وقاحة الأثرياء العرب

مرّ الخبر الخبيث مرور الكرام في الصحافة العربية قبل أيّام: ثروات الأغنياء العرب زادت منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية، وواصلت مسارها التصاعدي بعد اندلاع الانتفاضات العربية. الخبر ليس تخميناً ولا تحليلاً، بل نتيجة استطلاع أجراه «قسم إدارة الثروات والاستثمار» في «بنك باركليز» البريطاني، أحد أكبر المؤسسات المالية عالمياً في الوقت الراهن، وأُعلنت نتيجته يوم الأحد
2013-06-19

شارك

مرّ الخبر الخبيث مرور الكرام في الصحافة العربية قبل أيّام: ثروات الأغنياء العرب زادت منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية، وواصلت مسارها التصاعدي بعد اندلاع الانتفاضات العربية. الخبر ليس تخميناً ولا تحليلاً، بل نتيجة استطلاع أجراه «قسم إدارة الثروات والاستثمار» في «بنك باركليز» البريطاني، أحد أكبر المؤسسات المالية عالمياً في الوقت الراهن، وأُعلنت نتيجته يوم الأحد الماضي (16 حزيران/يونيو).
إحدى نقاط القوّة في الاستطلاع أنه أُجري مع المعنيّين مباشرةً، أي مع الأثرياء أنفسهم. هؤلاء لا يخجلون، فالوقاحة من سمات الرأسماليين والمتموّلين عموماً على كل حال.
وللوقاحة ألوان وأشكال. أحد أوجهها قيام الوليد بن طلال أخيراً بمقاضاة مجلّة «فوربس» بسبب تقليلها من ثروته في آخر تصنيفاتها لأثرياء العالم، وإعلان رامي مخلوف نيّته التفرّغ للأعمال الخيرية. وجه آخر لهذه الوقاحة ترجمها 60 في المئة من الأثرياء المستطلعة آراؤهم عندما أعربوا عن ثقتهم بإمكانية جمع ثروات وزيادتها في هذه الفترة الزمنية «بشكل أسرع من السابق».
لا مشكلة لدى هؤلاء في تسمية الأمور بأسمائها، فمراكمة الثروة علامة نجاح في النهاية. في إجابتهم تلك، أعادوا التذكير بقانون رأسمالي طبيعي لم يحتج الناس لعبقرية كارل ماركس لاكتشافه: تراكُم الثروات عند طبقة أو فرد أو دولة، لا يمكن أن يحصل إلا بإفقار الطرف الآخر. ومن المستحسن أن يجري في سياق الحروب الأهلية أو سواها، والأزمات العنفية. ففي حين لم ينجُ أي بلد عربي من تداعيات الأزمة المالية العالمية، فقد زادت في المقابل ثروات الأغنياء العرب، وهم يتوقعون أن تستمر بالصعود كلّما طالت الأزمة المالية والانتفاضات العربية. وفي توقعهم تحصيل ثروات «بشكل أسرع من السابق» في حال ظلّت الأوضاع على حالها في المنطقة، فكأنّ بهم يتمنون أن تستمرّ الكارثة التي تضرب الغالبية العظمى من الشعوب العربية في الدول غير النفطية على الأقل.
صحيح أنّ التقرير لا يوضح ما إذا كانت ثروات هؤلاء قد تحققت في الدول العربية أم نتيجة استثماراتهم الخارجية، إلا أنه من المنطقي توقُّع أن يكون جزء من هذه الأرباح قد جُني من «أهل الدار»، بما أن الأقربين أولى بالمعروف. نسي الأثرياء العرب تمنين الشعوب العربية أنهم ساهموا بفعالية في سرقتهم من خلال «استثماراتهم»، لكن لم يفتهم الإعراب عن تفضيلهم تقديم أموالهم «إلى العائلة والأصدقاء والأعمال الخيرية في حياتهم بدلاً من توريثها». موقف «أخلاقي» يكاد يصدم القارئ قبل أن يكتشف، بحسب الاستطلاع دائماً، أن تفضيل أثريائنا نابع من قناعتهم بأنّ الأموال هي «بمثابة أداة تمكين لعائلاتهم»، وليس قراراً من قبلهم بالتكفير عن شيء مما ارتكبوه من ذنوب.
ولأنّ الاستظلال بالدِّين كفيل في الكثير من الأحيان بتأمين صكوك غفران للمسؤولين عن إفقار وتجويع واستغلال ملايين البشر، فإنّ 60 في المئة من أصحاب المليارات العرب المستطلعة آراؤهم طمأنونا إلى أنهم يميلون إلى تقديم المال إلى جهات خيرية «انطلاقاً من معتقداتهم الدينية».
يقرأ القارئ العربي العبارة الأخيرة، فإمّا يتمتم «بارك الله»، ويخلد إلى جوعه مبتسماً، أو ينزل إلى ميادين التظاهرات والمعارك مدرِكاً أنّ شيئاً كثيراً لم يبقَ ليخسره، وأن شيئا كثيرا ما زال يحتاج الى تغيير.


وسوم: العدد 49

للكاتب نفسه

«شجرة فوبيا»

أرنست خوري 2013-11-27

قام تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) يوم الجمعة الماضية (22 تشرين الثاني/نوفمبر) بقطع «شجرة الكرسي»، وهي شجرة بلّوط تقع قرب بلدة أطمة السورية، يزيد عمرها عن 160 عاماً،...

ليبيا وضحكة القذّافي

أرنست خوري 2013-11-13

لم يعد لرئيس الحكومة الليبية علي زيدان ما يجرّبه في محاولة إحكام قبضة سلطةٍ مركزيةٍ ما على جزء من أراضي البلاد، إلا التلويح بورقتين انتحاريتين خارجتين عن نطاق الصلاحيات النظرية...

هكذا تكلّم "الصندوق"

أرنست خوري 2013-10-30

أخيراً، خرجت البشارة من بيانات صندوق النقد الدولي: أعلى معدلات نمو اقتصادي في أفريقيا (وربما في العالم) للعام 2013، سجّلتهما ليبيا (16.7 في المئة) ودولة جنوب السودان (69.6 في المئة!)....