لا أنباء للفلسطينيين في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية. لكن المنافسة المركزية هي بين حزب الليكود الحاكم بقيادة بنيامين نتنياهو، وقائمة "أزرق أبيض" الانتخابية التي يقودها بيني غانتس، وهو رئيس هيئة الأركان السابق الذي قاد العدوان الدمويّ على قطاع غزّة عام 2014. وهذه يمكنها أن تشكّل دلالة مفيدة لفهمٍ أعمق للمجتمع الصهيوني وتحديداً لمكانة الجيش الإسرائيلي في هذا المجتمع.
لعب الجيش دوراً تاريخياً مفصلياً في تكوين إسرائيل كما نعرفها اليوم، مجتمعاً وسياسة واقتصاداً. ولا يقتصر هذا على وظيفته العسكرية، إنما على البعد الاجتماعي كما صاغه دافيد بن غوريون في رؤيته للجيش باعتباره "مركزاً تربوياً طلائعياً للشبيبة الإسرائيلية" والأداة الأولى "لتوحيد شعب إسرائيل". بل رأى بالجيش قيمة مؤسِسة مماثلة لوزارة التربية. وأصرّ على تأسيس الجيش بناءً على فهم الجنود للرؤية والأهداف التاريخية ل"الشعب اليهودي". كما استخدمت القيادات الإسرائيلية الميثولوجيا والتاريخ التوراتي لبناء صورة الجيش ولتعبئته. أما عملياً، فقد تشكّل "جيش الشعب" من خلال فرض الخدمة الإجبارية على كل من يحمل المواطنة الإسرائيلية (وأعفت المواطنين الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين، ولم تُعفِ الدروز)، وتحوّلت المؤسسة العسكرية إلى رأس الهرم بين مؤسسات دولة يسيطر على كل مفاصلها حزب ماباي –حزب صهيوني علماني واشتراكي - بقيادة بن غوريون، ويفرض عليها أيديولوجيته.
بهذا الإطار التاريخي، لعب الجيش الإسرائيلي الدور الأهم في الحياة الاجتماعية الإسرائيلية كما في الحياة السياسية. وكان الانتقال من القيادة العسكرية للقيادة السياسية انتقالاً شبه أوتوماتيكي. لكن هذه الحالة تغيّرت مع متغيّرات كثيرة عاشتها إسرائيل، ولم يعد من الممكن أو الصحي قراءة الشأن الإسرائيلي من خلال إرادة الجيش وحاله فقط، ولا تحليل القرار السياسي الإسرائيلي وتوقّعه من خلال فهم الواقع العسكري فقط.
الجيش وانتخابات 2019: أن يكون أو لا يكون
احتمالات تشكيل قائمة غانتس لائتلاف حكومي بأغلبية برلمانية، ضئيلة جداً حتى وإن تفوّق من حيث عدد الأصوات على حزب الليكود. لكن مفصلية هذه الانتخابات لا تكمن في تغيّر الحزب الحاكم، قدر ما هي في مكانة الجيش الإسرائيلي في الدولة. فبشكلٍ أو بآخر، يُمكن أن تكون هذه الانتخابات المسمار الأخير في نعش الهيمنة السياسية للعسكر في إسرائيل.
تأتي الانتخابات الإسرائيلية الحالية وسط إحباط شديد في المعارضة الإسرائيلية وتحطّم شبه تام لحزب العمل (وهو النقيض السياسي التاريخي لحزب الليكود). وتَعامل الصهاينة العلمانيون مع بيني غانتس على أنه المخلِّص المنتظر. والفكرة بسيطة: جنرال "يفهم القوة" (أي يديه ملطّخة بدم ما يكفي من الفلسطينيين) هو الوحيد القادر على أن يواجه مظهر القوة الأمنية الذي يميّز نتنياهو. ولعبت الماكينة الإعلامية لغانتس على هذا الانتظار للمخلّص: أجّجت حالة الترقّب من خلال تعمّد التزامه بالصمت لشهور طويلة وعدم صدور أي تصريح أو خطاب، حتى بدأت الصحافة الإسرائيلية تُلقّبه بـ"جوكر"، وهو ما هدف لأن (ونجح بـأن) يُصوَّر الصمت على أنه وقار واتزان وتربّص محسوب، ما يحاكي الفنتازيا العسكرية المخابراتية المريضة التي يتغذّى عليها المجتمع الإسرائيلي.
