خطة الضم الكولونيالية الإسرائيلية

لم تولد خطة الضم الحالية التي يدعو إليها نتنياهو بموافقة الإدارة الأمريكية، من فراغ، ولا هي مفاجئة، بل تمثل المآل الفعلي لسيرورة متدحرجة منذ نشوء إسرائيل.
2020-06-29

عبد الله أبو كميل

صحافي من غزة


شارك
غور الأردن.

هل كُتب على الفلسطيني البقاء في معاصرة النكبات، فلا تنتهي حكاية نكبة حتى يفتح فصل جديد؟ الفلسطينيون أمام فصلٍ جديد من الرواية، هذه المرة على يد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي يسعى، من بين أشياء أخرى، إلى استقطاب الناخبين في المرحلة المقبلة بعدما كاد أن يطيح به - ربما انتقاماً- وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان.

حصل اتفاق بين أكبر حزبين متنافسين (الليكود، وأزرق أبيض) على المضي قدماً في توحيد رؤيتهما حول مشروع ضم الضفة الغربية. وعلى الرغم من المعارضة التي أبداها الجمهور الإسرائيلي على تنفيذ الضم، في المرحلة الحالية على الأقل، الذي لا تتعدى فيه نسبة التأييد للفكرة 27 في المئة فقط، وفق استطلاع للرأي أجراه معهد "سميت" لصالح صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، إلا أنَّ نتنياهو يعتبره الوقت الأنسب لتمرير الفكرة، مستغلًا الإيجابية الأميركية التي أبداها رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب، والتي كانت بادرتها الإعلان عن "صفقة القرن"، التي قامت بـ"الاعتراف" بالقدس كعاصمة موحدة لإسرائيل، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ووقف المساعدات عن وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، واقتطاع الدعم المالي عن خزانة السلطة الفلسطينية، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، ليُستكمل تطبيق الصفقة من خلال المشاركة الأميركية في وضع خرائط الضم المقرر في بداية تموز/ يوليو 2020.

تقسيم الضفة الغربية

بعد عام 1993، وِالاتفاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية أميركية على تفاهمات "أوسلو"، التي نتج عنها تقسيم الــ 21 في المئة من المساحة المتبقية من فلسطين التاريخية إلى ثلاثة أقسام، هي المنطقة (أ، A) والتي تقدر مساحتها بحوالي 18 في المئة أعطيت السيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية، والمنطقة (ب،B) والتي تقدر مساحتها بحوالي 21 في المئة، وقد تمّ اقتسام الإشراف عليها بين السلطة الفلسطينية التي لها السيطرة على السكان تعليمياً وصحياً واقتصادياً، بينما تبقى المسؤولية الأمنية كاملة للسلطات الإسرائيلية، أما المنطقة (ج،C) والتي تشكل أكبر مساحة في الضفة الغربية وتقدر بحوالي 61 في المئة منها، فتسيطر عليها إسرائيل بشكل كامل دون أي تدخل للجانب الفلسطيني، بينما كان من المقرر بحسب اتفاقية أوسلو 2، أن تُسلّم هذه المنطقة للجانب الفلسطيني خلال المرحلة الانتقالية التي لا تتعدى 5 سنوات. إلا أنَّ إسرائيل اعتبرتها أرضاً لها دون تطبيق للتفاهمات، لتعود حلقة المصادرة مرة أخرى إلى أن أعلن بنيامين نتنياهو خطة الضم التي تحمل عدَّة سيناريوهات.

سيناريوهات الضم

السيناريو الأول وهو الحد الأقصى لعملية الضم، يتم خلاله ضم غور الأردن، بالإضافة إلى مناطق "ج" والتي تعتبر أكبر مساحة في الضفة الغربية، ويقطنها قرابة 300 ألف فلسطيني. وهي مضمومة لإسرائيل بحكم الأمر الواقع، كونها تخضع للسيطرة الإسرائيلية بشكل كامل، وقد تم خلال الـ 25 عاماً الأخيرة بعد اتفاق أوسلو تكثيف الاستيطان فيها، وشق طرق التفافية، وإقامة مناطق صناعية وشبكة مواصلات وبنية تحتية، الأمر الذي جعلها مهيئة بشكل فعلي لأن تكون جزءاً من إسرائيل.

