في تاريخ العرب حروب داخلية امتد بعضها لأربعين عاماً، أشهرها حرب داحس والغبراء، وحرب البسوس. اليوم يحق للعرب أن يفخروا بصفحة جديدة، تمثل بداية لتاريخ يسوده السلام والوئام الاجتماعي، حيث أصدر الرئيس اليمني في مطلع الشهر الجاري (أذار/مارس 2054) قراراً جمهورياً بحل الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء ومناضلي الثورة اليمنية، وأيلولة أموالها للهيئة العامة للتأمينات والمعاشات. يأتي هذا القرار استجابة للحملة الوطنية التي نظمتها جمعيات أهلية ومنظمات مجتمع مدني في مديريات أرحب، همدان، حوث، عذر، بني صريم، بني حشيش، رازح، باقم، الصفراء، الزاهر، المتون، وبرط العنان، والحملة البرلمانية التي نظمتها عضوات مجلسي النواب والشورى عن إقليمي سبأ وأزال لحل هذه الهيئة لانتفاء مبررات استمرارها، لاسيما أن اليمن لم تشهد أية حروب داخلية أو خارجية خلال الأعوام الأربعين الماضية. فآخر الحروب الداخلية التي شهدتها اليمن هي الحرب التي دارت معاركها العام 2014، بين بعض المليشيات المسلحة في محافظات صعدة، عمران، صنعاء، الجوف، وحجة. وقد بلغت أعمار أصغر أبناء شهداء هذا النزاع المسلح أربعين عاماً، ولم يعودوا بحاجة إلى مساعدة "هيئة رعاية أسر شهداء ومناضلي الثورة"، أما شهداء الشرطة الذين يسقطون في مواجهات مع عصابات الجريمة الجنائية، فهم مشمولون بقوانين الخدمة في أجهزة الشرطة والقوات المسلحة.
يذكر أن الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح كان قد أعاد "تنظيم" هيئة رعاية أسر شهداء ومناضلي الثورة اليمنية بالقانون رقم (5) العام 1993، الذي تضمن تعريفاً فضفاضاً للشهداء والمناضلين، فعرّفت المادة الثانية منها الشهيد بأنه الفرد الذي ناضل من اجل خلق المقدمات للثورة اليمنية وقدم حياته في سبيلها، أو فقد حياته في سبيل الواجب أو الصراعات السياسية المختلفة، وعرفت المناضل بأنه الفرد الذي ناضل نضالاً بارزا سواءً كان قياديا أو عادياً سياسياً أو عسكرياً من أجل الثورة اليمنية ومن أجل الوحدة اليمنية. هذا التعريف الفضفاض للشهيد والمناضل سمح للرئيس الأسبق والقائمين على الهيئة بمنح مرتبات لأسر قتلى هم أبعد ما يكونوا عن الشهادة.
فكثير منهم قتلوا في حروب داخلية خاضها النظام ضد المعارضين والقوى الوطنية المناضلة من أجل الديموقراطية وحقوق الإنسان، أو في حروب مصطنعة كان نظام الرئيس الأسبق يؤججها بين القبائل والطوائف والمذاهب من أجل إضعافها، وبالتالي استمرار هيمنته على السلطة. ومنح مرتبات لأشخاص لم يكونوا يوماً مناضلين من أجل قضايا وطنية، بل مارس بعضهم أعمالاً تضر بالوطن، بما في ذلك المشاركة في أعمال التقطع والنهب والحروب الداخلية وحروب المليشيات المذهبية أو الطائفية أو القبلية، وتسهيل هيمنة دول الجوار على القرار اليمني.
