لم تعد سفارات الدول الأوروبية تتسع لجموع الشباب السوريين الذين دفعتهم الظروف المأساوية الحالية نحو الهروب، والأمل بحياة جديدة في الغرب. أصبح مألوفا في لبنان مشهد طوابير الشباب الواقف على أبواب سفارات ألمانيا والنروج والسويد وإسبانيا، إضافة إلى كندا وأميركا، وبين ذراع كل واحد كومة من الأوراق. ولكثافة الوافدين، قامت بعض السفارات بنقل ملفات السوريين من لبنان إلى سفاراتها في عمان، مثل النروج والسويد وسويسرا، التي لم تعد تستقبل إلا أوراق فلسطينيي سوريا في لبنان، أما السوريون فعليهم تقديم طلبات الفيزا في سفارات هذه البلدان في الاردن.
ظروف اللجوء الجيدة في دول الشمال الأوروبي بخاصة، التي عادة ما تمنح إقامة مؤقتة أو دائمة للاجئ، إضافة للضمان الصحي وراتب شهري وتأمين سكن لا سيما للعائلات، جعلتها قبلة السوريين الأولى. وبالمقابل، تزايد الصعوبات والتشديد في شروط قبول منح تأشيرات الدخول، وكثيراً ما يتم رفضها رغم تقديم كل الأوراق المطلوبة. وهذا ما حمل الكثيرين على التقدم إلى دول يبدو من الأسهل الحصول على تأشيرة الدخول إليها مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا، والتي أيضاً ما عادت تمنح إلا فيزا خاصة للدخول لأراضيها، دون تأشيرة «شنغن» التي تخول زيارة باقي دول أوروبا. وبالرغم من هذا، فأغلب السوريين الذين يصلون إلى إحدى دول الجنوب الأوروبي، سرعان ما يستقلون باصات أو قطارات للوصول إلى إحدى الدول في الشمال، مع أن احتمالات كشفهم من قبل شرطة الحدود كبيرة، حيث كثرت إجراءات التفتيش بعد الحرب الجارية في سوريا. فوفقاً لاتفاقية «دبلن» حول اللاجئين، يحق لأي دولة أوروبية إعادة الشخص طالب اللجوء على أراضيها إلى الدولة الأوروبية التي منحته «الفيزا». وعلى أية حال، وفي أسوأ الظروف، فلا يتم إجبار الشخص على العودة إلى سوريا. وقد حصل الكثير من السوريين الذين استطاعوا إثبات أن حياتهم تعرضت للخطر في سوريا، على إقامة مؤقتة ومشروطة بتحسن الوضع الأمني في سوريا، وحصل الناشطون الذين استطاعوا إثبات نشاطهم في سوريا أثناء الأزمة على إقامات دائمة.
وتفادياً للوقوع بين يدي شرطة الحدود، يتخذ الهاربون طرقاً غير شرعية. حيث هناك سائقون محترفون لنقل وتهريب السوريين القادمين لدول الجنوب الأوروبي نحو الشمال. وهذا لا يتم إلا لقاء مبالغ مالية كبيرة يتقاضاها السائق.
لم يعد السوريون يأبهون للمخاطر التي تواجههم. فبعد قصة الفارين من تركيا نحو اليونان في آذار/مارس الماضي، وبينهم نساء وأطفال، غرقوا جميعهم قبالة جزيرة ليسفوس، التقط خفر السواحل الايطالي في أول أيام العيد قوارب مليئة بالسوريين، حالفهم الحظ فنجوا.
وتحتل سوريا المرتبة الثالثة في طلب اللجوء لدول أوروبا بعد الصومال وأفغانستان. لا تقتصر طلبات اللجوء على الناس الذين فروا من الموت والدمار الذي لحق ببيوتهم وقراهم وأحيائهم. وإنما يستغل غيرهم الظروف الراهنة للهروب واللجوء إلى أوروبا ومنهم على سبيل المثال من كان يعيش في روسيا ودول أوروبا الشرقية لسنوات عديدة. وقد أعلن جهاز الإحصاء الأوروبي «يوروستات» أن عدد طالبي اللجوء في أوروبا لعام 2012 بلغ حوالي 340 ألفاً، وقد احتل طالبو اللجوء السوريون المرتبة الثانية في الإحصاء بحوالي 25 ألف لاجئ. أما معظم السوريين الذين يتقدمون بطلبات لجوء في كندا، فهم بالأصل ممن يعيشون في أميركا اللاتينية! وهكذا يختلط الحابل بالنابل، وهي على كل حال، وحتى في حالات «الاستغلال» أو ما يسمى «التزوير»... تشي بالمأساة.
مواضيع
سوريون وحلم الهروب
مقالات من سوريا
بعد الحرائق الأخيرة: الزيتون السوري ليس محصولاً استراتيجياً!
وقع النصيب الأكبر من الحرائق الأخيرة في محافظتي"اللاذقية" و"حمص". ووفق معلومات محلية مصدرها مديريات الزراعة في هاتين المحافظتين، فإنّ هناك ثمانين موقعاً اشتعلت فيها النيران بشكل مفاجئ، ودفعة واحدة، مما...
سوريا: "التعافي المبكر" حاجة ملحة للسوريين أم استجابة لرغبات المانحين؟
مع تتابع الانهيارات الشاملة في البلاد على كل الصعد، تصاعَد الفوران السوري في رغبة الخروج من البلاد، وهو ما قاد ــ بالمجمل ــ إلى تفكير الداعمين والمانحين في تغييرٍ استراتيجياتهم،...
خرائط التنمية المفقودة في الساحل السوري
حضور السلطة المركزية في المشاريع الأصغر، المحصورة في خدمة أهالي الإقليم، يقرّ مركزياً، بعد اقتراح مجالس المدن والبلدات المعيّن أغلب أعضائها من السلطة المركزية، عبر "قوائم الجبهة الوطنية التقدمية" اﻹجبارية...
للكاتب نفسه
«محكمة الإرهاب» في سوريا
شكلّت «محكمة الإرهاب» التي أنشأتها السلطات السورية بدلاً من محكمة «أمن الدولة العليا»، وفقاً للمرسوم الرئاسي رقم 22 العام 2012، واحدة من أهم الإجراءات الإصلاحية المتحققة بفضل الضغوط الشعبية الداخلية،...
"المكدوس" فقيد الفقراء في سوريا!
أصبح " المكدوس"، وهو من الأكلات السورية القديمة المصنفة ضمن "بيت المونة"، حلماً يراود السوريين بسبب غلاء مكوناته. فثمنها قد يتجاوز متوسّط الأجر الأسبوعي للموظف أو العامل في سورا. قبل...
مدارس سورية من قلب الرماد
يُعد قطاع التعليم واحداً من أكثر قطاعات الدولة السورية تضرراً، وذلك للأثر المباشر الذي تركته الأحداث في أعداد كبيرة من الأطفال الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس ومتابعة دراستهم. ويعود...