جاءت نتائج انتخابات اتحادات طلاب الجامعات المصرية الأخيرة مفاجئة للجميع، حيث التقدم غير المتوقع للطلاب المستقلين، وطلاب الحركات الثورية، والمنتمين لأحزاب سياسية نشأت بعد الثورة وتُعارض الحكم. لكن اختلفت قراءة تلك النتائج، ما بين اعتبارها دلالة على تراجع شعبية الإخوان وثمناً يدفعونه مقابل سياستهم وهم في سدة الحكم، ما أدى إلى تقليص قواعدهم في الجامعات لمصلحة قوى سياسية أخرى. بل وحمل ذلك إلى التكهن بإنجاز انتخابي كبير للقوى المعارضة في حال خوضها انتخابات برلمانية، باعتبار الانتخابات الطلابية نموذجاً مصغراً لها. ثم هل تؤشر نتائجها إلى بداية مرحلة جديدة للحركة الطلابية، يشكل فيها الطلاب أحد أهم الفاعلين في المشهد السياسي المصري؟
الحركة الطلابية تعود الى الحياة
لقد أدت سياسات القمع وتحويل الاتحادات الطلابية إلى مؤسسات شكلية، لا تعبر عن طموحات الطلاب واحتياجاتهم، وتعجز عن القيام بوظائفها الأساسية... إلى تراجع الحركة الطلابية داخل الجامعات المصرية سنوات حكم مبارك.
وقد تزامن تشكيل حركات طلابية فاعلة داخل الجامعة مع تصاعد الحركات الاحتجاجية عموما. وكما تظاهر وأضرب الطلاب من أجل مطالبهم الخاصة، شاركوا الحركات الاحتجاجية فعاليتهم، فطالبوا بإسقاط قانون الطوارئ، ونددوا بمقتل خالد سعيد، وتضامنوا مع اعتصامات العمال، وكان لكثير من حركاتهم دور في التنسيق من أجل تنظيم التظاهرات إبان أحداث ثورة 25 يناير، التي شكلت مشاركة الطلبة فيها جزءًا مهمًا من فعاليتها وحيويتها. ثم نظموا أنفسهم بعد 11 شباط/ فبراير، فكانت حركتهم جزءًا من العمل الثوري في مواجهة السلطة، وبرز دورهم مع زيادة عدد تنظيماتهم، والتفافهم حول مطالب ثورية في كل الأحداث (ماسبيرو، محمد محمود، مجلس الوزراء)، وكل فعاليات الثورة المطالبة بإسقاط حكم العسكر.
لاقت تحركاتهم بالجامعة، بالتوازي مع عملهم خارج أسوارها، نجاحاً نسبياً تمثل في إقالة بعض رؤساء الجامعات وعمداء الكليات. ومع الوقت زادت مساحة حركتهم، وزادت أعداد الطلبة الذين انخرطوا في العمل التنظيمي داخل الجامعة، ما جعلهم مصدرًا للضغط من أجل تحقيق المزيد من مطالبهم، والتي جاء على رأسها كسر المنظومة القديمة التي حجمت النشاط الطلابي، والتي كانت اللائحة الطلابية الإطار القانوني لها، وهي اللائحة المعروفة باسم "لائحة أمن الدولة"، لذا وضع الطلاب حتمية تغييرها في مقدمة مطالبهم.
برز الخلاف بين طلاب الإخوان المسلمين وباقي الطلاب في تلك الفترة، حيث اختلفت أهداف الطرفين، سواء في التحرك الخارجي الذي استهدف مواجهة حكم العسكر، أو داخل الجامعة، حيث جاء نشاط طلاب الإخوان في إطار عملية إحلال للقيادات الجامعية الإخوانية محل القيادات القديمة، والسعي للسيطرة والاستحواذ على اتحادات الطلبة، وهو ما عكسته الانتخابات الطلابية بعد الثورة في 2011 و2012، التي قاطعها طلاب التيار المدني اعتراضاً على اللائحة القديمة وخاضها طلاب الإخوان، فانفردوا بالاتحادات، و"اتحاد طلاب مصر"، ولم يشاركهم فيها سوى طلاب الاتحادات القديمة (صناعة النظام القديم) وبعض الطلبة المستقلين.
