كم غرنيكا؟

سيرورة التفاوض حول الوضع في سوريا، أو «جنيف 2» اختصاراً، ستكون طويلة ومتعرجة إلى حد... مقرف. فالفذلكات والمحاجات والتشاطرات جميعها، ومن أي طرف أتت، تُصْرف حيوات بشرية مهدورة في الظل من المنصات الخطابية، وقاعات المؤتمرات، والتقارير الدبلوماسية والصحافية. والمأساة أن قياس الزمن، الشعور به، مفهومه لو شئتم، ليس واحداً بين المحاصَرين في مخيم اليرموك مثلاً أو حمص القديمة، وبين سائر
2014-02-12

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك

سيرورة التفاوض حول الوضع في سوريا، أو «جنيف 2» اختصاراً، ستكون طويلة ومتعرجة إلى حد... مقرف. فالفذلكات والمحاجات والتشاطرات جميعها، ومن أي طرف أتت، تُصْرف حيوات بشرية مهدورة في الظل من المنصات الخطابية، وقاعات المؤتمرات، والتقارير الدبلوماسية والصحافية. والمأساة أن قياس الزمن، الشعور به، مفهومه لو شئتم، ليس واحداً بين المحاصَرين في مخيم اليرموك مثلاً أو حمص القديمة، وبين سائر الناس الذين يمتلكون ترف الجدل بعد الطعام. ولا الزمن واحد بين المقصوفين والآمنين. ولا بين المعتقلين والطلقاء. ولا بين المشردين على الطرق ومن يمتلكون منزلا يأوون إليه، مهما كان.
مع ذلك، سمحت الهدنة الخاطفة والموضعية بين اجتماعي جنيف الحاليين بإجلاء بعض سكان اليرموك أو حمص. القلة منهم. وأتاحت رؤية الدمار. أحياء بحالها تحولت إلى ركام. ولعل ما أبرز أكثر خرابها، بخلاف آلاف الصور السابقة والمنتشرة، هو وجود اكتظاظ بشري متحرك في وسطها، وجوه وقامات، نساء محجبات ورجال بثياب رثة. القصف الألماني لغرنيكا في بلاد الباسك الاسبانية عام 1937 (بينما كانت تدور رحى حرب أهلية هناك) دمر أكثر من 70 في المئة من المدينة الصغيرة. وقد خلدت لوحة بيكاسو الشهيرة الفظاعة. ولكنها لم تتمكن من منع الفظاعات اللاحقة، لا تلك التي دمرت المدن في الحرب العالمية الثانية، ولا هيروشيما وناغازاكي، ولا فيتنام، ولا الفلوجة إن لم نذكر سواها من العراق المنكوب. وكلها أحاطت بها تبريرات، وتفسيرات كاذبة: أدعي أن المقصود كان جسراً إستراتيجياً وليس مدينة غرنيكا.. أن الجمهوريين أنفسهم هم من فجّر وأحرق المدينة، وأن تدمير الفلوجة كان ضرورياً للقضاء على المجموعات الإرهابية (المقصود ما جرى عام 2004 وليس ما يتحضر لعام 2014). والكذب، منذ غرنيكا وحتى اليوم، لا يمنع اعترافات لاحقة بالحقيقة واستنكار الحروب وبشاعاتها... بعد انتهائها.
وكل التبجح في وقته لا يَحول دون الإقرار اللاحق بالفشل: انظر النظرية الأميركية الحالية عن الحرب على العراق. والأدهى أن معظم الدمار المديني عبر العالم والحروب، يظهر ظلال المضاربين العقاريين، هؤلاء الذين سيتولون مصادرة أحياء الفقراء (خصوصاً) لأغراض إعادة الإعمار الفخم أو»المفيد»... كما بدأ يتسرب بخصوص اليرموك أو حمص القديمة.

للكاتب نفسه

ماذا الآن؟

وقعتْ إسرائيل في خانة المستعمِر، واهتزت بقوة "شرعيتها" المصنوعة بتوئدة. حدث ذلك بفعل مقدار منفلت تماماً من همجيتها في الميدان وصل إلى التسبب في الصدمة للناس، وكذلك بفعل التصريحات والخطب...