قارب على الانتهاء عُمر الحكومة التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية للعام 2010 وتشكّلت بمخاض عسير دام نحو تسعة أشهر. وضعت هذه الحكومة العراق في أزمات عديدة، خدميّة وسياسيّة وأمنية، وخلقت صراعات، ربّما لم تشهدها البلاد من قبل، بعد أن أمسك رئيس الوزراء نوري المالكي السلطة بقبضة من حديد. كل هذا لا يبدو مهمّاً الآن، فالحكومة وفق المعطيات المتوفّرة راحلة، إلا أنها قد تخلِّف ثقافة جديدة سوف تمتد إلى الحكومة المقبلة التي ستتشكّل بعد الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها نهاية نيسان/ أبريل من هذا العام. إنها ثقافة «الواو».
في 7 آذار/ مارس 2010، خاض العراق انتخابات برلمانية طاحنة فاز فيها ائتلاف «القائمة العراقية»، الذي يضم شخصيات سنية وشيعية ومدنية، بـ91 مقعداً من أصل 325 مقعداً. وكان يفترض أن هذا الائتلاف، الذي تزعمه رئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي، سيشكل الحكومة وفق المادة 62 من الدستور التي تنصّ على أنه يتم تكليف رئيس القائمة التي تحصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، بتشكيل الحكومة. لكن نوري المالكي، رئيس الوزراء المنتهية ولايته حينذاك، والذي حصل ائتلافه، «دولة القانون» على 89 مقعداً في الانتخابات، طالب بإعادة فرز الأصوات يدوياً. وبالفعل أُعيد الفرز، إلا أن النتيجة لم تتغيَّر، فسارع إلى المحكمة الاتحادية التي تمتلك صلاحية تفسير المواد الدستورية في ظل غياب المحكمة الدستورية، لتعيد تفسير المادة على أن الكتلة الأكبر هي الكتلة التي تحصل على أكبر عدد من المقاعد «تحت قبة البرلمان»، أي بعد تحالفات الكتل، وليس التي تحصل على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية الناتجة عن الاقتراع. وهكذا مهّد هذا التأويل القانوني لولاية ثانية للمالكي بعد تحالفه مع كتل شـــيعية أخرى مثل «الاحرار» (التيار الصدري) و«المواطن» (المجلس الإسلامي الاعلى) و«الفضيلة»، بموازاة تســوية مع «القائمـــة العراقية» يحصل بموجبها اياد علاوي على رئاسة مجلس السياسات الاستراتيجية الذي لم يتشكل رغم انتهاء الدورة الانتخابية.
لم يكتفِ الرجل الذي شكّك في الديموقراطية والقوانين، ولجأ إلى حيل طائفية من أجل إقناع الأحزاب الشيعية بخطته للهيمنة على منصب رئيس الوزراء بذلك، بل هيمن على حقائب الدفاع والداخلية والامن الوطني، إثر رفضه لجميع الأسماء التي رشحتها الكتل لشغل هذه الوزارات. وهو شغل على مدى السنوات الاربع الماضية وزارة الداخلية بالوكالة، وكلف وزير الثقافة سعدون الدليمي، بوزارة الدفاع بالوكالة، فيما كلف فالح الفياض بحقيبة الأمن الوطني بالوكالة أيضاً، فضلاً عن 19 قائد فرقة عسكرية في الجيش كلهم مكلفون بالوكالة. وهكذا أحكم المالكي قبضته على جميع المؤسسات الأمنيّة، بعد أن تسلّم هو شخصياً جزءاً منها، وكلف بالجزء الآخر أشخاصاً يدينون له بالولاء المطلق. وقد حُكِمَت البلاد التي تعاني من أزمة أمنيّة حادة بـ«الواو» وحدها. ولا تهم النتائج، حيث زاد منسوب الخروق الأمنية (قتل أكثر من 8300 مدني في العراق خلال العام 2013 وحده).
حاول مجلس النواب ثني المالكي عن سياسة : «التعيين بالوكالة» التي انتهجها منذ تشكيل الحكومة إلا أنه فشل في آخر الأمر، على الرغم من أن النواب يتحدثون عن عدم قانونية تعيين مدراء ووزراء بالوكالة لأكثر من ثلاثة أشهر، ويتم التجديد لثلاثة أشهر أخرى في حال عدم توفّر بديل، وهذا في الحد الأقصى. إلا أن القانون الذي ضُرب عرض الحائط أثناء تشكيل الحكومة لم يعد الحديث فيه وعنه مجدياً بعد تشكيلها، حتّى بلغ الأمر وجود نحو 23 ألف وظيفة في مؤسسات الدولة العراقية تدار بالوكالة، بحسب التحالف الكردستاني، الذي يرى أن الهدف من هذا الأمر هو «تهميش الشخصيات الكفوءة في البلد».لكن ما هي المؤسسات التي تُدار بالوكالة؟ أوّلها هيئة النزاهة، التي عانى جميع مدرائها من الضغوط السياسية، ومنهم القاضي رحيم العكيلي الذي اتهمه المالكي من على التلفزيون بالتقصير بعمله، فسارع العكيلي إلى تقديم استقالته بسبب الضغوط السياسية. وتعتبر هذه المؤسسة من أهم المؤسسات في العراق بسبب تنامي الفساد (تصنف منظمة الشفافية العالمية وكذلك منظمة السمعة، reputation institute، العراق من الدول الأسوأ لجهة تفشي الفساد والمحسوبية). وثاني هذه المؤسسات، البنك المركزي، الذي يُتهم بسيطرة بعض الشركات عليه من خلال الاستحواذ على مزاد العملات الأجنبية والتحكم بأسعار صرف الدولار الاميركي مقارنة بالدينار العراقي، وتهريب تلك الأموال الى خارج البلد. وثالث هذه المؤسسات هي أمانة بغداد، أكثر المؤسسات تقصيراً في إعمار بغداد، والحفاظ على مدنيتها، وبناها التحتية... فضلاً عن مؤسسات ووزارات أخرى، جرى تأصيل بعض مدرائها الذين كانوا بالوكالة، إضافة الى وزارة المالية وهيئة الحج والعمرة وهيئة المساءلة والعدالة.