ربع الأسر في غزة تعيلها نساء

إصرار نساء غزة على العمل جعل الصورة النمطية السائدة في المجتمع تتأقلم مع الواقع المفروض، ولا سيما بعد ثلاثة حروب متتالية على القطاع. فقد ارتفعت نسبة النساء المعيلات الرئيسيات لعائلاتهن، من 7 في المئة عام 2007 إلى 25 في المئة حالياً. وبلغت نسبة النساء الأرامل 5 في المئة حتى ما قبل مسيرات العودة.
2020-06-21

عبد الله أبو كميل

صحافي من غزة


شارك
مادلين كلاب، شابة غزّية تعمل على مركبها في مجالي الصيد البحري والسياحة حسب الظروف.

مع تراجع الوضع الاقتصادي في قطاع غزَّة، وتوقف آلاف الرجال عن العمل، لجأت النساء الفلسطينيات إلى الاندماج في بعض المهن التي كان يعتقد أنَّها حكر على الرجال، إسناداً لأزواجهن، أو لإعالة أسرهن. ففي أواخر سنة 2006 بدأت النساء في غزَّة باقتحام سوق العمل بكل جرأة، فعملن في النجارة، البناء، المهن الحديدية، والصيد..

لكن ترى أولئك النساء أن خوضهن مجال المهن الشاقة لم يكن سهلاً بسبب المجتمع المتمسك بالعادات والتقاليد، كما بسبب قسوة العمل المتعب، لكن إصرارهن على العمل جعل الصورة النمطية السائدة في المجتمع تتأقلم مع الواقع المفروض، ولا سيما بعد ثلاثة حروب متتالية على القطاع. فقد ارتفعت نسبة النساء المعيلات الرئيسيات لعائلاتهن، من 7 في المئة عام 2007 إلى 25 في المئة حالياً. وبلغت نسبة النساء الأرامل 5 في المئة حتى ما قبل مسيرات العودة.

نافخة الكير

أم مصطفى إبراهيم (39 عاماً) تعمل مع زوجها في مهنة الحدادة منذ ما يزيد عن 20 عاماً. تصف مهنتها الشاقة: "تحتاج إلى قوة جسدية"، وهي تتحمل الطرق على قطع الحديد باستمرار، "بت أفقد الرؤية شيئاً فشيئاً بسبب وقوفي المستمر أمام موقد النار". وأما السبب الرئيسي في امتهان هذا العمل، فهو مساعدة زوجها الذي يعاني من عدّة أمراض.

بحسب معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني للعام 2019، بلغت نسبة نساء غزَّة المشاركات في سوق العمل 30 في المئة منه.

وفي كل يوم جمعة وسبت، تجد أم مصطفى وزوجها في سوق اليرموك الشعبي، تتحضر لإشعال الموقد، وسرعان ما تغمس المطارق الحديدية بين جمرات النار الملتهبة لعدة دقائق، لتحمل الآلة ثقيلة الوزن وتباشر الطرق عليها بكل ما أوتيت به من قوة، فتخرج قطعة حديد تستخدم في المهن الأخرى، أو حسب ما يطلبه المشتري. ومع إقرارها بأن هذه مهنة لا تواتي المرأة لصعوبتها، وعلى الرغم من ضعف عائدها المادي، إلا أنَّ "الوضع الاقتصادي كلّ يوم يتراجع، وفرص العمل معدومة، والحصار يمنع زوجي من الخروج للعمل في الأراضي المحتلة".

وبموجب معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني للعام 2019، بلغت نسبة نساء غزَّة المشاركات في سوق العمل 30 في المئة منه.

راكبة الموج

مادلين كلاب شابة غزّية في الـ26 من عمرها، تعمل في مهنة الصيد وركوب الموج منذ نعومة أظفارها. فبعد أن كانت تصطحب والدها، باتت المعيل الرئيسي لأسرتها كونها الأخت الأكبر، بعد أن أصاب المرض والدها، وأجبره على عدم النزول إلى البحر. كانت مادلين أمام قرار صعب لكنَّها قررت أن تستمر في مهنة الصيد لإعالة والدها والأسرة المكونة من سبعة أفراد.

