مواضيع

سوق "سيدي بومنديل" في قلب تونس العاصمة

هو فضاء ذكوري بامتياز. فغالبية التجّار من الذّكور، وإن كان حضور المرأة المتسوّقة كبيرا فهي عادة لا تشعر بالأمان على حافظة نقودها من النّشل أو جسدها من التحرّش.

أمل المكي | 31 أيّار / مايو 2018 | من دفتر الاقتصاد الموازي: ما الذي تنتجه هذه المنظومة؟ | en

تم دعم هذه المطبوعة من قبل مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المطبوعة أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

لا تتأتّى أهميّة السوق الشعبي في ناحية "بومنديل" - أحد أكبر الأسواق الشعبية بتونس - من كونه مركزاً للتجارة "الموازية" فحسب، بل أيضاً من وجوده في قلب العاصمة التونسية، غير بعيد عن مقرّ الحكومة بـ"القصبة" وشارع "الحبيب بورقيبة". هو مجموعة أزقة مترابطة ومزدحمة بالمتاجر والبسطات، تمارَس فيه "المواطنة" على طريقة أبناء الهامش على مرأى ومسمع من السّلطات.. ينطلق "بومنديل" من ساحة "سيدي البشير" إلى "ساحة البرزلي". باعة متجوّلون وأصحاب "بسطات" دائمة وأصحاب دكاكين ومحلاّت. تختلف صيغة "العمل" بين تاجر وآخر، لكنّ معظمهم يشتركون في كسب قوتهم خارج الضوابط الرسمية.

قبل ثلاثين عاما، لم تكن السّوق تضمّ أكثر من 6 حوانيت لبيع التوابل والبهارات. لكنّ "بومنديل" تعجّ اليوم بمئات الباعة القادمين خاصّة من الدّاخل التونسي، المنسي بتتالي العقود والحكومات. تعرفهم بلهجاتهم المحليّة المميّزة وهم ينادون على بضائعهم بأصواتهم المرتفعة التي صار يعرفها السّوق منذ تسعينات القرن الماضي، عندما بدأ أبناء "جلمة" في التوافد إليه، فرادى وجماعات، محمّلين ببضائع مهرّبة بحماية من أصهار رأس النظام وتواطئهم.

في البدء كانت "جلمة"...

"جلمة" منطقة فلاحيّة تتبع محافظة "سيدي بوزيد" الواقعة في وسط الجمهورية التونسية. يضع مؤشّر التنمية الجهوية المحافظة في المرتبة العشرين على المستوى الوطني، ويشير إلى تواجد 10 معتمديات تابعة لها (من ضمن 13 معتمدية تشكّلها) واقعة بين المرتبتين 217 و258 من جملة معتمديات الجمهورية، وفق ما أكّدته نتائج المرحلة الأولى من إعداد المخطّط الخماسي للتنمية للفترة 2016/ 2020. تظافرت الطبيعة الفلاحية للمنطقة وغياب البنية التحتية المهيكلة والدامجة لمناطق الجهة، إضافة إلى تردّي التجهيزات والخدمات لتدفع هذه العوامل مجتمعة بأبناء "سيدي بوزيد" و"جلمة" على وجه الخصوص إلى التورّط مع عائلة "الطرابلسية" في تجارة التهريب.

ارتباط أحد أبناء "جلمة" بعائلة صهر الرئيس المخلوع كان كافياً لتتكوّن شبكة متماسكة من المهرّبين والتّجار والباعة المتجوّلين. يعتمد أعضاء الشبكة على القرابة العائلية، حيث ينتمي عدد هامّ منهم إلى عرش "أولاد خلفة"، لضمان تحرّك عددي كبير وانتشار أوسع بين المناطق الحدودية وأسواق العاصمة. فما يجمعه رابط الدّم لا تفرّقه مخاطر "الكونترا" (التهريب). يتوارث الأبناء عن آبائهم سرّ المهنة وآليات الالتفاف على مخاطرها الممكنة. يحفظون عن ظهر قلب منذ نعومة أظفارهم كلّ المصطلحات الدّالة على "التهريب" وطرقه ومسالكه ونظم العلاقات بين الفاعلين فيه.

