عام 1620، وصلت طائفة من الغلاة الإنجليز إلى «صخرة بليموث» في إنجلترا الجديدة في شمال الأرض المفتوحة بفعل الغزو للاستيطان في ما بات يعرف بالولايات المتحدة الأمريكية. التقط هؤلاء الغلاة –الذين سموا أنفسهم بالقديسين- أنفاسهم واطمأنوا إلى أنهم وقد وصلوا إلى أرض الميعاد الخالية إلا من بعض الوحوش الحيوانية والوحوش الآدمية (السكان الأصليين)، وإلى أنهم قادرون أخيرًا على إقامة مجتمعهم الفاضل (أو بحسب تسميتهم التوراتية، صهيون الجديدة) القائم على قراءتهم المتزمتة للإنجيل وبالأخص للتوراة.
كان هؤلاء الغلاة ينتمون إلى طائفة بروتستانتية إنجليزية تدعى بـ«المتزمتين» أو «التطهريين» (puritans) أرادت أن تفرض تفسيرًا متشددًا للمسيحية على الكنيسة الإنجليزية. إلّا أن فرقة الغلاة التي سينتهي بها المطاف في أمريكا سرعان ما فقدت الأمل في إصلاح الكنيسة الإنجليزية (التي سيسمّونها من الآن فصاعدًا «عاهرة بابل» بحسب معجمهم القادم من تاريخ بني إسرائيل) فانفصلوا عنها وعن زملائهم «المتزمتين» (وصاروا في علم الفرق والمذاهب المسيحية يسمون بالانفصاليين وإن كان يشار لهم في الثقافة العامة الأمريكية وفي بعض كتب التاريخ بالـ«متزمتين») وذهبوا إلى هولندا التي كان يحكمها آنئذ المذهب الكالفيني المشابه لهم في تطرفه. وفي هولندا هالهم أن الكالفينيين الذين يدّعون التدين والطهر لا يمانعون في ارتداء الثياب المزخرفة في الأعياد. كفر الانفصاليون بعدئذ بقدرتهم على إصلاح مسيحيي أوروبا المنكبّين على زخرف الدنيا، وآمنوا أن خلاصهم الوحيد هو في استيطانهم أرضًا جديدة لكي يمارسوا تطرفهم وحدهم. وبعد أن تلوا آيات من التوراة تتحدث عن الخروج من مصر وغزو فلسطين وعن الأسر البابلي و«العودة» إلى القدس، أبحروا إلى «العالم الجديد».[1]
ستحكي الرواية الأمريكية المهيمنة فيما بعد مطولًا عن مظلومية هؤلاء في أوروبا وستجعل منهم لاجئين باحثين عن الحرية، وسيتعلّم التلاميذ في المدارس تفاصيل الرحلة الشاقة على متن سفينة المايفلاور عبر المحيط الأطلنطي وكيف شارفوا على الهلاك قبل أن يصلوا إلى صخرة بليموث. طبعا في «أمريكا» سيتغير الحال وسيجدون المأوى والغذاء والحرية؛ لم تنتج هذه الأسطورة فقط خرافة الحرية الأمريكية ولكنها أنتجت أيضًا نهجًا استعماريًا يرى الخلاص في الاستيطان والاستعمار.
النص الكامل على موقع "حبر"