موازنة 2015 في العراق: حصاد الحصرم

كرَّ وفرّ بين الموازنة المالية لعام 2015 في العراق، وتدهور أسعار النفط في العالم. طاقم حكومة حيدر العبادي متسمِّر أمام لوائح أسعار النفط العالميّة وكأنه طاقم مضاربي أسهم في البورصة، يشطب ويضيف على قانون الموازنة التي طال انتظارها، يبحث عن سعر محدّد ليحتسب على اساسه سعر البرميل في الموازنة. لكن الخطوط البيانية للذهب الأسود بلا استقرار، وهذا يعني أن الموازنة غير مستقرّة أيضاً. <br
2015-02-05

عمر الجفال

كاتب صحافي من العراق


شارك
| en
هاتف فرحان-العراق

كرَّ وفرّ بين الموازنة المالية لعام 2015 في العراق، وتدهور أسعار النفط في العالم. طاقم حكومة حيدر العبادي متسمِّر أمام لوائح أسعار النفط العالميّة وكأنه طاقم مضاربي أسهم في البورصة، يشطب ويضيف على قانون الموازنة التي طال انتظارها، يبحث عن سعر محدّد ليحتسب على اساسه سعر البرميل في الموازنة. لكن الخطوط البيانية للذهب الأسود بلا استقرار، وهذا يعني أن الموازنة غير مستقرّة أيضاً.

موازنة إنفجارية

مثل الموازنات التي تم وضعها في السنوات الماضية، فإن موازنة عام 2015 في العراق "انفجارية" أيضاً، فبعد أخذ وردّ ودراسات متعددة، رفعت الحكومة قانون الموازنة إلى البرلمان بمبلغ 105 مليارات دولار، وبعجز بلغ نحو 20 في المئة يُسدد قسط منه عبر الاقتراض الخارجي من صندوق النقد الدولي بقيمة 4.5 مليار دولار، ومن البنك الدولي بمبلغ 2 مليار دولار.
وشكّل الاعتماد على النفط في الموازنة نسبة 67.3 في المئة، واعتمدت أيضاً على نسبة 12.4 في المئة على الإيرادات الأخرى من الضرائب والزراعة والصناعة والاتصالات وما شابه، أما الاعتماد الأكبر في سد العجز فهو على الاقتراض الذي بلغ حوالي 17.7 في المئة، و2.6 في المئة على الأرصدة المدوّرة.
وقد احتسبت الموازنة سعر برميل النفط بـ56 دولاراً، مع انتاج 3.3 مليون برميل يومياً كمعدل تصدير، الأمر الذي يعني تفاقم العجز مع انخفاض أسعار النفط إلى أدنى مستوياته، خاصة مع احتساب فارق السعر المقدّر بنحو 7 دولارات بين خام برنت والنفط العراقي في البرميل الواحد، فضلاً عن عدم بلوغ انتاج العراق أكثر من 2.7 مليون برميل يومياً بسبب سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على ثلث مساحة البلاد.
والعجز هذه المرّة لن يُسدّد عن طريق الاقتراض فحسب، وإنما عبر فرض ضرائب على بطاقات شحن الهواتف النقالة وخدمة الانترنت (20 في المئة) واستيراد السيارات (15 في المئة) وتذاكر السفر وأجور الكهرباء والماء والنظافة، بالإضافة إلى فرض ضريبة على السجائر والمشروبات الكحولية بلغت 300 في المئة. وهذه الضرائب لن تمس رأس المال إطلاقاً، إذ سترفع شركات الاتصال أسعار بطاقاتها، فيما انتاب الركود سوق السيارات بانتظار القواعد التي ستعلنها وزارة الماليّة، أما الخدمات مثل الماء والكهرباء والنظافة، فيبدو أنها ستظلّ على بؤسها، لكنه بؤس معزز بضريبة تتردّد أنباء بأنها ستكون مرتفعة.