تبدأ تجربة "أبناء جلمة" و"سيدي بوزيد" عموما مع "بومنديل" والشوارع المحيطة به منذ سنوات دراستهم الإعدادية، حيث يقبلون على العاصمة للعمل أثناء العطل المدرسية، لتتواصل إلى ما بعد دراستهم الجامعية إذا تعذّر عليهم إيجاد وظيفة. وقد أظهرت دراسة أجراها مكتب العمل الدولي أن أكثر من 75 في المئة من الشبان التونسيين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة يعملون في الاقتصاد الموازي.

هكذا يمدّ الأخطبوط أذرعه.. حتّى ينتهي إلى السّوق

ينتمي كثير من باعة "بومنديل" الشّباب إلى فئة "المهرّبين الصغار". يستفيد هؤلاء، وهم حديثو العهد بالسّوق، من علاقات القرابة للحصول على البضاعة المتوفّرة بالفعل لدى المزوّدين وبيعها في بسطات. غالبا لا يدفعون للمزوّدين ثمن السّلع إلاّ بعد بيعها بالفعل. قد يكون المزوّد أخا أو ابن عمّ أو معرفة. إذا كانت البضائع قادمة من "الجمارك" فإنّ وصولها إلى السوق يسير. لكنّ اللّحمة الحقيقية بين أبناء العرش الواحد والجهة الواحدة تتبدّى فعلاً في التعاون على إيصال السّلع المهرّبة عن طريق البرّ.

يستنبط "المهرّبون الصّغار" طرقاً جديدة كلّ يوم لتمرير بضائعهم عبر الحدود مع ليبيا والجزائر في سياراتهم الخاصّة أو سيارات النّقل الجماعي أو شاحنات نقل البضائع الصغيرة. وإذا أوقفتهم دورية فهم إمّا يدفعون لأعضائها "معاليم بسيطة" من قبيل 5 و10 دنانير، ويمرّون سالمين، وإمّا تتعرّض سلعهم للحجز ويتمّ تغريمهم. لكنّ هؤلاء المهرّبين الصغار يستفيدون في أحيان كثيرة من غضّ النظر عن مخالفاتهم مقابل تزويد الأمن بمعلومات تفيدهم في الحرب على الإرهاب. في المقابل، يستفيد عدد من العاملين في الأجهزة الأمنية أنفسهم من علاقات الزمالة لينقلوا بضائع مهرّبة في سيّاراتهم الخاصّة.

ولا يتخلّف الطلبة ضعاف الحال وبعض العمّال من ذوي الدّخل المحدود عن ركب "المهرّبين الصّغار"، حيث يقوم عدد منهم بجلب بضائع مهرّبة (سجائر، أجهزة إلكترونية، معسّل، ثياب...) في حقائبهم الشخصية أثناء السّفر في الحافلة أو سيارة النقل الجماعي. نادرا ما تتعرّض هذه الفئة إلى التتبعات باعتبار أنّ تفتيش الحقائب الخاصّة لا يتمّ إلاّ في حالات الطّوارئ، كما أنّ وضعهم يجعل الأمنيين يغضّون الطرف غالبا عن الموضوع.

ليست البضائع المهرّبة وحدها التي تباع في "بومنديل"، بل يعجّ السّوق ببضائع دخلت إلى تونس عبر البوّابات الرسمية للموانئ وبتصاريح قانونية، لكنّها تعرّضت إلى عملية "تحويل وجهة".

بعد بيع البضاعة، يتقاسم الباعة المتجوّلون وأصحاب البسطات في "بومنديل" الأرباح مباشرة مع مزوّديهم. من جهتهم، يقتسم أصحاب الحوانيت الأرباح وفق مساهماتهم في اقتناء الحاويات القادمة عبر الموانئ أو في استجلاب البضائع عبر شاحنات التهريب البريّ. كما يحصل الوسطاء الّذين يتولّون تسهيل وصول الحاويات وإخراجها، ومنهم موظّفون في الديوانة ومسؤولون في الأمن وسياسيون ذوو نفوذ، على عمولات كبيرة.