اللائحة القديمة أقرت
خاض طلاب التيار المدني معركة شرسة في مواجهة استمرار اللائحة الطلابية التي أعاقت دخولهم المعترك الانتخابي، ودشنوا حملة لوضع لائحة بديلة للائحة التي أعدها "اتحاد طلاب مصر" الواقع تحت سيطرة طلبة الإخوان، تحت اسم "لائحتك.. دستورك"، من خلال إقامة ورش عمل داخل الجامعات لكتابة لائحة طلابية من خلال الطلاب، والعمل على إقرار هذه اللائحة التي ستخرج بها ورش العمل الطلابية، حيث أن معظم القوى الطلابية لا تعترف بهذا الاتحاد، واعتبروا اللائحة التي أعدها مقيدة للحريات في الجامعة. إلا أن اللائحة التي أعدها الاتحاد أقرت، والانتخابات الأخيرة تمت وفقاً لها. وتعد أبرز المواد الخلافية حول هذه اللائحة في المادة التي تستوجب إخطار مجلس اتحاد الطلاب بأي نشاط طلابي قبل إقامته، وأنه يجوز لمجلس الاتحاد بأغلبية الثلثين رفض إقامة أي نشاط في حالة مخالفته التقاليد أو الأعراف الجامعية.
تكتيك الحملة
جاء قرار الطلاب بخوض الانتخابات الأخيرة، وبالشكل الذي تم، أي بتشكيل تحالفات انتخابية كبيرة، نتيجة إدراك جماعي لأهمية فرض أنفسهم كقوى مدنية في مواجهة الإخوان، خاصة بعد اكتسابهم قدرات تنظيمية، وتصعيد نشاطهم، وقناعاتهم بأن المقاطعة تعطي الفرصة لطلاب الإخوان للسيطرة على الاتحادات الجامعية، خاصة بعد أن أصبح الإخوان يمثلون السلطة، هذا فضلا عن انسداد الأفق السياسي بشكل عام، ما جعل الطلاب أكثر مرونة في إقامة التحالفات التي خاضوا بها الانتخابات، أملاً في إحداث تغيير داخل الجامعة.
عندما بدأت الدعاية الانتخابية، استخدم الطلاب اتساع حجم الرفض والغضب من سياسات الإخوان في الدعاية المضادة داخل الجامعة، فجزء كبير منها قام على أساس مواجهة الإخوان ونقدهم، واستخدام عبارات السخرية الحادة المنتشرة على صفحات التواصل الاجتماعي، مع ملاحظة أن الدعاية لم تتناول الهجوم على الطلاب المنتمين للتيار الإسلامي بشكل عام، بل الإخوان فحسب، في حين لم يستخدم طلاب التيارالإسلامي الشعارات الدينية، بل قامت دعايتهم على اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻷﻧﺸﻄﺔ، وتقديم الخدمات، كما استخدم طلاب الإخوان لغة دعائية جديدة بدت أكثر عصرية لا تعكس الانتماء الإسلامي.
الميدان والنتائج
وجاءت التحالفات مكونة من ثلاث كتل هي: الإخوان وحلفاؤهم من المستقلين، والتيار المدني وحلفاؤه من المستقلين، ثم المستقلين انفسهم. وبنيت كلها على أساس المصلحة المشتركة. حيث أن انتخابات المستوى التصعيدي تستوجب بناء تحالفات، ولا تستطيع أي حركة الفوز بمفردها. فيما كانت خيارات التحالف لطلاب التيار المدني مفتوحة على كل التيارات السياسية وﻓﻘﺎً ﻟﻈﺮوف اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻻنتخابية ﺑﻜﻞ ﺟﺎﻣﻌﺔ، حتى مع التيار السلفي، لكن الاستثناء الوحيد كان الإخوان.
عنصر المفاجأة في نتائج الانتخابات كان تقدم المستقلين، والتيار المدني أو طلاب القوى المعارضة للإخوان، مقابل خسارة الإخوان الكثير من مواقع نفوذهم ومعاقلهم في الجامعات.
فقد أوضحت النتائج بشكل عام تقدم الطلاب المستقلين الذين حصلوا على ﻣﻘﻌﺪي رﺋﻴﺲ وﻧﺎﺋﺐ رﺋﻴﺲ اتحاد ﻃﻼب في ٧ ﺟﺎﻣﻌﺎت، وأحد المقعدين في 4 جامعات. وحصل طلاب الإخوان على مقعدي الرئيس ونائبه في 8 جامعات مقابل 11 في الانتخابات الماضية، أما طلاب القوى السياسية الأخرى، فقد حصدوا ٨ ﻣﻘﺎﻋﺪ ﻣا بين رﺋﻴﺲ وﻧﺎﺋﺐ رﺋﻴﺲ، مقسمة على حزب الدستور، ومصر القوية، و"صناع الحياة"، وﺣﺰب اﻹﺻﻼح واﻟﻨﻬﻀﺔ.