مال الحرب

طبول الحرب واضحة وعالية في هذه الموازنة، فالحكومة والبرلمان عازمان على تطوير القوّات الأمنية، لاسيما بعد تبخّر الجيش والشرطة في فضيحة سقوط الموصل في حزيران/يونيو من العام الماضي أمام داعش. ومن أجل هذا التطوير، خصصت الحكومة حوالي 10 في المئة من أموال الموازنة لوزارتي الدفاع (12.75 مليار دولار) والداخلية (12.26 مليار دولار)، ومتطوعي الحشد الشعبي (983 مليون دولار)، ودوائر المخابرات والأمن الوطني.. ويأتي ذلك في وقت تتكتم فيه الحكومة على حجم الانفاق على صفقات شراء السلاح، أو كلفة الحرب المستمرّة منذ أكثر من عام في غرب وشمال العراق.
لكن تسريبات من وزارة الدفاع تكشف أن نفقات الحرب تتصاعد، وتبلغ حوالي 4 ملايين دولار يومياً في محافظة الانبار، والتي تقع نحو 80 في المئة من أراضيها تحت سيطرة داعش، ويطالب مجلسها المحلّي (بسبب قلق الحكومة من تسليح العشائر) بالسلاح من واشنطن بشكل مباشر، بالإضافة إلى أن العمليات في محافظة صلاح الدين تكلّف يومياً حوالي 6 ملايين دولار، وعملية تحرير الموصل لم تدخل جدول النفقات الفعليّة إلى الآن.
بالمقابل، فإن العبادي الذي بدا مزهوّاً وهو يكشف عن وجود حوالي 50 ألف جندي وهمي في تشكيلات الجيش (يسمون "فضائيين" بالمصطلح الشعبي)، لم يردّ على أسئلة تتعلق بآلية استرداد المبالغ التي سُرقت باسم هؤلاء كرواتب ونفقات أخرى، خاصّة وأنها مبالغ كبيرة قدّرت بحوالي مليارين ونصف المليار دولار، وقد تساعد بإعادة "الهيبة" إلى الجيش وسدّ العجز في الموازنة.
"الفضائيون" يظهرون أيضاً في الموازنة. هناك مؤسسات لا أحد يعلم بوجودها، ولا يسمع بإنجازاتها، تتصدر جداول الانفاق في الموازنة وتختفي بعد إقرارها مباشرة، تسجّل حضورها من خلال المال، وتصبح سراباً أثناء العمل. سيبدو تخصيص 1.9 مليون دولار لـ "الهيئة العراقية للسيطرة على المصادر المشعة" في بلد تتنامى فيه السرطانات حتّى صار في مقدمة البلدان من حيث عددها وأنواعها، ضرباً من الخيال، وسيصبح الأمر كوميدياً أكثر حين تخصّص الحكومة 321 مليون دولار لـ "مديرية نزع السلاح ودمج الميليشيات" في بلد تقلّ فيه السيطرة يوماً بعد آخر لصالح الميليشيات، التي تصبح المدافع الأول عن الحكومة والشعب أمام المجموعات الإرهابيّة.. بدلاً من القوّات الأمنية. وسيصبح الواقع غارقاً في الهزل والمأساوية حين نعلم أن هذه المبالغ خصصّت كل عام لهذه المديرية من دون أن تحدّ من نشاط الميليشيات، أو تسحب الأسلحة من الشوارع.

