العطلةُ في المعجم الوسيط هي «مدَّة يوم أو أكثر تعطِّل فيها الدواوين والمدارس»، وفي المعجم الغني «عُطُلاوت وعطلات وعطلُ: مدَّة زمنيَّة يتوقَّف خلالها الأفراد أو المؤسسات عن العمل، تخصَّص للمتعة أو الراحة أو الاسترخاء»، أما في القاموس العراقي الجديد الذي تشكلت مفرداته ومعانيه ومرادفاته بعد الغزو الأميركي للعراق في نيسان/ابريل عام 2003، فإن العطلة أخذت مفاهيم جديدة مستمدة من التوازنات الطائفية وعلاقات الأفراد مع الأحزاب والميليشيات، بحيث تداخلت العطل مع الغيابات، وأصبح الاستثناء هو الدوام الرسمي المحسوب كزمن منتج مقابل أجر عام.
وعلى الرغم من أن الدستور العراقي الجديد (2005) قد حدّد العطل الرسمية باثنتي عشرة عطلة، إضافة إلى يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع، وهي أعياد رأس السنة والجيش والنوروز والعمال والاستقلال وعيدا الفطر والأضحى، إضافة إلى ذكرى ثورة 14 تموز، ويوم عاشوراء... فإن الحكومة العراقية، وبضغط التوازنات الطائفية التي غالباً ما تطفو خلافاتها حول رؤية هلال عيدي الفطر والأضحى على السطح، تلجأ إلى تمديد عطلة العيد لتتجاوز في بعض الأحيان ضعف عدد الأيام المقررة، كما حدث في عيد الفطر لهذا العام، حيث منحت عطلة اسبوع كامل.
كما أن المحسوبية، وخاصة محسوبية الأحزاب المشتركة في السلطة والميليشيات، فضلاً عن انتشار ظاهرة الرشوة، قد جعلت من البعض يتاجر بوظيفتهِ كمن يتاجر بالهواء أو التراب، إذ تسرَّبت تقارير عن وزارتي الدفاع والداخلية تؤكد أن أعداداً كبيرة من منتسبيها لا يلتزمون بالدوام اليومي مقابل تقاسم رواتبهم الشهرية مع ضبّاط كبار في وحداتهم وثكناتهم. وهؤلاء تطلق عليهم تسمية «الفضائيين»، لأنَّ زملاءهم في الوحدات العسكرية لا يرونهم إلا في أوَّل الشهر حين يستلمون رواتبهم. وينسحب الأمر على العديد من موظفي وزارات الدولة الأخرى وإن كان بشكل أقل مما هو عليه في وزارتي الدفاع والداخلية.
أما عن الرشى، فقد ضبطت هيئة النزاهة إحدى موظفات القسم الاستشاري في مستشفى اليرموك متلبسة بالرشوة مقابل منْح الراشي إجازة مرضية بلا حضور المريض أو فحصه، وهي حالة تكاد تشكِّل ظاهرة في معظم المستشفيات العراقية، إذ ضبطت الهيئة ذاتها في وقت سابق موظفاً يعمل في اللجان الطبية في مستشفى آزادي العام بمحافظة كركوك متلبساً بالرشوة مقابل منح موظفين إجازات مرضية من دون حضورهم، وبلا إجراء معاينة أو فحص.
ملايين ضائعة في زمن مفقود
«عطلة عيد الفطر الماضي كلَّفت الدولة خسائر مالية تقدَّر بأكثر من 80 مليار دينار»، أي ما يعادل 75 مليون دولار، بحسب عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار، النائب عن ائتلاف العراقية نورة سالم البجاري.
وتشير هيئة النزاهة في دراسة أجرتها عن الإجازات المرضية لموظفي القطاع العام شملت 25 وزارة وجهة غير مرتبطة بوزارة، إلى أن عدد الموظفين المتمتعين بإجازات مرضية بلغ 21.627 موظفاً وموظفة، بنسبة 18.2 في المئة من مجموع الموظفين في الجهات المذكورة البالغ عدد موظفيها 118847 موظفاً وموظفة. وتؤكد الدراسة أن «نسبة تمتع الإناث بالإجازات المرضية تزيد على نسبة الذكور إذ تبلغ 55.6 في المئة من الاجازات، مع أن نسبة الموظفات هي أقل بكثير حيث يبلغن 24 في المئة من مجمل الموظفين. وتستنج الدراسة أن «الإجازات المرضية العادية هي الميدان الحقيقي لتمارض موظفي الدولة، إذ بلغ عددها 498089 يوماً بما يعادل قيمة رواتب بلغت ما يعادل 8 ملايين دولار احتسبت على أساس أن متوسط راتب الموظف الشهري هو 500 ألف دينار» أي ما يعادل 420 دولارا.
