كان ذلك قبل أربعين عاماً بالتمام. انتفض فلسطينيو.. كيف سنسمّيهم؟ أفضل التسميات هي تلك التي تحيل إلى الحدث الأكبر المزلزِل: "فلسطينيو 1948" (بينما يسمّيهم المحتل الإسرائيلي "الأقلية العربية" أو "عرب إسرائيل"، مضيِّعاً الموضوع).
كان ذلك إيذاناً باستحالة تمرير الاحتلال بصمت، هو الذي لم يتوقف يوماً عن التوسع: باتجاه ما تبقّى من فلسطين (الضفة والقطاع والقدس)، وباتجاه ما استحوذ عليه بالأصل: هناك كانت تجري مصادرات للأرض بحجج شتى (أملاك غائبين، أو مصلحة عليا الخ..) ومن دون حجج (بقوانين، وكأن شرعيتها مطلقة لمجرد سنَّها!). سقط شهداء وجرحى ووقع في الاعتقال من وقع. لكن الإعلان كان يستحق كل العناء والتضحيات. ومذّاك، لم يتوقف فلسطينيو 1948 عن تأكيد موقفهم المقاوم وفق شروط أوضاعهم، وقد تنخفض نبرته أحيانا أو تعلو (كما في الانتفاضة الأخيرة التي اندلعت في الخريف الفائت وحار الإسرائيليون كذلك، وكالعادة، في تسميتها، فقالوا "سكاكين" حتى خرجت المقصات والمفارك..). ولكنه موجود، مسجّل.
هكذا هو نضال الشعب الفلسطيني بوجه آلة الإلغاء ـ بكل معاني الكلمة. وفي الحصيلة، وفي المحطات التي تحث على الاستعادة كما اليوم، نقف أمام فشل إسرائيلي في استيعاب فلسطين ومحوها. وهذا طبعاً ليس بالشيء الهيّن في ظل اختلال مهول في توازن القوى، يعززه المسلك الرسمي للسلطة الفلسطينية التي تبدو عاجزة وفاشلة حينما لا يُشك بتواطئها.. والحالة العربية التي قد يكون نائب رئيس شرطة دبي يمثلها، بشكل كاريكاتوري بالتأكيد ولكنه فصيح. وهناك اتخاذ إسرائيل وخططها لمواجهة "الإرهاب" والأدوات التي تلجأ إليها (ومنها حالة الطوارئ الفعلية الدائمة) كمثال في زمن هيمنة النيوليبرالية في العالم، فتُستلهم في أميركا وأوروبا، بما يجعلها أقرب إلى النموذج منها إلى المختبر (وكمثال، أصبحت موضة الجدران شائعة: كانت 10 جدران في زمن الحرب الباردة وصارت اليوم 50، وزادت أطوالها 9500 كلم في السنوات العشر الماضية).. وهناك الدأب الإسرائيلي المؤكد، ومنه ذاك الذي يسعى لتطوير علاقاتها مع روسيا والصين والهند.. على أساس المصلحة، وعلى أساس وجود إنجازات متقدمة في قطاعات عديدة عسكرية ومدنية، مغرية وقابلة للتسويق..
.. وعلى الرغم من ذلك، يستمر الصراع، طالما هناك من يرفض الأمر الواقع.. ما لا يعفي من ضروراتٍ على رأسها نقاش الكيفيّات والشروط، وتعيين الآفاق.