مسؤولون في بروج عاجية

قبيل تشكيل الحكومة، أدت "المحاصصة"، أو كما تخفّفها الأحزاب وتستخدم بدلاً عنها مصطلح "التوافقيّة"، إلى ابتداع منصب النائب الثالث لرئيس الجمهورية، بعد أن مضت الدورة السابقة بنائب واحد للرئيس إثر غياب الرئيس لأسباب مرضية وهروب النائب الأول بعد اتهامه بالإرهاب. سيحتاج هذا المنصب إلى مكتب جديد بموظفين وحمايات، وتأثيث وسيّارات مصفّحة.. وفي واقع الأمر، تبيّن أن رئاسة الجمهورية خصّصت نحو عشرين مليون دولار لتأثيث مكتبين وليس تأثيث مكتب واحد لنائبي رئيس الجمهورية، من أصل تخصيصاتها الفلكيّة البالغة حوالي 71.5 مليون دولار. وليس البرلمان أقلّ تكلفة من ذلك، إذ خصصت له الموازنة حوالي 246.5 مليون دولار، إذ تُقدَّر كلفة حماية النواب في البرلمان بحوالي 100 مليون دولار سنويّاً، ويكلّف شراء الصحف والقرطاسية للنواب البالغ عددهم 328 نائباً حوالي 6 ملايين دولار سنوياً. وقد أدّت هذه المبالغ الفلكية قبيل عامين إلى تظاهرات من أجل تخفيض نفقات ومرتبات النواب التي تبلغ 320 ألف دولار للنائب الواحد. إلا أن شيئاً لم يحصل، في وقت بدأ العراقي يعاني أقسى الظروف، إذ يعيش حوالي 23 في المئة من السكان على دولارين في اليوم الواحد، وحوالي 11 في المئة آخرين عاطلين عن العمل، وفقاً لاحصاءات الأمم المتّحدة.
وتصف اللجنة المالية البرلمانية موازنة 2015، بـ "موازنة أعباء"، و"اعتمدت سياسة التقشف"، وطبيعة الإنفاقات في هذه الموازنة توزعت ما بين التشغيلية بنسبة 64 في المئة، والاستثمارية لتمويل نفقات المشاريع بنسبة 36 في المئة. وتستحوذ وزارة النفط على نحو 13,2 في المئة منها، وستوقف الموازنة، وفقاً لمسوّدتها، المشاريع الإستثمارية التي لم تبلغ نسبة إنجازها 50 في المئة حتى تموز/ يوليو، ولم تلتفت الموازنة لتطوير الصناعة بالرغم من بحثها عن مصادر بديلة عن النفط للتمويل، إذ لم يخصص لوزارة الصناعة سوى 1.3 في المئة، بينما خصصت لوزارتي الزراعة والموارد المائية حوالي 10 في المئة من حجم الانفاقات، إلا أن هذا التخصيص لا يعطي النتائج المرجوة منه في ظل غياب تشريع قانون التعرفة الجمركية، والحدّ من استيراد المواد الزراعية.

حصرم الإدخار

وترفع الحكومة، مع هبوط أسعار النفط وازدياد كُلف الحرب، خيار "الادخار الإجباري" أمام الموظفين كأحد الحلول لخفض العجز في الموازنة والاستمرار في تمويل العمليات العسكريّة، وبات هذا الأمر يثير مخاوف الكثير منهم الذين يقدّر عددهم بحوالي 4 ملايين موظّف بين مدني وعسكري. وبمقابل هذا، لا يوجد لدى الحكومة حتّى الآن خطّة واضحة لإعادة رؤوس الأموال العراقيّة في الخارج، وليس لديها بالطبع معالجات لرفع قيود البيروقراطية التي تقف عائقاً أمام الشركات الاجنبيّة التي تسعى إلى الاستثمار في المناطق الآمنة من البلاد.
إنه عام حصاد العنب قبل نضوجه، والقفز على الفضيحة المالية التي أفرغت الخزانة العراقية بموجب صفقات ومشاريع وهمية قامت بها حكومة نوري المالكي.. التي استمر معظم وزرائها في حكومة العبادي بحقائب وزارية مختلفة.

 

مقالات من العراق

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...

للكاتب نفسه

العراق الشاب.. أعزلٌ في وجه "اللادولة"

عمر الجفال 2019-10-22

تندّر السياسيون على دعوات الشباب للتظاهر قبل انطلاقها بساعات. عاملوهم على أنّهم قاصرون. أطلقوا عليهم لفظ "العوام": لا يستطيعون تنظيم أنفسهم، غارقين في الجهل، يصعب فهم لغتهم التي يروّجون فيها...