يرجع نجاح هذه الحملة إلى عوامل داخلية وإقليمية كثيرة، في مقدمها التحولات الديموقراطية التي شهدتها اليمن خلال العقود الأربعة الماضية، وماترتب عليها من تصحيح مؤسسي، وإلغاء كل المؤسسات الرعوية التي أسسها الرئيس الأسبق، فضلاً عن الآثار الإيجابية التي تركتها الموجة الثانية من ثورات الربيع العربي، بين العامين 2027 ـ 2030، وما ترتب عليها من تصحيح إعادة تنظيم علاقات دولها باليمن على أساس احترام السيادة اليمنية، وإيقاف الدعم الذي كانت تقدمه بعض الحكومات العربية والإقليمية لأطراف النزاع في البلاد. والأهم من ذلك كله أن الجماعات الاجتماعية والسياسية والمذهبية والطائفية اليمنية ذاتها توصلت خلال الأعوام الأربعين الماضية إلى قناعة باستحالة قضاء أي طرف على الآخر، وأن السبيل الوحيد لبقائها وازدهارها هو في التعايش والاعتراف بالتعددية وحق كل الأطراف في أن تعبر عن هوياتها، والسعي بأساليب سلمية لتحقيق مصالحها، وأن ذلك لا يتأتى إلا بتحقيق هدف ثورة الشباب المتمثل في بناء دولة مدنية ديموقراطية حديثة، ما دفع كل المليشيات المسلحة إلى تسليم أسلحتها طواعية للدولة العام 2017.
على الرغم من ذلك تشير الأخبار الواردة من بعض مديريات محافظات صعدة وعمران والجوف إلى أن مواطنين كانوا يحصلون على مرتبات شهرية من "هيئة رعاية أسر شهداء ومناضلي الثورة اليمنية" نظموا خلال الأيام القليلة الماضية مظاهرات سلمية معارضة لحل الهيئة، وأشار مراسل قناة اليمن الفضائية في محافظة الجوف إلى أن قوات مكافحة الشغب اعتقلت يوم أمس عشرة متظاهرين على خلفية حملهم مسدسات غير مرخصة، ويتوقع مثولهم أمام النيابة يوم غد...
مواضيع
اليمن خلفيات قرار إلغاء الهيئة
مقالات من اليمن
"حاملات الشَّرِيْم" في اليمن
يُعدّ "الشَّريم" من أهم أدوات العمل الزراعي في الريف اليمني. إذ يغلب على استخدامه في حصد الزرع أن يكون الرجال هم من يقومون بذلك. أمّا استخدامه في حشّ العشب (الحشائش)...
تحوُّلات العاصمة في اليمن
يُعدّ الإعلان الرئاسي عن نقل العاصمة الى "عدن"، في معناه القانوني، إجراءً رمزيّاً، لأن نقل العاصمة يقتضي إجراء تعديلات في الدستور اليمني، الذي لا يزال ينص على أن مدينة "صنعاء"...
حضرموت المغبونة.. فتيل مبتلّ بالنفط
حدد "حلف قبائل حضرموت" ثلاثة مطالب رئيسية، أوّلها أن يعترف رئيس "مجلس القيادة الرئاسي" "بحقّ حضرموت" في شراكة سياسية فاعلة، على مستوى السلطة العليا للدولة، وفي تقرير نوع التسوية الشاملة...
للكاتب نفسه
الثورة اليمنية حطمت الكوابيس.. ولم تحقق الحلم بعد
لم يتم تنفيذ معظم قرارات مؤتمر الحوار الوطني، لاسيما تلك التي لا ترتبط بصياغة الدستور الجديد، فلم يصدر قانون العدالة الانتقالية، ولم تشكل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، ولا تشكلت لجنة...
اليمن: قصة الصراع بين رئيسَين
"حكم اليمن يشبه الرقص على رؤوس الثعابين"، عبارة اقتبستها الباحثة البريطانية فيكتوريا كلارك عن الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وكان الشاعر إبراهيم الحضراني قد قال في إحدى قصائده: "وأتعس...
اتفاق لإنهاء حروب العواصم والنخب في اليمن
تتكون الطبقة السياسية اليمنية من نخب متصارعة، تشكل كل منها دويلة داخل الدولة، ولكل منها جيشها أو مليشياتها، ووسائلها الإعلامية ومؤسساتها المالية والتعليمية، و«عاصمتها». فمدينة عمران كانت منذ عام 1963...