نزول مادلين البحر محفوف بعدَّة مخاطر، أبرزها إمكانية اعتراضها من قبل الزوارق "الإسرائيلية" المنتشرة على بعد 6 أميال أو أقل. وقد تتعرض للأسر أو لمصادرة مركبها، أو الموت كما شقيقها كريم الذي راح شهيداً على يد القناصة الإسرائيليين. ما تجنيه مادلين من عائد يندرج تحت خط الفقر، فهي في أحسن حال تستطيع أن توفر ما لا يزيد عن 500 شيكل (130 دولاراً) كل شهر. وتحاول مادلين أن تثبت لوالدها حبها لهذا العمل كونه يشعر بألم لاضطرارها الخوض فيه. وحول نظرة المجتمع لعملها بادرتنا بالقول "شو يعني مجتمع"، "العمل ليس عيباً ولا حراماً، مع أن كل زملائي في المهنة هم من الرجال، ويكفيني فخراً أنني أحمي عائلتي من ذل الفقر وعواقبه". وفي أوقات توقف الصيد، أو تعذره بسبب الاحتلال الإسرائيلي تتكيف مادلين مع الوضع فتحول مركبها إلى قارب سياحي يقلُّ المواطنين مقابل أجر بسيط.

مشاريع

مجموعة من النساء الخريجات من الجامعات الفلسطينية في غزَّة، وبسبب قلة فرص العمل في تخصصاتهن، لجأن إلى افتتاح مشروع مختص بصناعة رقائق البطاطس، من خلال إنتاج الكميات المطلوبة للاستهلاك في السوق المحلي. نال المشروع دعم منظمة "أوكسفام"، ودعم المزارعين الفلسطينيين الذين يتعرضون لخسائر فادحة في ظل الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع.

نزول مادلين البحر محفوف بعدَّة مخاطر، أبرزها إمكانية اعتراضها من قبل الزوارق الإسرائيلية المنتشرة على بعد 6 أميال أو أقل. وقد تتعرض للأسر أو لمصادرة مركبها، أو الموت. وما تجنيه من عائد يندرج تحت خط الفقر، فهي في أحسن حال تستطيع أن توفر ما لا يزيد عن 500 شيكل (130 دولاراً) كل شهر.

رهيفة حمد مثلاً وهي خريجة قسم الرياضات، وأم لعدَّة أطفال، كانت سعيدة بحصولها على فرصة عمل وإن كان في غير مجالها التعليمي، لـ"سداد شيء من المتطلبات اليومية والوقوف بجانب زوجي. وهذا يزيل الإرهاق والتعب طالما أنَّنا أصبحنا منتِجات في مجتمعنا، ونستطيع أن نساند رجالنا الذين يعانون من قلة فرص الحصول على عمل". ويقدر الأجر اليومي للعاملات في المصنع الذي صدَّر منتوجاته لأول مرة في عام 2018 بنحو 40 شيكلاً (11دولاراً).

الدور الحكومي

عملت السلطات الفلسطينية على تطبيق بعض القوانين الداعمة للنساء الفلسطينيّات، وذلك بناءً على الشروط التي توفرها في قوانين الخدمة المدنية التي ساهمت بتسهيل عمل النساء في القطاع العام. ونسبة مشاركة النساء في القطاع المدني تبلغ 44 في المئة من مجموع موظفي القطاع العام، جلُّهم يعملون في قطاع التعليم والإدارة، حسب بيانات ديوان الموظفين العام لسنة 2020.

نسبة النساء من عدد أعضاء المجلس المركزي الفلسطيني لا تتجاوز الـ5 في المئة، كما هي 11 في المئة في المجلس الوطني، و 14 في المئة في مجلس الوزراء. وهناك 11 في المئة سفيرات فاعلات في السلك الدبلوماسي، كما أن هناك امرأة واحدة تشغل منصب محافظ محافظة رام الله والبيرة من أصل 16 محافظاً.

وعملت الحكومة الفلسطينية على إنشاء وزارة للمرأة، إضافة إلى وحدات للنوع الاجتماعي المختصة بقضايا المرأة في الوزارات المختلفة، لدعهما وإدماجها، وتوعية الوزارات بأهمية العدالة والمساواة داخل المؤسسات. وفي خطوة متقدمة اعتمدت الموازنة الحساسة للنوع الاجتماعي في موازنة السلطة. كما أنَّ فلسطين وقّعت على الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) دون أي تحفظات.

مقالات ذات صلة

ولكن نسبة النساء من عدد أعضاء المجلس المركزي الفلسطيني لا تتجاوز الـ5 في المئة، كما هي 11 في المئة في المجلس الوطني، و 14 في المئة في مجلس الوزراء. وهناك 11 في المئة سفيرات فاعلات في السلك الدبلوماسي، كما أن هناك امرأة واحدة تشغل منصب محافظ محافظة رام الله والبيرة من أصل 16 محافظاً.

مقالات من فلسطين

رحلة البحث عن رغيف

كُل صباح في الأيام الماضية، حينما أجوب الشوارع، لا أجدني سوى باحث عن الخُبز، وأنا حقيقةً لا أستوعب إلى الآن أن الحال وصلت بي - كما وصلت بكُل الناس- إلى...

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة

مسيف جميل 2024-11-17

لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...

للكاتب نفسه