يستجلب كبار تجّار "بومنديل" البضائع أيضا عن طريق المهرّبين الكبار أو ما يعرف بـ"البارونات". تخرج تحت إمرة هؤلاء قوافل ليلية، في الغالب، تحت حماية شبكات أمنية خاصّة. تعمل القوافل بأسلوب "الكشّاف"، وهو شخص تتقدّم سيّارته المحمّلة بسيولة مالية كبيرة بقية السيارات المحمّلة بالسّلع (أجهزة الكترونية، سجائر، بنزين إلخ...). يقوم "الكشّاف" بدفع الأموال للدوريات الأمنية فإذا قبلتها هذه الأخيرة يشير على بقية السيارات بمواصلة الطريق، أمّا إذا رفضت الدورية الرشوة فإنّ القافلة تتوارى عن الأنظار بعيداً عن الطريق في انتظار تغيير الدورية.

ويشير تقرير للبنك الدولي إلى أنّه من الواضح أن هناك زيادة مطّردة في أنشطة التجارة غير الرسمية على طول أجزاء كبيرة من الحدود التونسية مع ليبيا والجزائر، مبيّناً أنّ تكاليف النقل تبلغ حوالي 200 دينار لحمولة الشاحنة (حوالي طن واحد) من البضائع العادية، وأنها يمكن أن تصل إلى 1000 دينار تونسي لمنتجات أكثر حساسية. فبعد أن كان التبغ والكحول أهم السلع المدرّة للأرباح أصبح التهريب يطرح مخاطر دخول الأسلحة والمخدرات. كثير من هذه البضائع تعبر طريقا محفوفا بالمخاطر لتحطّ الرّحال في أسواق العاصمة على غرار "بومنديل".

لا شيء تغيّر بعد الثورة

في السنوات الأولى بعد الثورة، عرف "سوق بومنديل"، كغيره من الأسواق الشعبية تراجعاً في حركيّته بعد توقّف نشاط المزوّدين وتعطّل حاويات البضائع أسابيع وأشهر في الموانئ. وتوجّه تجّار "بومنديل" و"المنصف باي" و"الصبّاغين" برسالة إلى الوزير الأوّل في الحكومة المؤقّتة (7 آذار/ مارس - 23 تشرين الأوّل/ اكتوبر 2011) آنذاك الباجي قايد السبسي، مفادها أنّ أكثر من 10 آلاف تونسي تضرّروا من تعطّل أعمال عائلاتهم في الأسواق التي تضمّ مجتمعة أكثر من 2000 متجراً، معترفين في رسالتهم بأنّهم لا ينكرون أنّهم كانوا أكثر من عشرة أشخاص يشتركون في حاوية واحدة ويتمّ تسهيل مهمّة إخراجها بفضل وسطاء من حاشية "الطرابلسية".

لكنّ حالة الرّكود بتعطّل الحاويات في الموانئ وتوقّف عمليات التهريب عبر البرّ لم تدم طويلا. ذهب الطرابلسية وحلّت محلّهم عائلات أخرى، أو كما يحلو للتوانسة أن يعلّقوا ساخرين "ذهب بن عليّ وجاء الأربعون حرامي". ليس باعة "بومنديل" من أصحاب البسطات سوى الحلقة الأضعف من شبكة أخطبوطية متشعّبة الأطراف أصبح يديرها "بارونات" تعرفهم السلطات وتغضّ عنهم الطْرف. فإذا ما قامت الشرطة البلدية بمداهمة السوق فإنّ أصحاب البسطات سيكونون أوّل من تصادَر بضاعتهم ويتعرّضون إلى الملاحقة إن لم يتمكّنوا من الهرب، أمّا أصحاب الحوانيت فهم آمنون على أنفسهم وبضائعهم، وإن كانت قادمة من المصدر نفسه وفي الغالب غير مصحوبة بفواتير.

في الفضاء المديني، يشعر تجّار "بومنديل"، واغلبهم من الشباب، بالاغتراب. هم وافدون على السّوق، يرفضهم الباعة الأوّلون ويعاديهم شباب الأحياء المجاورة متعلّلين بأنّهم "سرقوا قوت يومهم". يحملون بدل الوصم وصمين: فهم القادمون "من ورا البلايك" (من المدن الداخلية) وهم "الكناترية" (المهرّبون).