الغدير والسقيفة وما بينهما
وفي مجلس النواب نشب خلاف جوهري بين الأعضاء بشأن العطل الدينية تركَّز حول مناسبتي عيد الغدير وعيد السقيفة. إذ يحتفل الشيعة في عيد الغدير الذي يعد عندهم عيد البيعة الكبرى للإمام علي بن ابي طالب حيث بايعه الرسول لخلافته في أمر المسلمين بعد وفاته. إلا ان المحاصصة الطائفية التي شملت كل مفاصل الحياة العراقية لم تستثنِ المناسبات الدينية، ولذلك انبرى عدد من نواب المجلس «السُّنة» ليعلنوا أن موافقتهم على عطلة الغدير مرهونة بموافقة من الجانب الآخر (أي «النواب الشيعة») على اعتبار عيد السقيفة، وهو تاريخ مبايعة ابي بكر الصديق خليفة للرسول محمد في سقيفة بني ساعدة، على لائحة العطل الدينية التي يقرها البرلمان!
إنها لعنة المحاصصة التي تجول في تلافيف عقول الشخصيات السياسية العراقية، حتى أنها أصبحت النسغ الذي يستمد منه وضعهم السياسي العام ووظائفهم الرسمية الحياة منه.
لم يتوقف سجال العطل الدينية عند عتبة عيدي الغدير والسقيفة، أي أنَّه لَمْ يَعُدْ حكراً على الشيعة والسنة، بل يتعداه إلى كل أطراف المحاصصة الأخرى، فالمسيحيون في العراق
يتمتعون بعطل رسمية لمدة ثلاثة أيام، ابتداء من 25 كانون الأول/ ديسمبر، إضافة إلى يومي العيد الكبير. واليهود لديهم خمسة أيام عطل، يوم واحد بمناسبة «يوم الكفارة» ويومان لعيد الفصح، ويومان لـ«عيد المظلة». والصابئة المندائيون لديهم خمسة أيام عطل. أما الايزيديون، فلديهم 13 يوماً من المناسبات والعطل...
كل يغني على ليلاه
يكشف موضوع العطل الرسمية والدينية بشكل فاضح تعامل القوى السياسية التي تتصدر المشهد السياسي مع القوانين والأنظمة حتى وصل الأمر إلى الدستور الذي صاغته تلك القوى في غفلة من الزمن العراقي الذي كان ينساب من بين أيدي العراقيين منذ لحظات الغزو الأولى. فمواد الدستور مقدَّسة وملزمة ما دامت تلبّي طموحات بعض هذه القوى، وتتجرد عن قدسيتها وإلزامها حين تتعارض مع تلك المصالح. ففي إقليم كردستان العراق الذي ساهمت قياداته بشكل فاعل في صياغة الدستور وفصلت بعض مواده وفقاً لقياسات كردية خاصة، كالمادة 140 المتعلقة بمدينة كركوك، ومواد متعلقة بآليات تغيير الدستور مفصلاً المواد الدستورية بما يتلاءم مع مقاسات المحافظات الكردية الثلاث، أربيل ودهوك والسليمانية. مع هذا، فإن حكومة الإقليم أعلنت أنها غير معنيَّة بعطلة عيد الجيش في السادس من كانون الثاني/ديسمبر من كل عام حيث تصادف يوم تأسيس فوج موسى الكاظم عام 1921، أول أفواج الجيش العراقي، بسبب «التجربة المريرة التي عاناها الكرد من ممارسات أفراد الجيش العراقي في زمن حكم النظام السابق» بحسب حكومة الإقليم. ولم تتوقف خروقات الإقليم الدستورية في ملف العطل الرسمية والدينية عند هذا الحد، بل تعدته إلى إعلان يوم 5 آذار/مارس عطلة رسمية، وهو يوم يوافق ذكرى الانتفاضة الكردية ضد النظام البعثي السابق التي جرت عام 1991. أما في ذكرى أعياد نوروز ورأس السنة الكردية الجديدة، الذي يوافق يوم 21 آذار/مارس، والذي حدده الدستور عطلة رسمية، لكن حكومة الإقليم تمدده إلى أيَّام عدّة غير ثابتة تتغيَّر سنوياً.
وسط هذه الفوضى، لم تتمكن الدراسات والمتابعات من تحديد عدد أيام العطل أو الدوام الرسمي الحقيقي في العراق. إذ تتراوح النتائج بخصوص الدوام الحقيقي ما بين 120 يوماً إلى 150 يوماً خلال العام. وهكذا، فدوام الموظف العراقي سنوياً يمثِّل الحد الأدنى مقارنة مع مثيله في أي مكان بالعالم. ويقول الاقتصاديون ان «الوقت أرخص شيء في العراق».