مأزق ثَور الخدمات وجرّة الاموال في العراق

ثمَّة قصَّة يرويها العراقيون هذه الأيام، ترتبط ارتباطا وثيقاً بما تعيشه الحكومة من إخفاء لملفات الفساد ومعالجة الأمور بشكلٍ خاطئ، وهي تفيد بأن أهالي قرية حاروا في أمر ثور أدخل رأسه في جرة فخارية، واختلفوا إن كانوا سيكسرون الجرة أم يذبحون الثور، وأخيراً اتفقوا على أن يذهبوا إلى شيخ القرية ليحل الخلاف، فأفتى الشيخ أوَّلاً بذبح الثور، وبعد ذلك، ولما بقي الرأس داخل الجرة، أفتى بكسر الجرة، وبذلك
2013-02-06

عمر الجفال

كاتب صحافي من العراق


شارك
نور الدين أمين ـ العراق (noorart.webs.com)

ثمَّة قصَّة يرويها العراقيون هذه الأيام، ترتبط ارتباطا وثيقاً بما تعيشه الحكومة من إخفاء لملفات الفساد ومعالجة الأمور بشكلٍ خاطئ، وهي تفيد بأن أهالي قرية حاروا في أمر ثور أدخل رأسه في جرة فخارية، واختلفوا إن كانوا سيكسرون الجرة أم يذبحون الثور، وأخيراً اتفقوا على أن يذهبوا إلى شيخ القرية ليحل الخلاف، فأفتى الشيخ أوَّلاً بذبح الثور، وبعد ذلك، ولما بقي الرأس داخل الجرة، أفتى بكسر الجرة، وبذلك خسرت القرية الثور والجرة معاً. فجأة انزوى الشيخ وبدأ بالبكاء، فسارع أهل القرية بسؤالهِ عن سبب بكائه، فقال «من لكم بعدي إن مت». يتناقل العراقيون هذه القصة مجازاً عن وضع الحكومة العراقية، فلا هي حافظت على رأس الخدمات، ولا هي حافظت على جرَّة المال.
في حوار جانبي مع وكيل إحدى الوزارات العراقية في بغداد، وصف الإعلام العراقي بالثرثار «تعرف أن الإعلام يتكلم كثيراً لكننا لا نعيره أهميَّة، نحن أدرى بعملنا». تعليق الوكيل جاء رداً على خبر تناقلته وسائل الإعلام عن حالات فساد في وزارته.
وملفات الفساد في العراق تُكشف على قدم وساق في الصحف والفضائيات (3797 قضية فساد تداولها الإعلام لعام 2012 بمعدل تسعة مواضيع يومياً) بحسب هيئة النزاهة، بينما يقابل السياسيون هذه الفضائح بالصمت أو السخرية أو التكذيب، هذا ما تعوَّد عليه المواطن العراقي طيلة السنوات العشر الماضية.
إلا ان الذي استجد فهو ملفات الفساد التي تكشفها المؤسسات الحكومية عن هؤلاء الساسة والتي تقابل بإهمال من قبل الجهات التنفيذية.

ذمم.. مفتوحة الشهية

يوجب قانون هيئة النزاهة الرقم 30 لسنة 2011 على كل الأشخاص الذين يشغلون وظائف حددت عنوانها المادة 17 منه، على تقديم كشف سنوي بذمته المالية، ما دام شاغلاً لذلك العنوان الوظيفي. وفي 16 كانون الثاني من العام الجاري، أعلنت هيئة النزاهة عن كشف الذمم المالية لعام 2012، وأظهر تقرير النزاهة تقدماً ملحوظاً في كشف الذمم المالية لهذا العام، إذ شهدت استجابة رئاسة الجمهورية بنسبة بلغت 100 في المئة، واستجابة رئاسة مجلس الوزراء بلغت 75 في المئة، لعدم تقديم نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات كشفاً بمصالحه المالية، أما استجابة رئاسة وأعضاء مجلس النواب فقد بلغت 64.6 في المئة، فمن مجموع 325 نائباً، قدم 210 نائباً كشفاً بذممهم المالية، وامتنع 115 نائباً عن تقديم الكشف، بينما بلغت استجابة مجلس القضاء الأعلى 99.9 في المئة، واستجاب المحافظون ورؤساء الهيئات والجهات غير المرتبطة بوزارة، ومن هم بدرجة وزير بنسبة 100 في المئة. أما استجابة الوزراء فقد بلغت 96.7 في المئة، واستجابة رؤساء مجالس المحافظات بلغت 86.7 في المئة، حيث قدم 13 رئيس مجلس محافظة كشفاً من أصل الـ15، وبلغت استجابة أعضاء مجالس المحافظات 80 في المئة، إذ قدم 386 عضواً من أصل 482 كشفاً بذممهم المالية.
وبعد صدور نسب كشف الذمم المالية، قالت هيئة النزاهة في بيان تناقلته وسائل الإعلام إن 565 مسؤولاً في الحكومة العراقية تعمدوا إخفاء تضخم ثرواتهم في عام 2012، وقد تمكنت الهيئة من خلال زيارات إلى المصارف والدوائر التي لها علاقة بالمصالح والذمم المالية لمسؤولي الدولة من اكتشاف مئات المخالفات، وبينت المطابقات بين الذمم المالية التي قدمها المسؤولون وبين الجولات التفتيشية للنزاهة أن من بين المخالفين 10 وزراء و28 نائباً و30 مستشاراً ووكيل وزارة و5 قضاة و6 مفتشين عموميين و97 مديراً عاماً و66 استاذاً جامعياً و25 سفيراً و35 ضابطاً و87 عضو مجلس محافظة و176 معاون مدير عام.
وتمثلت المخالفات باخفاء 179 حسابا مصرفيا و364 عملية تداول في سوق الاوراق المالية و216 استمارة أسهم للشركات و364 سيارة وودائع قيمتها 5 مليارات و850 مليوناً و691 ألف دينار إضافة إلى 925 الف دولار.
وعلى الرغم من تقصي لجنة النزاهة للذمم المالية، والتي بدت فيها متفائلة مقارنة مع السنوات الماضية، إلا ان عضواً في اللجنة قال إن «كشف الذمم المالية للنواب والمسؤولين غير مجد ولن يقضي على الفساد»، مشيراً إلى أن «أغلب السياسيين لا يسجلون الأملاك والممتلكات بأسمائهم.
وفور صدور تقرير هيئة النزاهة، الذي أوضح نسب الفساد لدى المسؤولين، أفصحت لجنة النزاهة النيابية عن تعديل أجري على قانون الهيئة يتضمن إيقاف مرتبات المسؤولين الذين يمتنعون عن كشف ذممهم المالية، ما عدَّه القانونيون دعابة سمجة لا تستطيع الحدِّ من استهتار المسؤولين بالقوانين ومنعهم من التورط بعمليات فساد.