لعب الجيش الإسرائيلي تاريخياً الدور الأهم في الحياة الاجتماعية الإسرائيلية كما في الحياة السياسية. وكان الانتقال من القيادة العسكرية للقيادة السياسية انتقالاً شبه أوتوماتيكي. لكن هذه الحالة تغيّرت مع متغيّرات كثيرة عاشتها إسرائيل.
استمر غانتس في التزامه بالصمت نحو الشهر حتى بعد تسجيل حزبه في كانون ثاني/ يناير 2019. ونشر خلال هذه الفترة إعلانات مصوّرة يطغى عليها الطابع العسكري، من المستويات الأقل مباشرة، مثل استخدام ألوان البزّة العسكرية في الدعاية الانتخابية، وصولاً إلى ما يمكن اعتباره اعترافاً بجرائم الحرب في غزّة، من صور جوية للدمار الذي خلّفه عدوان 2014 على القطاع وافتخار بأن غانتس "أعاد غزّة إلى العصر الحجري"، وإعلان فيه عدّاد يحصي 1346 شهيداً قتلهم الجيش تحت قيادة غانتس في غزّة على خلفية صور الجثامين والجنازات، كما وتصوير جوي لعملية اغتيال الشهيد أحمد جعبري، والذي يُعرض كأنجازٍ شخصي لغانتس.
لم يتوقّف رهان المعارضة الإسرائيلية على العسكرة هُنا، بل جاء أيضاً في تشكيل تحالفٍ للجنرالات، وانضمام رئيس هيئة أركان الجيش إبان عدوان 2009 على غزّة – غابي أشكنازي - ثم التحالف مع حزب يرأسه موشيه يعالون الذي قائد هيئة الأركان إبان الانتفاضة الثانية، وكان وزيراً للأمن في حكومة نتنياهو (وضمّوا مؤخراً حزب يائير لابيد الذي أضفى على القائمة طابعاً مدنياً). خلال الحملة الانتخابية، تصرّفت القائمة وتصوّرت بهيئة عسكرية، مستخدمةً مصطلحات عسكرية لوصف نشاطها الانتخابي، وحافظت على ظهور الرجال الأربعة معاً في مواقع وخلفيات تظهرهم بمظهرٍ أمني.
يتَعامل الصهاينة العلمانيون مع بيني غانتس على أنه المخلِّص المنتظر. والفكرة بسيطة: جنرال "يفهم القوة" (أي يديه ملطّخة بدم ما يكفي من الفلسطينيين) هو الوحيد القادر على أن يواجه مظهر القوة الأمنية الذي يميّز نتنياهو.
هذا الرهان الكامل والتام على المؤسسة العسكرية في صياغة البديل السياسي لنتنياهو كان، على الأرجح، الوسيلة الوحيدة لمواجهة سيطرة حزب الليكود. لكنه بالوقت ذاته ورّط المؤسسة العسكرية في امتحانٍ مُحرجٍ قد يعرّي مكانة الجيش في إسرائيل - مواجهة مع الحقيقة التي يعرفها غانتس أكثر من أي طرفٍ آخر. بحسبما جاء في تقرير نشرته Israel Defense عام 2014 على خلفية الجدل حول ميزانية الجيش وإقالة آلاف الجنود الموظفين (أي غير المتطوعين) في الجيش الإسرائيلي، يواجه الجيش "شارعاً معادياً" مع تحريض الوزارات الإسرائيلية وعلى رأسها وزارة المالية... لكن الشرخ بين "الشارع" والجيش أعمق بكثير من مجرد أزمة ميزانيات.
كيف نشأ الشرخ؟
تعود بذور التغيير المركزي في العلاقة بين الجيش والمجتمع الإسرائيليين إلى هزيمة 1967 واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزّة. صحيح أنّ الهزيمة صوّرت الجيش الإسرائيليّ كجيش لا يُقهر، إلا أنّه بالوقت ذاته، وبالحقيقة، صار جيشاً لا ينتصر: من حرب الاستنزاف، وحرب 1973، والعدوان على لبنان الذي تورّطت فيه إسرائيل حتى هزمتها المقاومة اللبنانية، والانتفاضتين الأولى والثانية وحرب 2006، وحصار قطاع غزّة حتى يومنا هذا.