ليست البضائع المهرّبة وحدها التي تباع في "بومنديل"، فكثير من البضائع التي يعجّ بها السّوق دخلت إلى تونس عبر البوّابات الرسمية للموانئ وبتصاريح قانونية، لكنّها تتعرّض إلى عملية "تحويل وجهة" من مسالك التسويق الرسمية إلى المسالك الموازية. بضائع تونسية المنشأ أيضا تغادر المعامل في اتّجاه الأسواق الموازية لتباع في "بومنديل" ومثيلاتها بنصف السّعر أو أقلّ.

تتمّ هذه العمليات تحت حماية سياسية وأمنية، حسب الخبير الاقتصادي مصطفى الجويلي. ففي ميناء حلق الوادي مثلا، فوجئ المسؤولون قبل عامين تقريباً بتعطّيب كاميرات المراقبة، خاصّة تلك التي تراقب البوّابات الرئيسية للميناء، فطلبت الإدارة من الشركة المسؤولة عن الكاميرات تثبيت كابلات أجهزة المراقبة في الجدران. لكن لم يمض وقت طويل، حتى انهار الحائط الرئيسي إثر تعرّضه لصدمة من جرّار! كما يؤكّد العارفون بالأسواق الموازية، أنّ بضائع عديدة تغادر الميناء إلى غير وجهتها المفترضة فيما يتواصل قدوم حاويات تحمل بضائع غير التي تمّ التصريح بها.

وفي حين تسلّط السلطات الأمنية أعوان البلدية ورجال الشرطة على رقاب الباعة المتجوّلين وتجّار الأسواق الشعبية، متّهمة "الكناترية" بـ"التغوّل"، يستفيد كبار المهرّبين من نفوذهم وعلاقاتهم برجال السياسة والمسؤولين رفيعي المستوى في وزارات الداخلية والتجارة وغيرها ليكدّسوا ثرواتهم آمنين.

حدود غير واضحة

لم تكن ظاهرة التهريب والتجارة الموازية وليدة الثورة أو نتيجة لحالة التراخي الأمني التي أعقبت 14 كانون الثّاني/ يناير 2011، بل لطالما كان تهريب مختلف البضائع الاستهلاكيّة كالمواد الغذائيّة والأجهزة الالكترونيّة والبنزين يجري على مرأى ومسمع من السلطات التونسية. يعود ذلك أوّلا إلى تورّط أصهار الرئيس المخلوع وبعض أفراد حاشيته الّذين كانوا يوفّرون التسهيلات اللوجيستية ويؤمّنون تمويل اقتناء البضائع بل والحماية من الملاحقات الأمنيّة للمهرّبين، مستغلّين في ذلك نفوذهم وفساد الجهاز الجمركيّ في مقابل اقتسام الأرباح. وثانياً، لما توفّره هذه الأنشطة من مواطن رزق لعدد ضخم من سكّان المناطق الداخلية، وخاصّة الحدوديّة منها، في ظلّ غياب سياسة تنموية حقيقيّة في تلك المناطق.

والإشكال في تونس يتمثّل في غياب حدود واضحة بين الاقتصادين المنظّم والموازي، فمثلا، كثير من الموادّ الكيميائية والرّصاص والنّحاس تدخل إلى البلاد عن طريق التهريب لكنّها تنخرط في المسلك الاقتصادي المنظّم بعد شرائها من قبل شركات صناعية مرخّص لها.

مَكّن أفراد عائلة "بن عليّ" و"الطرابلسية" حاشيتهم وأتباعهم من شهادات توريد مجّانية بأسمائهم يستعملونها لصالحهم أو لحساب الغير، وذلك مقابل عمولة، تعوّض الضريبة الجمركية، يتقاضونها. وفي مجال التجارة الموازية ساعدت ظاهرة الاقتصاد الموازي على تواجد أسواق سوداء، تنتصب داخل دائرة الضوء على غرار "بومنديل"، لتقوم بتسويق سلع "الطرابلسية"، وهي غير مرسّمة بمكاتب المراقبة الجبائية.