أموال بلا حدود

بمقابل هذا الفساد الذي كشفته هيئة النزاهة في مؤسسات الحكومة العراقية، تبدو إمكانياتها ضعيفة في تقصي أموال وأملاك السياسيين خارج العراق. هذا ما أكدته الهيئة في تقريرها الذي تقصَّى الذمم المالية لعام 2011، حيث تقول ان «أعضاء فريق التقصي غير قادرين على تعقب ثروات وودائع وممتلكات المكلفين خارج العراق لعدم وجود نشاط لهيئة النزاهة خارج البلاد حالياً». وإذا أخذنا بنظر الاعتبار التقارير المسربة عن ممتلكات السياسيين العراقيين في الخارج (صحيفة «فيدريكو» الإيطالية قالت ان ثروة رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي تبلغ 23,9 مليار دولار، بحسب ما نقلت عنها وكالات الأنباء العراقية) سنجد أن هناك الكثير من الاستثمارات العقارية في دول مثل لبنان ومصر والإمارات، وفي عواصم أوروبية مثل باريس ولندن ومدريد ... الخ، هي ملك لهؤلاء السياسيين وعوائلهم، ما يجعل هذه الاستثمارات بمنأى عن متابعة هيئة النزاهة وفق اعترافات مسؤوليها أنفسهم، ناهيك عن أن ازدواجية الجنسية عند أغلب هؤلاء السياسيين تشكل حصانة لهم ضد أي ملاحقة قانونية، كما حصل للمتهمين بقضايا فساد كبيرة والذين عادوا إلى الدول التي يحملون جنسياتها، مثل وزير الدفاع السابق حازم الشعلان ووزير التجارة السابق عبد الفلاح السوداني، ووزير الكهرباء الأسبق أيهم السامرائي.

سلطة خارج القانون

بيان هيئة النزاهة، الذي كشف عن تورط 565 مسؤولاً في الحكومة العراقية بإخفاء بيانات مالية، لم يكشف عن اسم أيّ من هؤلاء. ولا يستبعد أحد النواب أن يتم التغاضي عن الأسماء الكبيرة المتورطة مقابل ترضية سياسية من كتلة لكتلة أخرى. لكن النائب لم يوضح إن كان التغاضي سيكون عن طريق هيئة النزاهة ذاتها التي هرب أحد رؤسائها عام 2007 بعد اتهامه بقضايا فساد، أو من قبل القضاء الذي تورط خمسة من قضاته بإخفاء ذممهم المالية الصحيحة.
*******************

5980 متهمــاً بالفســاد

أعلنت هيئة النزاهة، يوم الرابع من شباط /فبراير الجاري عن إحالتها خلال العام الماضي نحو ستة آلاف متهم بقضايا فساد على المحاكم المختصة بقضايا فساد، تجاوزت تيريليون دينار عراقي في جميع محافظات البلاد عدا إقليم كردستان.
وذكرت الهيئة في بيان لها أنها أحالت «العام الماضي 5980 متهماً على القضاء بقضايا فساد في تعاملات تجاوزت تيريليون دينار».
وأضاف البيان ان «جداول التقرير أجملت مبالغ التعاملات التي وقعت فيها ممارسات فساد بتيريليون و335 ملياراً و74 مليوناً و667 ألفا و388 ديناراً».
يشار إلى أن الفساد الإداري والمالي، ومحاولة الضغط على مراجعي دوائر الدولة لدفع مبالغ مالية لقاء انجاز معاملاتهم، من الأمور المنتشرة في مؤسسات الدولة العراقية، إذ صنف العراق في جميع الاستبيانات الدولية في قائمة الدول التي تعاني الفساد المالي والإداري.

مقالات من العراق

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...

للكاتب نفسه

العراق الشاب.. أعزلٌ في وجه "اللادولة"

عمر الجفال 2019-10-22

تندّر السياسيون على دعوات الشباب للتظاهر قبل انطلاقها بساعات. عاملوهم على أنّهم قاصرون. أطلقوا عليهم لفظ "العوام": لا يستطيعون تنظيم أنفسهم، غارقين في الجهل، يصعب فهم لغتهم التي يروّجون فيها...