لكنّ العامل الأهم، والذي يرتبط أيضاً بهزيمة العام 1967 هو قرار الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزّة. شجعت الحكومات الإسرائيلية جميعها دون استثناء بناء المستوطنات ونقل المستعمرين من الأراضي المحتلة عام 1948 إلى الضفة وغزّة انطلاقاً من رؤية أمنية وسياسية توسعية للحزب الحاكم - ماباي. إلا أن الاستيطان في الضفة الغربية (ويعتبرها اليهود الأرض التوراتية وفيها معظم المواقع التي تزعم الصهيونية أهميتها الدينية) التقى خلال سنوات قليلة مع أيديولوجيا صهيونية متدينة تتعارض مع الصهيونية العلمانية التي انتهجها ماباي وفرضها على مؤسسات الدولة بما فيها الجيش. عام 1973 تأسست حركة "غوش إيمونيم" الصهيونية المتدينة التي سابقت الحكومة الإسرائيلية وصعّدت في بناء المستوطنات وسلب أراضي الفلسطينيين. هذه الحركة هي بذرة ما يُعرف اليوم بالتيار القومي الديني في إسرائيل، والمعروف في العالم بالأسم المغلوط "يمين متطرّف". حزب الليكود، الذي وصل الحكم عام 1977 لأول مرة، انسجم مع هذه الحركة (على الرغم من الاختلاف الأيديولوجي معها) ضد حكم ماباي، وتَوطّد الانسجام بين الليكود والحركة الاستيطانية حتى بات اليوم تماهياً تاماً.
تعود بذور التغيير في العلاقة بين الجيش والمجتمع الإسرائيليين إلى هزيمة 1967 واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزّة. صحيح أن هزيمة الجيوش العربية صوّرت الجيش الإسرائيلي كجيش لا يُقهر، إلا أنه بالوقت ذاته، وبالحقيقة، صار جيشاً لا ينتصر: حربي الاستنزاف و1973، والعدوان على لبنان حتى هزمتها المقاومة اللبنانية، والانتفاضتين الأولى والثانية، وحصار قطاع غزّة المستمر.
ظهر الخلاف بين الحركة الصهيونية المتدينة ومؤسسات الدولة ومن ضمنها الجيش في مواجهة مفاصل عديدة، بدءاً من محاولات إخلاء البؤرة الاستيطانية "آلون موريه" في السبعينيات الفائتة التي أسستها حركة "غوش إيمونيم"، وصولاً إلى الذروة في عملية فك الارتباط وإخلاء مستوطنات قطاع غزّة.. نجم عن هذه المواجهات شرخ بين الولاء الديني والولاء الوطني العسكري.
بموازاة هذا التبلور الأيديولوجي للصهيونية المتدينة، أدى الجيش الإسرائيلي مهام إدارة جميع مناحي الحياة في الضفة الغربية وقطاع غزّة، وعلى رأسها حماية المستوطنين والمساهمة في طرد وحصار وقمع الحياة الفلسطينية. والأهم، أن الجيش الإسرائيلي كان الجهة الأساسية المسؤولة عن مصادرة الأراضي الفلسطينية وتحويلها إلى المستوطنين بشكلٍ "قانوني". هنا، نتج واقعٌ فيه استيطان من منطلقات أمنية وسياسية توسعية يديرها الجيش تنفيذاً وانسجاماً مع سياسات حكومات ومؤسسات بهيمنة علمانية لديها حسابات استراتيجية ودولية وقانونية، مقابل استيطان أيديولوجي ديني له رؤية "مسيانيّة" ( Messianicأي تنتظر مسيحاً مخلِّصاً) يدير معركة ضد كل ما يحاول تأخيره عن تحقيق "الخلاص" اليهودي و"تحرير" الأرض. تدهور هذا الصراع الذي بدأ كالتقاء مصالح، ووصل ذروته في اغتيال رابين بعد توقيع اتفاقية أوسلو.