لا مفرّ من الهامش

تتكشّف لنا إحدى المفارقات التي تطرحها ظاهرة "التهريب" وتنعكس على واقع تجّار "بومنديل". فأبناء "جلمة" هربوا من بؤس مناطقهم الداخلية الهامشية إلى السّوق بحثا عن لقمة العيش ورغبة في المشاركة الواقعية في خيرات المجتمع وأنشطته، لكنّ السوق انغلقت عليهم كمصيدة فئران ليجدوا أنفسهم داخل هامش مدينيّ أكثر قسوة.

في الفضاء المديني، يشعر تجّار "بومنديل" بالاغتراب. هم وافدون على السّوق يرفضهم الباعة الأوّلون ويعاديهم شباب الأحياء المجاورة متعلّلين بأنّهم "سرقوا قوت يومهم". يعرفهم سكّان العاصمة بلهجاتهم المحليّة المميّزة وهم ينادون على بضائعهم. يحملون بدل الوصم وصمين. فهم القادمون "من ورا البلايك" (من المدن الداخلية) وهم "الكناترية" (المهرّبون). وما بين وصم ووصم، يتفاقم رفض الباعة بدورهم للاندماج في المجتمع المديني فتراهم يعيشون غالبا في إطار جماعات منغلقة على نفسها في أحياء بعينها.

يعيش باعة "بومنديل" خوفا دائما من مصادرة بضائعهم على أيدي أعوان الشرطة البلدية. تصبح القدرة على لملمة البسطة في وقت قياسي وإطلاق الساقين للريح كفاءة ضرورية للعمل في شوارع السّوق الممتدّة كالشرايين النّابضة في جسد "وسط العاصمة" حيث الحضور الأمني المكثّف.

يجد تجّار "بومنديل" أنفسهم، بما هم "آخر هامشي متموقع ضمن نظام اقتصادي واجتماعي محدّد"، خارج النسق الاجتماعي بعد أن "تمرّدوا" على عالم الإنتاج فلفظهم بدوره خارج حدوده، وذلك سواء كان هذا الإنتاج اقتصاديا أو رمزيا ثقافيا يتجلّى في شكل المنظومة القيمية والرمزية والثقافية للمجتمع. فعدا عن الوصم الاجتماعي والنظرة الدّونية، يعيش باعة "بومنديل"، خاصّة منهم الّذين لا يملكون متاجر وهم كثر، خوفا دائما من مصادرة بضائعهم على أيدي أعوان الشرطة البلدية. تصبح القدرة على لملمة البسطة في وقت قياسي وإطلاق الساقين للريح كفاءة ضرورية للعمل في شوارع السّوق الممتدّة كالشرايين النّابضة في جسد "وسط العاصمة" حيث الحضور الأمني المكثّف.

إقرأ/ي أيضاً، من المغرب:

أصحاب المحلاّت التي تبيع البضائع التونسية والمفوترة لا يغفرون لأصحاب البسطات أيضا منافستهم واستقطابهم لروّاد السّوق. ساهم تراجع القدرة الشرائية للتونسيين في انتعاش تجارة "البسطات" في السّوق على حساب المحلاّت. فالتونسية متوسّطة الحال أو ضعيفتها تفضّل اقتناء قارورة بديل الزيت من ماركة معروفة فئة 350 مل بـ5 دنانير ونصف من "البسطة" بدل اقتنائها من المحلّ المجاور بـ11 دينارا و700 ملّيم. لا يهمّ ما إذا كانت القارورة الأولى "مجهولة المصدر" ومعرّضة لأشعّة الشمس طوال اليوم، المهمّ هو إرضاء الحسّ الجمالي وتوفير بضعة دنانير.

"بومنديل" هو فضاء متوتّر يتنامى فيه الشعور بالاغتراب. وهو فضاء ذكوري بامتياز. فغالبية التجّار من الذّكور، وإن كان حضور المرأة المتسوّقة كبيراً فهي عادة لا تشعر بالأمان على حافظة نقودها من النّشل أو جسدها من التحرّش.

محتوى هذه المطبوعة هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

مقالات من تونس