براءة أحمد نظيف وحبيب العادلي من بديهيات الأشياء. رئيس الوزراء الأسبق ووزير داخليته تعاقدا مع الشركة الألمانية المصنِّعة للوحات السيارات المعدنية غير القابلة للتزوير.. درءا للإرهاب. والمبلغ الفلكي المسدد للشركة ثمن زهيد أمام نبل الغاية. بالطبع لم يتربحا ولم يهدرا أموال الدولة، بل كانا حريصين على أمنها وأمن المواطنين. ولعلهما يستحقان ميدالية تقدير. الحكم هذا هو قبل الأخير في مسلسل تبرئة الرجلين وإطلاق سراح العادلي المحبوس في قضية "تسخير الجنود لخدمة منزله" (يا عيب الشوم!) التي حكم عليه فيها 3 سنوات (انقضت)، بينما نظيف يُحاكَم وهو حر طليق.
قبل يوم من ذلك الحكم الجديد بالبراءة، صدر حكم آخر في محكمة أخرى يحَاكم بها 25 مجرما خطيراً يقف على رأسهم علاء عبد الفتاح. حكم على الشاب الناشط وزميله أحمد عبد الرحمن بالسجن خمس سنوات مشددة والمراقبة لخمس سنوات أخرى وغرامة مئة ألف جنيه. وحكم بشكل مشدد أكثر على الفارين، وجرى التساهل مع سائر المتهمين: 3 سنوات حبسا ومثلها مراقبة "وبرضو" غرامة مئة ألف جنيه، في ما يعرف بـ "قضية مجلس الشورى"، التي تبدأ بتهمة التظاهر من غير ترخيص وتنتهي بما يشبه تهم الإرهاب: "الترويع"! بل هؤلاء اتلفوا ممتلكات عامة، وسرقوا جهازا لاسلكيا من ضابط: يا للهول. التهمة الأخيرة أسقطت على ما يبدو، ولكن الحكم بقي كما هو.
تلك أحداث وقعت في يوم واحد محدد: 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، حين نظم الشباب أمام مجلس الشورى (الذي كان يشهد اجتماعات اللجنة التأسيسية للدستور) وقفة للمطالبة بإقرار منع محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية. فهاكم محكمة الجنايات تصدر عليهم العقوبات التي يستحقونها لتدخلهم في ما لا يعنيهم من أمور لها أصحابها وأهل اختصاصها من عليّة القوم.
تلك الأحكام تتجاوز وظائفها القضائية إلى حيز هو الأهم اليوم: كيف يُستعاد زمام السيطرة. زلزال "25 يناير" تسبب بنشوة الثائرين، فتجرأوا وحلموا بالتحرر. وهو أخاف المسيطِرين.. وهم يعملون على قطع الطريق على تكرار مثل تلك "المهازل". وليمْكن، فلا بد من إعادة ترتيب منظومة القيم المهيمنة، وأولها هنا ليس ما يبدو من اعتباط (منظم جدا)، ولا من تسييس (صريح) للقضاء، بل تأكيد مقولة يبدو أن الشباب نسوها في فورة حماسهم، مع أنها حكمة متوارثة: "العين ما تعلاش على الحاجب"!