ظهر الخلاف في نقاط مواجهة كثيرة بين الحركة الصهيونية المتدينة ومؤسسات الدولة ومن ضمنها الجيش. مواجهة في مفاصل عديدة، بدءاً من محاولات إخلاء البؤرة الاستيطانية "آلون موريه" في السبعينيات الفائتة، والتي أسستها حركة "غوش إيمونيم"، وصولاً إلى مواجهات كثيرة كانت ذروتها في عملية فكّ الارتباط وإخلاء مستوطنات قطاع غزّة التي شهدت مواجهة شديدة جداً بين المستوطنين ومؤسسات الدولة، ومن بعدها قد نذكر إخلاء مستوطنة "عامونا" وغيرها. نجم عن هذه المواجهات قضايا عديدة متعلقة بالشرخ بين الولاء الديني والولاء الوطني العسكري. مثلاً: أصدرت القيادات الروحية للصهيونية الدينية فتاوى تحرم على الجنود تنفيذ أوامر عسكرية بإخلاء المستوطِنين حتى لو كان ذلك بثمن السجن، وشجّعت على الانشقاق، وظهرت حالات عديدة جداً من التجسس داخل الجيش لصالح المستوطِنين وتسريب معلومات عن الحركة العسكرية لإخلاء أو اعتقال المستوطِنين ممن يهاجمون مؤسسات الدولة.
بعد فكّ الارتباط بقطاع غزّة، تبنت الحركة الدينية قراراً بنقل المواجهة إلى داخل مؤسسات الدولة، وبنت استراتيجيتها على التغلغل في جميع مؤسسات الدولة: السيطرة على الكنيست والحكومة ووزاراتها والمحكمة العليا... والجيش طبعاً.
لكن المواجهة لم تبقَ بين مؤسسات الدولة الصهيونية والحركة الاستيطانية المتدينة، بل هي شهدت تحوّلاً استراتيجياً بعد إخلاء مستوطنات غزّة (وكانت المواجهة الكبرى والضربة الكبرى التي تلقّتها الحركة الصهيونية المتدينة). بعد فكّ الارتباط، تبنت الحركة قراراً استراتيجياً بنقل المواجهة إلى داخل مؤسسات الدولة، وبنت استراتيجيتها على التغلغل في جميع مؤسسات الدولة: السيطرة على الكنيست والحكومة ووزاراتها والمحكمة العليا... والجيش طبعاً.
معركة داخل المؤسسات
أثّر تغلغل الحركة في الجيش على الطابع الاجتماعي لهذه المؤسسة. وواحدة من المسائل الأكثر بروزاً هي مسألة تديّن الجيش، كما انعكست في قضايا أثارت ضجيجاً إعلامياً وسياسياً في إسرائيل، مثل تهميش النساء في الجيش، ومحاولات منع الاختلاط بين الذكور والإناث (ومن المعروف أن النسويات الإسرائيليات في غاية الحرص على مشاركتهن في سفك الدماء!)، أو إجبار المجندين العلمانيين على المشاركة في طقوسٍ دينية أو تكريس التعليم الديني وزيادة صلاحيات الحاخام الرئيسي للجيش.. وغير ذلك.
كان الجنرالات الذين ينافسون الآن كبديلٍ لحكم الليكود (غانتس وأشكنازي تحديداً، أكثر من يعالون) يديرون خلال فترة قيادتهم للجيش صراعات داخلية ضد تغلغل الصهيونية المتدينة، انعكست في معارضتهم الشديدة لتدين الجيش وسعيهم للحفاظ على طابعه العلماني التقليدي. خلقت هذه الحالة نزاعات داخل الجيش اصابت شرعية هؤلاء الجنرالات وسحبت الإجماع من تحت أقدامهم.
