قد يكون السؤال الأهم الذي علينا طرحه في سياق فهم «المكالمة الهاتفية» التي جمعت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي عهد الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد، ورئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب هو: لماذا لم يَعُد للسرية والخجل في العلاقات مع «إسرائيل» ضرورة؟ ليس لأن التأصيل للتعاون التاريخي والمستمرّ بين العديد من الأنظمة العربية، خاصة في الخليج، والحركة الصهيونية غير مهم، ولا لأن التأريخ للعلاقات الإماراتية-الإسرائيلية القديمة نوعًا ما ليس لازمًا، ولكن لأن الإعلان الصريح عن العلاقة وخلْق سردية سياسية كُبرى حولها هو ما جعل هذا الإعلان مغايرًا. هذا الإعلان قفز عن القضية الفلسطينية، بل داس عليها بعد أن فقدت القضية قدرتها على «الإحراج»، وفقدَ العديدون خجلهم أيضًا.
تناول عالم الاجتماع الألماني جورج زيميل بعمق السر والسرية كظاهرة اجتماعية، مؤكدًا على أن السرية واحدة من الظواهر الاجتماعية الأهم، لأنها تخلق عالمًا اجتماعيًا موازيًا، وبالتالي تعمل على توسعة المجال الاجتماعي والممارسات الاجتماعية الممكنة. لهذا يمكن القول إن أكثر الممارسات الاجتماعية المنبوذة تحدث أو حدثت بالسر، وأكثر الممارسات الاجتماعية بطولة ولربما أهمية أيضًا تحدث أو حدثت بالسر. يمكن تخيل مثلًا سرية اتفاقيات أوسلو أو بيع الأرض للعدو كممارسات سياسية واجتماعية منبوذة، احتاجت بالتالي إلى السرية، ويمكن أيضًا تخيّل السرية التي تُتِيح لمجموعات المقاومة في غزة إطلاق صواريخها لعمق الكيان كممارسات بطولية تحدث أو حدثت بالسر.
بهذا المعنى تحديدًا، كان التواصل العربي مع «إسرائيل» منذ بدايات المشروع الصهيوني مغلّف بالسرية، وكان التحالف معها والاستقواء بها مغلّف بصفقات حدثت خلف الأبواب المغلقة وفي عواصم بعيدة وباردة. اختلفت الأسباب والدوافع وراء هذا التواصل معها، ولكنّ ما أجمع عليه العرب حتى الأعوام القليلة الماضية هو حقيقة أن على التواصل مع «إسرائيل» أن يبقى طي الكتمان، وأنه لا يُمكن الإفصاح عنه دون دفع أثمان سياسية باهظة، وأحيانًا مكلفة وصلت حد الاغتيال، نذكر منها اغتيال أنور السادات وبشير الجميل.
عمانيون يرفضون التطبيع مع إسرائيل
15-08-2020
تركة السادات: ذكريات مراهقين مصريين
30-07-2020
لكنّ الثمن لم يعد باهظًا بعد أن خفَتَ دور التيارات العروبية والقومية أو تلاشى تمامًا، وبعد أن ضعف الفلسطيني وانقسم على نفسه، مُحاصَرًا في غزة، ومتعاونًا مع «إسرائيل» في الضفة. بل يمكن القول أن الوهن الفلسطيني الداخلي هو أهم عامل يتيح القفز عن السرية. وبذا، تلعب السلطة الفلسطينية والتيارات التي تقف على هامشها دورًا فاعلًا في خلق الظروف التي تتيح للإمارات إعلان تطبيعها. وبهذا تخرج الإمارات عن قرارات الجامعة العربية، وتتغنى بأنها أوقفت ما كان أصلًا مجمدًا؛ الضم في الضفة الغربية. السلطة الفلسطينية التي قبلت بأن يكون العجز موقفها، بل حولت مقولة «لا حول ولا قوة الا بالله» إلى مقولة أيديولوجية تتغنى بها وتتباهى فيها، عاجزة عن منع الاندفاع العربي نحو التطبيع، وقوية فقط في قمع المجتمع الفلسطيني وقدرته على المقاومة. هذه السلطة تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية تجاه ما يحصل من تهميش واضح وعلني للقضية الفلسطينية.لكنّ الثمن لم يعد باهظًا بعد أن خفَتَ دور التيارات العروبية والقومية أو تلاشى تمامًا، وبعد أن ضعف الفلسطيني وانقسم على نفسه، مُحاصَرًا في غزة، ومتعاونًا مع «إسرائيل» في الضفة. بل يمكن القول أن الوهن الفلسطيني الداخلي هو أهم عامل يتيح القفز عن السرية. وبذا، تلعب السلطة الفلسطينية والتيارات التي تقف على هامشها دورًا فاعلًا في خلق الظروف التي تتيح للإمارات إعلان تطبيعها. وبهذا تخرج الإمارات عن قرارات الجامعة العربية، وتتغنى بأنها أوقفت ما كان أصلًا مجمدًا؛ الضم في الضفة الغربية. السلطة الفلسطينية التي قبلت بأن يكون العجز موقفها، بل حولت مقولة «لا حول ولا قوة الا بالله» إلى مقولة أيديولوجية تتغنى بها وتتباهى فيها، عاجزة عن منع الاندفاع العربي نحو التطبيع، وقوية فقط في قمع المجتمع الفلسطيني وقدرته على المقاومة. هذه السلطة تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية تجاه ما يحصل من تهميش واضح وعلني للقضية الفلسطينية.
النص الكامل على موقع "حبر".