاضة الشعبية الأولى عام 1987 من أزقة جباليا.من الحدود الفاصلة بين القطاع والسياج الأمني الإسرائيلي الموقت.

مقالات من فلسطين

رحلة البحث عن رغيف

كُل صباح في الأيام الماضية، حينما أجوب الشوارع، لا أجدني سوى باحث عن الخُبز، وأنا حقيقةً لا أستوعب إلى الآن أن الحال وصلت بي - كما وصلت بكُل الناس- إلى...

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة

مسيف جميل 2024-11-17

لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...

للكاتب نفسه