صدمات كبيرة يتلقاها العراقيون باستمرار، بعضها يتعلق بأجزاء مهمة من حياتهم كالتعليم الابتدائي والثانوي للأطفال والمراهقين والشباب، وهذا الجانب بات من اليسير وصفه بالكارثة، بعد أن كان مميزاً قبل ثلاثة عقود. الخراب المكدس في التعليم أصاب أرباب الأسر بالفزع ودفعهم إلى الاحتجاج بطرق متعددة، آخذة بالبروز يوما بعد آخر..
بلد المليون راسب
أبرز الصدمات جاءت بعد نشر دراسة لمؤسسة بحثية تضمنت الكشف، بخصوص الموسم الدراسي 2017/ 2018، عن رسوب ما يقارب مليون تلميذ وتلميذة في المرحلة الابتدائية (المرحلة الأولى من التعليم الأوّلي ويسلكها من هم بسن 6 سنوات إلى 12 سنة). مدير مؤسسة "مدَارِك" وهو مشرف تربوي، تحدث لوسائل الإعلام كاشفاً عن رسوب أكثر من 858 ألف تلميذ وتلميذة، وعدم دخول أكثر من 131 ألفاً آخرين للدراسة الابتدائية تهرباً وانحداراً نحو الأمية، وهي أرقام تقارب المليون من بين أكثر من ستة ملايين ونصف المليون طفل يدرسون في هذه المرحلة، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء.
امتنع الأهل عن إرسال أولادهم الى المدارس ليومين. لم ينجح هذا الاضراب في تعطيل العام الدراسي، لكنه استطاع تحريك الرأي العام، وأبرز قدرة الأسر على تخاذ قرار المقاطعة المؤقتة لمؤسسات الدولة. وتكرار الاضراب ضمن حركة احتجاج مدني واسعة وارد جداً خلال العام الجديد.
دفعت الإحصائيات المهتمين الى البحث عن المسببات، وجذبت الرأي العام باتجاه النقاش المحتدم حولها، وتوقف الإعلام مطولاً عند اتهام مناهج التعليم بالصعوبة والانغلاق أمام فهم التلاميذ. فشل رئيس قسم العلوم الصرفة في مديرية المناهج العامة في وزارة التربية، وفي لقاء تلفزيوني يبث مباشرة، في حل مسألة من كتاب الرياضيات للصف الثاني الابتدائي.. وهو ما يفسر عدم قدرة تلميذ يبلغ من العمر ثمانية أعوام على حلها! لم تكن السخرية المُرّة في مواقع التواصل الاجتماعي نهاية واقعة المسؤول، بل تزامن مع مبادرة واسعة للإضراب وإمتناع الأهل عن إرسال التلاميذ إلى المدارس ليومين، وذلك للسبب نفسه وهو "صعوبة المناهج".
الإضراب لم ينجح في تعطيل العام الدراسي، لكنه استطاع تحريك الرأي العام، وأبرز قدرة الأسر على إتخاذ قرار المقاطعة المؤقتة لمؤسسات الدولة. وبناء على مسح جزئي لردود الأفعال على قرار الإضراب فان تكراره ضمن حركة احتجاج مدني واسعة أمر مؤكد خلال العام الجديد.
انفجار الحقائق
تبعاً لأزمة صعوبة المناهج الدراسية والرسوب المليوني، عاد الرأي العام لتداول حقائق لم يكن مهتماً بها من قبل. فالإحصائيات الجامدة كانت تشير الى عدم وصول 47 في المئة من تلاميذ المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية، ومنهم من توقف ليختار الهروب من التعليم الحكومي أو التعليم بشكل عام.
وتبلغ نسبة من تجاوزوا المرحلة الثانوية من عدد الطلبة العراقيين ونجحوا بالوصول إلى الجامعة 23 في المئة فقط.
التعليم في العراق: عجز في بلد نفطي
04-07-2012
أما المعضلة الكبرى فهي المدارس بوصفها أبنية غير قادرة على استيعاب أعداد الطلبة، ولا توفير مستلزمات الدرس المريح لهم. يتجاوز عدد الأبنية المدرسية الحكومية في العراق 15 ألف مبنى، من بينها أكثر من سبعة آلاف تضرر إبان الحرب ضد داعش، أما ما تبقى، فثلثها يشهد وجود أكثر من مدرسة في المبنى نفسه بسبب الاكتظاظ. وبحسب بعض الدراسات، فإن معدل عدد التلاميذ والطلبة في الصف الواحد يتراوح بين الأربعين والخمسين في بغداد والبصرة والموصل.