"جيش 2025": تغييرات بنيوية
بموازاة هذا كله، فإن الجيش الإسرائيلي يواجه تغييرات بنيوية تلوِّح بضرب شعبيته ومكانته في المجتمع الإسرائيلي. في السنوات الأخيرة، شهد الجيش الإسرائيلي نقاشات كثيرة حول مفهوم "جيش الشعب"، وطُرحت صيغ عديدة تهدف إلى تحويله جيشاً مهنياً. يأتي هذا تتويجاً لمسار اجتماعي طويل من النكبة حتى اليوم، من "مجتمع طلائعي مقاتل" أسس دولة استعمارية ذات اقتصاد اشتراكي، وصولاً إلى مجتمع استهلاكي يعيش في اقتصادٍ رأسمالي متقدِّم. مع هذه التغييرات تراجعت المهام التربوية والاجتماعية الكثيرة التي كان يقوم بها، المتعلّقة مثلاً بالتثقيف والتربية.
واحدة من المستندات المركزية التي ناقشت هذه التغييرات كان ما أصدره الجيش بقيادة غانتس نفسه - "الجيش الإسرائيلي 2025" - والذي يُقدّم تصوراً لجيش إحترافي "صغير وذكي". ارتبطت هذه التغييرات البنيوية بإغلاق عدد من الوحدات العسكرية المركزية وإقالة آلاف الموظفين في الجيش.
ويعيد بعض العسكريين ذلك إلى تغيير جهاز التعليم في إسرائيل الذي صار يشجِّع على التخصصات العلمية، والتوجيه التعليمي الذي يؤدّي إلى انخفاض في استعداد وحماسة الشبيبة الإسرائيبلية للتجنّد للوحدات القتالية، وتخصصهم في مجالات تؤهلهم لوحدات عسكرية أكثر نخبوية مثل وحدات ال"سايبر" (Cyber)والمخابرات والتطوير العلمي إلخ... إضافةً إلى تراجع صلاحيات "الجبهة الداخلية" في الجيش والتي كانت تُشكّل علاقة مع المجتمع الإسرائيلي.
من أين نُفكّر بإسرائيل؟
12-05-2017
واحدة من المستندات المركزية التي ناقشت هذه التغييرات كان ما أصدره الجيش بقيادة غانتس نفسه - "الجيش الإسرائيلي 2025" - والذي يُقدّم تصوراً لجيش إحترافي "صغير وذكي". ارتبطت هذه التغييرات البنيوية بإغلاق عدد من الوحدات العسكرية المركزية وإقالة آلاف الموظفين في الجيش. كما يُطرح على طاولة الحكومة الإسرائيلية إمكانيات كثيرة، منها تخفيف الخدمة الإجبارية (ومدتها ثلاث سنوات) إما من خلال إلغائها أو من خلال تقصير مدتها، بمقابل البحث عن جنود متطوعين مستعدون للتجنّد لفترات أطول من ثلاث سنوات يكون استثمار التدريب وتطوير المهارات فيهم أكثر نجاعةً، ويتعاملون مع الجيش باعتباره مهنة.
المسمار الأخير
كل هذه التغييرات الاجتماعية في إسرائيل، والبنيوية في الجيش الإسرائيلي، تتطلّب منا أن نعيد النظر في قراءة الشأن الإسرائيلي بشكلٍ يرى بالجيش آمراً ناهياً. وفهم خارطة القوى الإسرائيلية على تعقيدها وتفاوتاتها، بين التيارات الصهيونية الفاعلة في إسرائيل، وتقدير حجمها ونقاط ضعف كل واحدة منها وتناقضها مع الأخرى. والسؤال الأساس هو كيفية تأجيج هذه التناقضات - وتناقضات هذه التيارات هي مكامن الضعف الأساسية للمشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين. لذلك فإن تحليل البنية الاجتماعيّة أساسيّ في توجيه وتنجيع العمل المقاوِم.
في ترشّحهم، معاً، في قائمة منافسة لحزب الليكود وما بات يمثّله من حركة صهيونيّة متديّنة، ما يحوّل الانتخابات إلى استفتاء على طابع الجيش الاجتماعي، وعلى مكانته في المجتمع الإسرائيلي مقابل الحركة الاستيطانية. وهو ما يعرّضهم إلى الإمكانيّة المذكورة سابقاً: أن يُدقّ المسمار الأخير في نعش هيمنة الجيش التقليدية على الحياة السياسية. وهذا، كما ذُكر، نقطة الأهمية الوحيدة بالنسبة للإنسان العربي.