أمَّا السيناريو الثاني فيقوم على ضم غور الأردن فقط. وكانت إسرائيل قد قسمت هذه المنطقة إلى كيانين: وادي الأردن ومجلس ماغيلوت – البحر الميت الإقليمي، وهو الذي يشكل الهدف الرئيسي لها، لعدة اعتبارات.
السيناريو الثالث يتكلم عن ضم الأراضي الواقعة خلف الجدار الذي أنشأه الاحتلال عام 2002، بين أراضي 1948 والضفة الغربية المحتلة.

المرجح أن يحدث ضم للكتل الاستيطانية: مستوطنات أريئيل، وغوش عتصيون، ومعاليه أدوميم، ويوجد فيها كلها حوالي 600 ألف مستوطن.

المرجح أن يحدث ضم للكتل الاستيطانية: مستوطنة أريئيل، ومستوطنة غوش عتصيون، ومستوطنة معاليه أدوميم، ويوجد فيها كلها حوالي 600 ألف مستوطن. وهو ما يؤكده الصحافي "شلومو يروشالمي"، في "تايمز أوف إسرائيل"، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين لم يكشف أسماءهم. ولكن نتنياهو قد يلجأ حسب قوله إلى ضم المستوطنات الصغيرة تفادياً لتأجيج الرأي العام الذي بات متوتراً من الفكرة.

لماذا غور الأردن؟

المعروف عموماً أنَّ نتنياهو وعد بضم غور الأردن شمال البحر الميت، والمستوطنات دون أن يحدد أماكنها وعددها. من الناحية النظرية الافتراضية، وفي حال تطبيق "حل الدولتين"، فلا بد أن منطقة الغور هي الحدود الفلسطينية مع دولة الأردن. يبحث نتنياهو عما يمكَّنه من تطبيق القانون الإسرائيلي فيها من خلال فرض السيطرة عليها: أولًا، هذه المنطقة هي أطول حدود بين إسرائيل ودولة عربية، وقد تكون الأخطر جغرافياً، لأنَّه كلما كبرت الحدود زادت صعوبة السيطرة عليها، لذلك كل تفكير الحكومات الإسرائيلية منذ حرب 1967 هو ضرورة السيطرة على هذه المنطقة، ليس فقط لقربها أو تشابكها مع الحدود الطويلة للأردن، بل لأنَّ هذه الحدود قد تكون منفذاً اقتصادياً داعماً للفلسطينيين، فنسبة كبيرة من السكان الأردنيين على الحدود أصولهم فلسطينية، وفي حال قيام أيّ كيان فلسطيني في المنطقة يمكِنهم تقديم دعم مباشر دون تدخل إسرائيلي. لكن المسافة بين الحدود وبين القدس لا تتجاوز 40 كلم، وبينها وبين معقل الاقتصاد الإسرائيلي تل أبيب لا تتجاوز 90 كلم، المسافة إلى حيفا التي تنوي إسرائيل أن تجعلها ميناءً اقتصادياً مع الدول العربية مستقبلياً هي حوالي 160 كلم. لذا ومن أجل السيطرة على غور الأردن لجأت إسرائيل لأساليب التفافية منها إنشاء محميات طبيعية، والسيطرة على أجزاء من الأرض بذريعة أنَّها مناطق عسكرية يُمنع التواجد الفلسطيني فيها، وعملت على طرد القبائل البدوية من المنطقة، ولم تسمح بإصدار تصاريح بناء للفلسطينيين، وسمحت بإقامة مستوطنات في بعض النقاط على المساحة المحدَّدة.

مقالات ذات صلة

كما أن غور الأردن هو أكثر المناطق خصوبة في فلسطين، وهو السلة الغذائية للأراضي الفلسطينية، والبحر الميت موقع سياحي مهم. أمَّا من الناحية الاستراتيجية، فنهر الأردن والمياه الجوفية ليست ببعيدة عن هذه الحدود، فهذه المياه هي السلعة المستقبلية النادرة في ظل الحديث عن توقعات نشوب حروب على المياه.

يحتل غور الأردن ثلث مساحة الضفة الغربية وتنتشر فيه البؤر الاستيطانية التي يقارب عددها 500 بؤرة. هذا من جانب، ومن الجانب الآخر ينتصب جدار الفصل الممتد من الشمال إلى الجنوب بطول التفافي يتجاوز 700 كلم، سيحشر الفلسطينيون في زاوية، ولن يتمكنوا من الحركة أو التنقل إلَّا من خلال الحواجز الأمنية الإسرائيلية.

المسافة بين الحدود الأردنية وبين القدس لا تتجاوز 40 كلم، وبينها وبين معقل الاقتصاد الإسرائيلي تل أبيب هي 90 كلم، وأما المسافة إلى حيفا التي تنوي إسرائيل أن تجعلها ميناءً اقتصادياً مع الدول العربية مستقبلاً فهي حوالي 160 كلم.