حسابات الأبنية المدرسية
"حملة إنقاذ التربية" آخر ما انتهجته منظمات المجتمع المدني بالتزامن مع الكشف عن كوارث التعليم. البيان الذي أصدره فريق الحملة تضمن معلومات خطيرة يتم اعلانها للمرة الأولى، منها أن العدد الحقيقي للأبنية المدرسية الفعلية في عموم العراق (ما عدا إقليم كردستان) لا يتجاوز 7441 مبنى، تشمل مراحل الرياض، والابتدائية، والثانوية. ويشير البيان المقتضب كذلك إلى 320 مبنى تنحشر في كل واحد منها ثلاث مدارس في وقت واحد، حيث يبدأ الدوام اليومي في الأولى منها من الساعة 8 صباحا لينتهي عند الـ 12.30 ظهراً، ثم تليها المدرسة الثانية والتي تبدأ دوامها من الساعة 1 ظهراً حتى الساعة 4 عصراً، في حين يستمر دوام المدرسة الثالثة اليومي من الساعة 4 عصراً وحتى الساعة 6 مساء فقط!
العدد الحقيقي للأبنية المدرسية الفعلية في عموم العراق (ما عدا إقليم كردستان) لا يتجاوز 7441 مبنى، تشمل مراحل الرياض والابتدائية والثانوية. وهناك 320 مبنى تنحشر في كل واحد منها ثلاث مدارس في وقت واحد..
وجاء في ختام البيان تلخيص لمدى الاحتقان الحاصل، والسوداوية الماثلة في النظرة المجتمعية، حيث يقول فريق الحملة "ونحن إذ نتصدى لمسؤوليتنا الوطنية والاجتماعية، نضع مجلس النواب والحكومة الاتحادية والحكومات المحلية أمام مسؤوليتها في جعل القطاع التربوي في المرتبة الأولى ضمن سلم أولويتها، كونه يمثل مطلباً جماهيرياً ملحاً وحقاً كفله الدستور العراقي. كما أننا نُحمّل الحكومة مسؤولياتها إزاء المئات من المدارس الطينية، في بلد يحتوي على ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم، علماً أن هذه المدارس تحتوي على مقاعد دراسية محدودة ورثَّة، يتكدس فوقها عشرات الطلاب من كلا الجنسين. وهو مؤشر واضح إلى هدر المليارات من الدولارات المخصصة لدعم التعليم في الموازنة على مر الأعوام الماضية بسبب الفساد والفشل".
العنف المدرسي
مما يزيد الطين بلة تسرب مقاطع الفيديو من داخل المدارس بين الحين والآخر، تتضمن إساءات المعلمين والمدرسين للطلبة وتعنيفهم بقسوة. وعلى الرغم أن هذا الأسلوب منصوص في القانون على منعه، إلا أن تبريرات بعض منتهجيه من التربويين تقوم على حجة العدد الكبير في المكان الصغير البائس. آخر ما طفا على سطح الإعلام تصرف محافظ الموصل مع مدير مدرسة تسرب مقطع من تعنيفه للطلبة. أراد المحافظ معالجة المسألة ليزيدها تعقيداً، حينما بث مقطعاً مصوراً له وهو يعنف مدير المدرسة! وهي إهانة استشاط لها غضباً الكثير من العراقيين معتبرينها إساءة للمعلم والمدرّس العراقي.
وعلى الرغم أن عدد أيام الدراسة الفعلية في العراق رسمياً هي 200 يوماً للموسم الدراسي الواحد، إلا أن أن المتحقق فعلياً هو 150 يوماً في أحسن التقديرات، ويعود السبب الرئيسي في هذا التسيب وعدم انضباط المواعيد الدراسية إلى المناسبات الدينية التي تتزامن منذ أكثر من 12 عاماً مع الموسم الدراسي، وهي تستغرق بمجموعها شهراً كاملا من عمر التعليم السنوي.
الطامة العليا
الحكومة العراقية التي بات وصفها بالجديدة معيباً بعد أشهر من نيل رئيسها الثقة، لم تكتمل بعد، وعلى الرغم أن البرلمان صوّت على وزيرة للتربية إلا أنها لم تؤدِ القسم، وربما لاتفعل في قابل الأيام! ويعود ذلك الاحتمال إلى افتضاح كون الوزيرة من أسرة إنتمى اغلب أفرادها إلى داعش، حيث أن زوج الوزيرة وأخاها وأفراداً آخرين من الأسرة كانوا ممن بايع داعش إبان احتلاله للموصل، وعملوا معه، وبعضهم فجّر نفسه في هجوم على القوات الأمنية العراقية إبان معركة تحرير المدينة.
عدد أيام الدراسة الفعلية في العراق رسمياً هي 200 يوماً للموسم الدراسي الواحد، إلا أن المتحقق فعلياً هو 150 يوماً في أحسن التقديرات. والسبب الرئيسي في هذا التسيب وعدم انضباط المواعيد الدراسية عائدٌ إلى المناسبات الدينية التي تتزامن منذ أكثر من 12 عاماً مع الموسم الدراسي.
طبيعة تعامل الطبقة السياسية مع اختيار وزيرة التربية يكشف إلى حد كبير الكيفية التي ينظرون بها إلى مسؤوليات هذه الوزارة. فالوزارات توزع على الأحزاب بحسب حجم تمثيلها، لا لكي تمرر هذه الأحزاب خططها وبرامجها، بل من أجل نهب واردات مؤسسات الدولة حتى لو كان في ذلك خطر على مستقبل الأجيال ومدى تعلمهم وقدرتهم على كتابة أسمائهم.