فقد الإخوان جامعات كانت تحت سيطرتهم، مثل جامعة الإسكندرية، التي كانوا يسيطرون على مجلس اتحادها العام السابق. ففي هذه الانتخابات حصد مقعد رئيس اتحادها حزب الدستور، وذهب نائبه للمستقلين. وفي جامعة طنطا هزم الإخوان تماماً، ولم يحصدوا مقعداً واحداً، في حين حصد مقعدي الرئيس ونائبه طلاب مستقلون، وحصدت قوائم "انطلاقة وصوت الطلبة" التي تضم طلاب "حزب الدستور"، و"مصر القوية"، و"التيار الشعبي"، ومستقلين، مقاعد أمناء لجان اتحاد الجامعة ومساعديهم.
كما فقد الإخوان مقعد رئيس اتحاد جامعة سوهاج لمصلحة "صناع الحياة" ومقعد نائبه لمصلحة "مصر القوية"، وحصد التحالف بينهما المسمى "إيد واحدة" 93 في المئة من إجمالي عدد المقاعد. وهنا تجدر الإشارة إلى أن سوهاج من أكثر محافظات الصعيد تصويتاً للإخوان المسلمين في الاستحقاقات الانتخابية بعد الثورة.
تراجع الإخوان أيضاً في جامعة حلوان، وتقدم فيها التيار المدني في معظم الكليات التي كان يسيطر عليها الإخوان، فحصدت قائمة "صوت الطلبة" مقاعد رئيس الاتحاد ونائبه، وأمناء لجان اتحاد الجامعة، وهذه القائمة تتكون من طلاب "حزب الدستور"، و"الاشتراكيين الثوريين"، ومجموعات مستقلة. كما تراجع الإخوان في جامعات مدن القناة، وسجل الطلاب المستقلون ومعهم تحالف من ﻃﻼب "حزب اﻟﺪﺳﺘﻮر"، و"ﻣﺼﺮ اﻟﻘﻮﻳﺔ"، و"ﺻﻨﺎع الحياة"، و"اﻟﺘﻴﺎر المصري" تقدماً، سواء على مستوى حصولهم على ﻣﻘﺎﻋﺪ اتحادات الكليات أو مجلس الجامعة.
في المقابل سيطر طلاب الإخوان في بعض الجامعات مثل الزقازيق والمنصورة في الدلتا (على مقاعد رئيس الاتحاد ونائبه، وأكثر من 50 في المئة من مقاعد أمناء لجان اتحاد الجامعة في الزقازيق، و100 في المئة في المنصورة)، على الرغم من عدم حصولهم على أغلبية ﻣﻘﺎﻋﺪ اتحادات الكليات في هاتين الجامعتين.
استنتاجات
عدا فكرة ان تلك الانتخابات هي نوع من المثال المسبق، فيما لو جرت انتخابات عامة، او بروفا، فالعنصر الحاسم في هذه الانتخابات كان الطلاب المستقلين الذين حسم تحالفهم مع الحركات الطلابية المعارضة للإخوان الموقف لمصلحتها. وهذا يدل على ضعف هذه الحركات، وأنها لا تمتلك قدرات تجعلها تخوض منافسة قوية مع الإخوان بمفردها، بالرغم من تمددها داخل الجامعة وازدياد قوتها التنظيمية، فنسبة ما حصل عليه المستقلون، وإن كان يعبر عن تراجع الإخوان، فإنه لا يعبر على قوة طلاب التيارات الأخرى. كما أن الطلاب المستقلين هم من حسموا انتخابات "اتحاد طلاب مصر" لمصلحتهم، فقد فاز برئاسة الاتحاد طالب مستقل، بعد منافسة مع طالب إخواني حصل على منصب النائب.
في الوقت نفسه فإن جزءًا من الطلاب المستقلين كان لهم دور فيما حصل عليه الإخوان من مقاعد، حيث أن تحالف المستقلين مع طلاب الإخوان ساعدهم في الفوز في المستويات التصعيدية من العملية الانتخابية، ما مكنهم من الحصول على رئاسة الاتحاد في جامعات لم يكتسح فيها الإخوان بالمستويات القاعدية، مثل ما حدث في جامعة المنيا. فضلاً عن أن ﻋﺪد ﻃﻼب اﻹﺧﻮان لم يسمح لهم بالترشح على ﻏﺎﻟﺒﻴﺔ المقاعد بالجامعات المختلفة، لذا فتحالفهم مع المستقلين ساعدهم أيضاً في زيادة مساحة المنافسة.
هذه أول انتخابات حرة نزيهة في الجامعات المصرية. وقد يقرأ تراجع الإخوان فيها على أنه يدلل على تراجعهم السياسي والشعبي، وقد يقرأ على أنه غير معبر عن حجمهم المنتظر أن تعلن عنه الصناديق بعد شهور. لكن يبقى أن تلك الانتخابات نقطة فاصلة في مسار الحركة الطلابية المصرية بعد الثورة.