غور الأردن هو أكثر المناطق خصوبة في فلسطين، وهو السلة الغذائية للأراضي الفلسطينية، والبحر الميت موقع سياحي مهم. أمَّا من الناحية الاستراتيجية فنهر الأردن والمياه الجوفية ليست ببعيدة عن هذه الحدود، فهذه المياه هي السلعة المستقبلية النادرة في ظل الحديث عن توقعات نشوب حروب على المياه.

بضم غور الأردن لن يتبقى الكثير من المساحة الجغرافية للفلسطينيين، ما يعني نسف فكرة "حل الدولتين". يريد نتنياهو دولة يهودية مع إعطاء الفلسطينيين حكماً ذاتياً مرتبطاً بشكل أو بآخر بدولة الأردن، كما كان الحال قبل عام 1967.

السياق الذي وصل الى خطة الضم الحالية

عرض وزير العمل الإسرائيلي يغئال ألون خطته في تموز/ يوليو 1967 على الحكومة لتبنيها، وكانت تقضي بفصل الأراضي الفلسطينية المحتلة حديثاً في ذلك الوقت عن المحور العربي والإسلامي، وتحويل غور الأردن لحدود أمنية إسرائيلية مع الأردن. لم توافق الحكومة الإسرائيلية على تبني خطة ألون نظرياً، ولكنها اختارت أن تنفذها واقعياً وعملياً. ثم تلا تلك خطة "السلام الاقتصادي" التي حمل لواءها وزير الدفاع في حكومة ليفي أشكول موشيه ديان، والتي تتمحور حول السيطرة على جبال الضفة الغربية وإنشاء معسكرات فيها للجيش الإسرائيلي. وبالفعل طبقت الخطة، وكان نتاجها إقامة خمسة تجمعات إسرائيلية: مستوطنة أدوريم جنوب الخليل، وبعل حتسور قرب رام الله، وغوش عتصيون في منطقة بيت لحم، وبيزق قرب جنين، وحوارة قرب نابلس. وجرت مصادرة 20 ألف دونم حول كل مستعمرة. ثم في عام 1968 أقيمت ثلاث مستوطنات أخرى وهي أريئيل (تقارب مساحتها 15 ألف دونم)، ومعاليه أدوميم (مساحتها 50 ألف دونم، أي ما يزيد عن مساحة تل أبيب).

بعد ذلك جاءت خطة أرئيل شارون، والتي تبنت - عام 1977 - فكرة إنشاء الاستيطان على قمم الجبال، فعمل على رسم خرائط مجملها، وزرع البؤر الاستيطانية في كل المناطق غير المأهولة بالسكان بحجة الحفاظ على الأمن الإسرائيلي. ونتج عن هذه الخطة بناء 64 مستوطنة حتى عام 1981، يضاف لها شق الطرق بإجمالي 350 كلم، ثم القرار العسكري 55 القاضي بفصل الضفة الغربية إلى خطي عرض وطول عام 1983، تمهيداً لمشاريع مستقبلية لبناء المزيد من البؤر الاستيطانية. وحتى عام 1986 كثّفت إسرائيل البناء الاستيطاني ليضاف لتلك 68 مستوطنة جديدة برعاية شارون ورئيس دائرة الاستيطان في الوكالة اليهودية متتياهو دروبلس. وفي عام 1991 أدخل شارون تعديلات جوهرية على خطة استعمارية سُميت "النجوم السبع" كانت قد عُرضت في 1960، وهدفت إلى محو الخط الأخضر من الذاكرة الدولية، وربط مستوطنات الضفة بالعمق الإسرائيلي بشكل مباشر، وبالتالي السيطرة شبه الكاملة على كل المناطق التي أقيمت بها المستوطنات. ومنذ اتفاقية أوسلو وصولاً إلى عام 2001 أنشأت 112 بؤرة استيطانية إسرائيلية، وتلك جميعها هي السيرورة التي أوصلت الى خطة الضم الحالية.

مقالات من فلسطين

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة

مسيف جميل 2024-11-17

لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...

كلّ ما يتحدّى اكتمال الإبادة..

صباح جلّول 2024-11-10

شبعت أعين العالم أكلاً في مأساة غزّة. لن تغيِّر صور الموت ما لم يغيّره الموت نفسه. لذلك، فهذه هنا صور لقلبٍ ما زال ينبض، لملمناها من صور شاركها الصحافي يوسف...